queenarwauni

ترجمة الاعمال العالمية للعامية المصرية.. جدل جديد حول الهوية والتاثير

اخبار اليوم الصحيفة, ترجمة الاعمال العالمية اخبار اليوم الصحيفة, ترجمة الاعمال العالمية

معرض القاهرة الدولي للكتاب المزمع عقده بعد ايام سيشهد طرح اعمال مترجمة للعامية (الجزيرة-ارشيف)
القاهرة- تجددت معركة الفصحى والعامية مؤخراً في مصر عقب اعلان دار نشر طرح ترجمة بـ “المصرية” لرواية الاميركي ارنست همنغواي “العجوز والبحر” -خلال معرض القاهرة للكتاب المزمع ان يبدا يوم 26 يناير/كانون الثاني الجاري- وهي الرواية المترجمة للفصحى عدة مرات من قبل.
وانتقد متابعون النص المطروح مترجما عن الرواية العالمية، باعتبار ان مفرداته “رثة ورديئة” ففي النموذج المنشور على صفحة المترجم جاء فيه “وبعدين رقد ع السرير، شد اللحاف فوق كتافه، وبعدين غطا ضهره ورجليه ونام على وشه”.
وقال منتقدو الترجمة انها ليست “للهجة المصرية” كما ذكر المترجم، ولكنها ترجمة للهجة “القاهرية” وهي لهجة سكان العاصمة وعدد من المدن حولها، في حين تختلف بشدة عن لهجات الصعيد والدلتا التي تتباين بدورها فيما بينها.
وعلمت الجزيرة نت -من مصادر بدور النشر- ان معرض القاهرة الدولي للكتاب سيشهد طرح اعمال مترجمة للعامية، منها نفس الرواية “العجوز والبحر” ولكن لمترجم اخر، هو هكتور فهمي.
وتعالت اصوات الجدل حول تلك الظاهرة، عقب اختيار رواية “المولودة” المكتوبة بالعامية، للفوز بجائزة ساويرس عام 2018، وهو ما مثل دعما للاعمال المكتوبة بالعامية.
وشهدت دورات المعرض خلال السنوات القليلة الماضية جدلا بسبب تساعد هذه الظاهرة، وقام المترجم فهمي بترجمة رواية “الغريب” للمؤلف الفرنسي البير كامو، و”الامير الصغير” الى العامية، ثم جرت ترجمة “رسائل بولس الرسول” الى العامية، وقام محمود حسنين ايضاً بترجمة الرواية الالمانية “لبن النمرة”.
وتعد رواية “قنطرة الذي كفر” وهي الوحيدة لكاتبها مصطفى مشرفة من اولى الاعمال المعروفة المكتوبة بالعامية، وتتناول احداث ثورة 1919 في مصر.
قطيعة
وراى الناقد احمد كريم بلال ان نزوع لغة الرواية الى استخدام العامية “سلاح ذو حدين” فمن ناحية هي وسيلة جيدة لبلورة الابعاد بشكل واقعي، ومن ناحية اخرى تمثل الى حد ما “فجوة اسلوبية” وهو امر ليس بـ “الهين”.
واضاف كريم في حديثه للجزيرة نت “الاغراق في الاقليمية يحكم استغلاق الرواية على القارئ العربي، وقد عانيت كثيرا في قراءة بعض اعمال الطيب صالح التي كتب فيها بالعامية السودانية مستخدما الفاظا مجهولة لنا نحن المصريين، على ما بيننا وبين الاشقاء السودانيين من الفة وتقارب”.
ومضى: بل اقول انني وانا واحد من ابناء الصعيد، استوقفتني عبارة قراتها في رواية “الجبل” لفتحي غانم يتحدث فيها البطل عن “البر الشرجي” واستخدم فيها حروفا بنطق قاهري لكلمة “الشرقي” واخرى بعدها بسطرين يقول فيها ان “الفجر مش عيب” ويقصد ان “الفقر ليس عيبا” مستخدما نفس الالية التي يقرا بها القاهري الكلمات، مما يحدث ارتباكا لا ريب فيه للقارئ غير القاهري، فمالنا بالعربي غير المصري؟”.
واكد المتحدث ان للعربية خصوصية مختلفة تماما تجعل القارئ الذي اعتاد الفصحى يجد القراءة بالعامية صعبة جدا، موضحاً ان لذلك علاقة ابعادا دينية وتراثية.
ولفت الى ان الدعوة الى استخدام العامية في مصر ليست وليدة المرحلة الراهنة، وانما هي حلقة اخيرة مسبوقة بتاريخ طويل بداه المستشرقون وتلاميذهم والمتعصبون لهم، وهو ما ذكرته الكاتبة نفوسة زكريا سعيد مؤلفة كتاب “تاريخ الدعوة الى العامية واثرها في مصر” الذي تتبعت فيه تلك الدعاوى ومراميها واخطارها بشكل واف.
واعتبر بلال ان المستهدف، من وراء مثل تلك الدعوات، هو القطيعة التامة مع التراث العربي الاسلامي، وهي لا تجد صدى لها لا في مصر وحسب ولكن ايضاً في بلدان عربية اخرى.
واعرب الناقد الادبي عن اعتقاده بان هذه الدعاوى تحمل بين ثناياها دعائم فشلها، لانها من الناحية العملية غير فعالة في التواصل والتداول، فضلا عن المخاوف المتعلقة بالهوية والقطيعة مع التراث، تلك التي تجعل الناس تنظر اليها بعين الارتياب.
معركة قديمة
اما الناشر محمد البعلي فيكشف في حديثه للجزيرة نت عن مقاربة مختلفة للتعاطي مع هذا الامر، مؤكداً انه لا يصح التعامل معه باعتباره ظاهرة جديدة، بل هو موجود على الساحة الادبية من الاربعينيات وربما قبل ذلك، وهو محل جدال وانتاج كثيف، علاوة على ان التجربة اوسع من حصرها في ترجمة رواية.
وضرب البعلي مثالا على ذلك بالكاتب الراحل لويس عوض الذي تناول المسالة بل وجسدها نموذجا حياً في احد اعماله بالعامية وهو كتاب “مذكرات طالب بعثة”.
وعد المتحدث ان بعض الاعمال المصنفة باعتبارها ابداعاً شعرياً بالعامية بلغ ذروته في الستينيات، ومنها “جوابات حراجي القط” التي الفها الشاعر الراحل عبد الرحمن الابنودي، وهي اقرب لرواية شعرية.
واكد البعلي -وهو مدير دار صفصافة للنشر التي نشرت اعمالا مترجمة للعامية عن اعمال الاديب الانجليزي شكسبير- ان ما يجعل المسالة محل خلاف كون العامية ليست عامية واحدة داخل مصر، فهناك عامية الصعيد والقاهرة والاسكندرية والدلتا، مؤكداً ان استخدام العامية يحدد السياق الجغرافي لتاويل النص بسياق اصغر من المجال اللغوي العربي، الذي يقراه متحدثو العربية من المحيط للخليج، ومن الصومال جنوبا الى الجاليات العربية باوروبا شمالاً.
واكد ان ثمة اسبابا وجيهة للمسالة لدى انصار العامية، كما ان لها ايضاً معوقات عند استقبال النص لدى المتلقي، ورغم ذلك، فهو -كونه ناشراً- مع اتاحة التجارب، لان الابداع هو محاولات تجريبية في كل الاتجاهات، ومحاولات احداث اثر هنا او هناك، وحينما يكون هناك عمل مكتوب بشكل جيد فانه يترك اثراً، مهما كان الثوب المقدم من خلاله، وعندما يكون العمل غير مميز فانه يكون بلا اثر.
وتابع البعلي “يمكن ان ينجح العمل او يفشل لدى القراء سواء باعتبارها تجربة امينة او غير امينة، وهذا هو المحك الحقيقي، واللهجة المصرية -او اللغة المصرية كما يفضل ان يسميها انصار الترجمة للعامية- هي وسيط ابداعي ناجح كما في السينما والدراما. اما مستوى العمل نفسه، فليس هو الوسيلة الوحيدة للحكم على التجربة”.
ونفى المترجم فهمي، صاحب ترجمة “الغريب” والعجوز والبحر -هذا العام- للعامية ايضاً، ان الترجمة ليست الى العامية، لانه يرى ان هناك اختلافاً بين “اللغة المصرية” والعربية.
واوضح ان كلمة عامية المتداولة ليست دقيقة لان كل لغات العالم بها مستويات، المستوى الفصيح الذي يُستخدم بشكل رسمي، والعامي الذي نتداوله فيما بيننا.
واكد انه استخدم لغة ليست بعامية، ولكنها المصرية الفصحى -على حد وصفه- مضيفاً: لغتنا الام هي المصرية وليست العربية، والعمل الادبي به روح الكاتب، والترجمة تُعتبر عملا جديدا يُريد المترجم ان يُعطي للقارئ ما بالرواية، ولكن باللغة الام.
واشار فهمي -في تصريحات صحفية- الى ان هدفه من الترجمة للعامية ان ينشر “اللغة المصرية” اكثر.
انطباعات القراء
ويشعر بدر النوبي، وهو مرشد سياحي من محافظة الاقصر جنوبا، ومولع بقراءة الروايات، انه تعرض لخديعة حينما قرا احدى تلك الروايات المترجمة للعامية، حيث قام المترجم بالايحاء بانها لغة مصرية، بينما هي لهجة قاهرية، فلماذا لم يترجمها للهجة الصعيدية مثلا، وبلاده (الاقصر) كانت عاصمة لمصر طوال التاريخ القديم؟ يتساءل النوبي.
واشار -في حديثه للجزيرة نت- الى ان الترجمة التي طالعها كانت عبارة عن استخدام مفردات مصرية دارجة، مكتوبة باحرف عربية، مما افقدها رصانة ومتانة الفصحى والسرد بديع الصنع لغويا، وهما عنصران يجعلان كثيراً من الحكايات العادية مميزة وممتعة.
واعتبر مصطفى درويش، وهو موظف وقارئ متابع للادب، ان ما يجري من ترجمات الروايات العالمية للعامية لا يمكن وصفه الا بـ “الهراء” لانه انحط باللغة و”تعمد تخريبها” معرباً عن اسفه لما طالعه من “اسفاف” في بعض هذه الترجمات.
واوضح -في حديثه للجزيرة نت- ان المسالة لا تعدو كونها “انقياداً” لدعاوى بعض المستشرقين لاضعاف العربية بالدعوة الى الكتابة باللهجات الشفوية.
اما لؤي كمال، وهو طالب بجامعة حلوان جنوب القاهرة، فلا يرى باسا في ترجمة الاعمال الابداعية العالمية للعامية، طالما انها مترجمة اصلا للفصحى، مطالباً في حديثه للجزيرة نت بان يضع الناشرون الترجمتين جنباً الى جنب في نسخة واحدة، بحيث يقرا كل قارئ حسب ذائقته اللغوية، واشار الى انه شخصياً يجد العامية اقرب في ايصال المعنى دون تكلف يعاني منه الادباء والكتاب عند الكتابة بالفصحى.ترجمة الاعمال العالمية للعامية المصرية.. جدل جديد حول الهوية والتاثير

Scroll to Top