اخبار اليوم الصحيفة, الحسناء اليزابيث هولمز.. اخبار اليوم الصحيفة, الحسناء اليزابيث هولمز..
“عينان زرقاوان..
ينعس فيهما لون الغدير
ارنو فينساب الخيال
وينصب القلب الكسير
واغيب في نغم يذوب..
وفي غمائم من عبير”
(بدر شاكر السياب)
لوهلة، حينما ترى عيني اليزابيث هولمز الزرقاوين، الواسعتين، وكانهما قادمتان من احد اجمل افلام الانيمي التي شاهدتها على الاطلاق، خاصة وانها لا ترمش بهما كثيرا ولا تديرهما يمينا او يسارا، بل تمنحك كامل تركيزها في حال تحدثت معها، سيتملكّك شعور ان السلام قد حل، وانه لا بد لتلك الجميلة ان تمضي في طريقها الى النجاح غير المسبوق، لانه قدّر لها -بشكل او باخر- ان تصل الى ما تريد، بكل هدوء وسلام وثقة.
حسنا، لقد فَعَلتْ، لكنها في اثناء ذلك كانت قد احتالت على اعتى رجال المال والاعمال في العالم. في الحقيقة، فان مقدار ما جمعته هولمز من اموال لبناء شركتها الشهيرة(1) “ثيرانوس” (Theranos) كان كافيا لاطلاق لقب اخر اكثر لفتا للانتباه على هولمز، بجانب الكثير من الالقاب، وهو “اصغر مليارديرة في التاريخ”، حينما بلغت قيمة شركتها السوقية ما تخطّى حاجز 9 مليارات دولار اميركي، الشركة التي ظلّت -طوال اكثر من عشر سنوات- تتاجر باوهام علمية عن جهاز فحص دم جديد يمكن له اداء مئات الاختبارات فقط عبر نقطة دم واحدة يمكن سحبها من طرف اصبعك بدون الم.
كان العام 2018 قاسيا(2) للغاية على رائدة الاعمال التي اعتلت جبال الشهرة في وادي السيليكون خلال سنوات قليلة، تمكّنت خلالها من اقناع العديد من المستثمرين بانها قادرة بالفعل على تطوير نسخة اوّلية من جهاز فحص الدم الخاص بها لتصبح ثورة في عالم الفحوص الطبية، لكنها الان متّهمة بالاحتيال، واُجبرت الشركة الخاصة بها على اغلاق معاملها ومراكز الاختبار، وتوقفت عن العمل للابد. بينما تواجه هولمز وصديقها “سوني” تهديدا بالسجن لمدة 20 سنة بسبب تهديدها لصحة الاف البشر.
ستيف جوبز القادم
يبدو الامر للوهلة الاولى غريبا حقا، سوف تسال نفسك: كيف امكن لتلك الفتاة ذات التسعة عشر ربيعا ان تقنع كيانات صلبة ضربت بجذورها في ارض المال والاعمال لعشرات السنين؟ كيف امكن لها تجاوز كل المهارات التي تعلمها هؤلاء لكشف الخداع وتقنعهم بان لديها شيئا يستحق الاهتمام؟ لكن حينما تقرر تامل الخطوات التي اتخذتها هولمز بداية من العام 2003 من اجل الوصول لكل تلك الثروة فسوف تفهم ان هذا لم يكن مصادفة، بل هي مجموعة من القواعد التي اتبعتها، خطوة بخطوة، بحرفية وحذر شديد، للوصول الى كل ذلك، واولى تلك الخطوات هو ببساطة ان تلقي بنفسك في بحر السيليكون.
في وادي السيليكون، يولد نوع جديد من النجاح، نوع لا يرتبط باي شيء سوى فكرة عبقرية سوف تغير وجه الارض للابد وفي ضربة واحدة. تطبيق بسيط، او لعبة جديدة تحكي عن طائر وظيفته الا يلمس الجدران التي يطير بينها، كانت كفيلة لجعلك مليارديرا في لحظة. ان الحكايات القادمة من وادي السيليكون عن النجاح غيّرت مفهوم البشر، كل البشر تقريبا، عن الكيفية التي يمكن لانسان ان يحصل بها على الثروة والشهرة، للمرة الاولى في تاريخنا اصبح لدينا كل هؤلاء المليارديرات صغار السن، هنا تظهر هولمز.
في العام 2003 تركت(3) هولمز دراسة الهندسة الكيميائية في جامعة ستانفورد لتؤسس شركتها في وادي السيليكون. لو كنت طبيبا او متخصص فحوص طبية، فمعرفتك بان مؤسس شركة ما قد ترك دراسته في هذا التخصص سوف تدفع بك فورا الى الشك فيه. لكن ليس في وادي السيليكون، فهؤلاء الذين تركوا جامعاتهم اصبحوا ملوك التكنولوجيا في العالم، نتحدث هنا عن ستيف جوبز، مارك زوكربيرغ، وبيل جيتس. بالتالي، وبالنسبة لملوك السيليكون، كانت حالة هولمز، تلك التي بدات شركتها الاولى من “بدروم” السكن الجامعي، مثالية. مَن مِن هؤلاء العباقرة لم يبدا من “بدروم” او مستودع مشابه؟!
في الواقع، فان هولمز قد اخذت تلك الفكرة الى ابعاد اكثر عمقا، لقد كانت تعرف جيدا ان هناك نقطة ضعف اساسية في هذا العالم الرقمي الذي يفترش وادي السيليكون، وهي ان لا احد فيه يفهم في الطب، يمكن لك بسهولة ان تتعلم كتابة الاكواد عبر قضاء ساعات طويلة من العمل اليومي، اما في مجال الهندسة الطبية فان الامر مختلف، تحتاج الى الكثير من البحث العلمي والاوراق المنشورة في دوريات رصينة كي تُقدم على تطوير تقنية مشابهة، على الرغم من ان هذه التقنية بدت غير ممكنة لكل المتخصصين في مجال الرعاية الصحية والذين شكّكوا فيها منذ اللحظات الاولى، فسحب(4) الدم عبر الاصبع اقل جودة من سحبه مباشرة عبر الوريد، وكذلك لان تحليلات الدم تختلف عن بعضها البعض بصورة لا تسمح باتحادها، بعض الفحوص على سبيل المثال تتطلب ان يمر شعاع ضوء عبر العينة، والاخرى تتطلب تفاعلا كيميائيا، وثالثة تتطلب ان نرفع حرارتها، ويمكن لاي من تلك التفاعلات ان يدمر العيّنة ويتعارض مع المعايير التي تقدمها الاخرى فتخرج النتائج غير دقيقة، وهذا هو ما حدث بالفعل، في معظم النتائج التجريبية التي خرجت من جهاز ثيرانوس كانت النسب غير صحيحة.
لكن على الرغم من ذلك، ركّزت هولمز جهودها على اعطاء رسالتين اساسيتين لموظفيها ومقرضيها تمكّنت من خلالهما ان تمرر مرادها. الاولى، هي انها ستيف جوبز القادم5، قد تتعجب حقا حينما تعرف الى اي درجة تمادت هولمز في تلك الفكرة، لقد كانت تلبس مثل ستيف جوبز، هذا الرداء الاسود الذي يحيط بها مع ياقة تلتف حول الرقبة، كما انها كانت تتخذ الاوضاع نفسها التي كان يتخذها جوبز في الصور، بل وكانت اجتماعاتها مع فريق العمل في اليوم نفسه من الاسبوع الذي يجتمع جوبز فيه مع فريقه، واستعانت بفريقي تسويق كان احدهما هو الفريق الذي استعانت به “ابل” في انطلاقاتها الثورية بقيادة “افي تيفانيان”، ولم تاخذ اي اجازات خلال عملها كما فعل جوبز.
اضف الى ذلك ان هولمز عملت منذ اللحظة الاولى على اظهار نفسها كفتاة “سوبر”، حتّى ان صوتها العميق الذي تسمعه في فيديوهات “تيد” (TED) ولقاءاتها مع كبار الشخصيات، مثل بيل كلينتون، او جاك ما، مؤسس شركة “علي بابا”، كان(6) مصطنعا. كان ذلك هو احد اكثر الامور اثارة للانتباه في حكاية هولمز، لقد حاولت بكل طريقة ان تظهر بمظهر المراة التي دخلت الى عالم الرجال لتنافسهم فيما هم بارعون فيه، كان صوتها قويا، رخيما، جذابا حينما يصدر من امراة، يدفعك للالتفات اليه، ثم ها انت قبالة عينيها الجميلتين من جديد!
عينان زرقاوان على غلاف الفورشن
لفهم مدى اهتمام هولمز بهذا الجانب وتاثيره على الناس يمكن ان نتامل احاديثها التلفزيونية وفي محاضرات “تيد”، هناك دائما ذلك الشغف الشديد بما تفعل وكانها بالفعل قادرة على الاتيان بالمعجزات، هناك دائما تلك الحكايات المؤثرة عن عمّ تم تشخيصه بالسرطان لكن لسبب ما كانت الفحوص بطيئة، غالبا ما تشارك هولمز على صفحاتها على وسائل التواصل جملا من نوعية “انت تستطيع” و”لا تدع احدا يخبرك بما تريد”، حتّى انها بعد صدور اولى فضائح شركتها في جريدة “وول ستريت” كان ردها(7): “هذا ما يحدث عندما تعمل على تغيير الاشياء، يعتقدون اولا انك مجنون، ثم يحاربونك، ثم فجاة تغير العالم”.
يلخص تايلور شولتز، احد الباحثين السابقين في ثيرانوس، وواحد من اسباب(8) انهيار هذه الامبراطورية، تلك القصة قائلا: “لقد كانت بارعة للغاية في اخبارك ما تود سماعه، لقد كانت بارعة في ذلك جدا”، لقد كان تاثير هولمز قويا على مستثمريها لدرجة ان تايلور لم يتمكن حتّى من اقناع جده، جورج شولتز، الاقتصادي الكبير، ورجل الدولة الذي عمل في مناصب كبيرة مختلفة في ادارات ثلاثة رؤساء جمهوريين مختلفين، والذي دخل كاحد اهم واكبر المستثمرين في صفقة هولمز، حينما حاول تايلور اقناع جده رد الاخير: “في ثيرانوس يحاولون اقناعي انك غبي، لكنّي ارى انك خاطئ”.
من جهة اخرى فان احد معايير القوة التي حرصت هولمز على استخدامها هو صورتها التي تتصدر المجلات الشهيرة، تامل على سبيل المثال غلاف مجلة “فورشن” واسعة الانتشار، العينان الزرقاوان الواسعتان واحمر الشفاه بلون الدم مع الرداء الاسود، مع اقتباس “هذه المديرة تبحث عن الدم”. تامل كذلك غلاف “الفوربس” او “انك”، في كل مرة كانت تلك الصورة القوية التي تتصدر عن هولمز تقول انها امراة التحديات المطلوبة، وحرصت هولمز على ان تظهر في الاعلام على الاقل مرة اسبوعيا بعد تقرير الـ “فورشن”. كذلك فان كونها “امراة” من الاساس هو ما ضاعف شهرتها، خاصة في اثناء ثورة حقوق المراة والاقليات التي شهدها العالم اجمع على مدى السنوات السابقة.
لهذا السبب ربما تمكّنت هولمز، في بداية مشروعها، من اقناع اكبر رجال المال والاعمال، وحينما نقول “اكبر”، فنحن ايضا نقصد الاكبر في السن(9)، اشخاص كروبرت موردوك وهنري كيسنجر وجورج شولتز وسامويل نون وويليام بيري، ساعدها ذلك في ان تنفذ ببساطة الى عدد اكبر من المستثمرين فيما بعد، وكذلك كانت هولمز تود ان تربط نفسها بالادارة الاميركية عسى ان تتمكن من تمرير جهازها الى الجيش الاميركي، حيث من المفترض ان تفيد تقنية ثورية كهذه في ميدان الحرب بصورة غير مسبوقة.
اولى قواعد الاحتيال
اما الرسالة الثانية فكانت عن امكانات منطقية للالة الخاصة بها، فكرة هولمز كانت انه يمكن لنا تطوير جهاز يقوم بعدد ضخم من الفحوص فقط عبر سحب نقطة دم واحدة او نقطتين، لكن بشكل اعم كان توجه هولمز هو ان تبتكر منظومة تستغني عن وجود الطبيب، فقط عن طريق الحصول على عينات الدم بشكل شخصي، كما يفعل مرضى السكر باجهزة قياس السكّر، ثم استخدام جهاز بسيط لقراءة بيانات العيّنة وارسالها الى وحدة معالجة ضخمة عبر الانترنت، ومن ثم تعود النتائج الى المريض لتقول له ان نسبة اليوريا او الجلوكوز او الكوليستيرول طبيعية او مرتفعة او منخفضة مع تشخيص اوّلي.
بالتالي تجاوزت هولمز، في اثناء ترويجها للفكرة، الاساسات العلمية الدقيقة لتقنية كتلك منتقلة الى الامكانات التي تُسيل لعاب المستثمرين، فعملية فحص دم بتلك البساطة سوف تدفع اعدادا اكبر من المرضى، والناس العاديين، لاجراء الفحوصات بشكل دوري، اضف الى ذلك ان النسخة الاوّلية من جهاز هولمز كانت بحجم جهاز حاسوب منزلي، على عكس النسخة الطبيعية المستخدمة في كل المعامل حول العالم والتي كانت بحجم مكتب ضخم، وكانت نتائجها تحتاج الى تدخل مباشر من تقنيين متخصصين. بالتالي، انت الان لا تحتاج الى الذهاب الى معمل تحاليل ثم تتبعه بزيارة الى الطبيب، بل ستفعل كل شيء في المنزل، لذلك فان ذلك الجهاز البسيط الخاص بهولمز كان بمنزلة الايفون الجديد في عالم الرعاية الصحيّة والذي سيدخل كل منزل ليصبح يوما ما الشيء الطبيعي لكل الناس.
ان اولى قواعد الاحتيال هي ان تمتلك فكرة ممكنة. تشارلز بونزي(10)، على سبيل المثال، هو احد اشهر المحتالين في التاريخ، قامت فكرته على بيع البطاقات البريدية باسعار مختلفة في دول مختلفة، فكان يقنع العميل بانه يشتري البطاقات من اميركا ويبيعها في ايطاليا ويكسب فارق السعر، الفكرة ممكنة بالفعل، هنا لا حاجة للعميل ان يستغرق في التساؤل فيصل الى نتيجة تقول ان هناك 27 الف بطاقة بريدية فقط في العالم وقتها بينما ثروة بونزي تعني وجود 600 مليون منها، وهذا بالطبع غير ممكن. كذلك بالنسبة لجهاز ثيرانوس، الفكرة تبدو للوهلة الاولى ممكنة، لكن ان تاملت قليلا ستجد ان الامر غير ممكن نظريا، لكن في تلك النقطة ربما ستسال: لماذا لم يتحدث احد؟
هنا سنتعرف الى احد اهم عوامل نجاح خطة هولمز، حيث اعتمدت منذ البداية على السرّية التامة، وهو امر غير رائج في اوساط الفحوص الطبية، ولكنه كذلك في وادي السيليكون. انتهجت هولمز سياسات تخويفية(11) غاية في القسوة، اولها كان اجبار الموظفين او اي من المتعاملين مع جهازها او اي من الداخلين الى مبنى الشركة على توقيع اتفاق يضمن السرّية التامة مع عقاب قانوني يحمل رقما كبيرا جدا اذا تم افشاء اي معلومات عن اجهزتها، وعيّنت من اجل تلك المهمة احد اشهر المحامين في الولايات المتحدة الاميركية “دافيد بويز”، وكلما حاول احدهم التحدث او صدرت اي معلومات من اي جهة قام فريق المحامين بالتحرش القانوني به لعدة شهور حتّى يسكت، وبالفعل دفعت هولمز بثلاثة من موظفيها لساحات القضاء.
خلال سنوات صعودها كان الملمح الرئيسي لادارة هولمز هو اقالة الموظفين، لكن -مرة اخرى- لم يكن هذا جديدا في وادي السيليكون، خاصة وان هولمز استعانت في تلك المهمة بشخص قوي وهو رفيقها الحميم “سوني بالواني”(12)، والذي ادّى هذه المهمة بنجاح. بالواني كان احد اشهر روّاد الاعمال الذين نالوا شهرة وثروة كبيرة من “فقاعة الانترنت”، الفترة بين العامين 1995 و2000 التي نمت فيها اسواق البورصة في الدول الصناعية بشكل ملحوظ في الصناعات المتعلقة بالانترنت. تعرّفت هولمز على “سوني”، ذي الاصل الباكستاني، في اثناء زيارة للصين حينما كانت طالبة بالجامعة ووجدت فيه مرادها.
اضاف سوني الى هولمز الكثير من المهارة في تعاملاتها، كانت تظهر دائما -في التعاملات المالية- متحكّمة في كل شيء. على سبيل المثال، كانت مجموعة صيدليات(13) “والجرينز” الشهيرة، ذات ثمانية الالاف منفذ في الولايات المتحدة، قد دخلت في صفقة بقيمة 140 مليون دولار مع هولمز من اجل ان توجد اجهزة ثيرانوس حصريا في فروعها، بعد فترة طالبت ادارة والجرينز بتعيين “كيفين هانتر” خبيرا علميا من طرفها، لكن حينما لاحظ هانتر ان الاجهزة غير دقيقة بدا في ارسال تحذيرات الى ادارة والجرينز، لكن الادارة لم تستمع له، بسبب قدرات هولمز الواسعة على الاقناع، وخوفا من ان تتحوّل ثيرانوس للتعاون مع مجموعة صيدليات منافسة تُدعى “CVS”، لهذا السبب تم فصل هانتر من عمله، واستمرت هولمز في خططها السرية.
دم فاسد
استمرت الامور بتلك الحالة من السرّية التامة حتّى جاء جون كاريرو (John Carreyrou)، الصحفي في “وول ستريت جورنال”، والذي اشتبه في الامر لسبب واحد بسيط، وهو ان الطب شيء مختلف عن كتابة الاكواد، كتب كاريرو اكثر من 40 تحقيقا عن هذه القصّة، وتمكن شيئا فشيئا، بالاتحاد مع مجموعة من المهتمين بالامر، من دفع الحكومة الاميركية لتقصّي اوضاع “ثيرانوس”، ومن هناك انهارت امبراطورية هولمز شيئا فشيئا. اللافت في الامر ان الصحافة تكون دائما هي القشّة التي تقصم ظهر البعير في عمليات احتيال كتلك.
في كتابه “دم فاسد” (Bad blood) يقول جون كاريرو ان سياسة وادي السيليكون تختلف قليلا عما قد تعهده في التجارة، حيث قد يعتمد رائد الاعمال في وادي السيليكون على طريقة “اكذب حتّى تفعلها” (fake it till you make it)، وهو هنا لا يخدعك بالمعنى المفهوم، لكن الفكرة هي ان تجمع التمويل اولا ثم بعد ذلك تبدا بتحقيق الرؤية، وذلك هو بالاساس ما يعطي اهمية لفكرة “الرؤية” في وادي السيليكون، بحيث يجب ان تكون دائما استثنائية، ستيف جوبز على سبيل المثال قام بعرض الايفون قبل شهور من ظهور النسخة التي نعرفها منه، لاري اليسون فعل الشيء نفسه مع الاوراكل، النسخة الاولى كانت غير كاملة وذات مشكلات واحتاجت الى تفاعل مع العملاء كي تكتمل، اما بالنسبة لعالم الطب، فالامر مختلف.
لكن على الرغم مما حدث، فان البعض ما زال يتعجب: كيف استمر كل ذلك مسافة 15 سنة؟ كيف استمر المستثمرون في قناعاتهم بان هولمز تتحدث عن اشياء حقيقية؟ هل يمكن ان تكون تلك الهالة من العظمة، تلك التي يلف شخص ما نفسها بها، فيبدو وكانه نبي من انبياء عالم النجاح المعاصر، هل يمكن ان تمتلك هالة كهذه كل تلك القوة للتاثير في الناس؟ نتحدث هنا عن امراة ذات عينين زرقاوين لامعتين امتلكت من الشهرة ما لم تمتلكه امراة اخرى، لا يمكن ان يحدث ذلك الا في عالم زائف بطبعه، يقدس المظاهر فوق اي شيء اخر، وهذا -بدوره- يدعونا للكثير من التامل.
اضف الى ذلك ان السؤال الاكثر اهمية، في النهاية، هو: هل فعلا كانت هولمز تود ان تخدع الناس؟ ام انها كانت مهووسة بعالم وادي السيليكون فقررت ان تصنع حالة شبيهة؟ الاجابة ليست بالبساطة التي تتصورها. منذ ان كانت طفلة، ودت هولمز ان تصبح مليارديرة، كذلك طوّرت قدرات تنافسية شديدة في سن مبكرة، وخلال المرحلة الثانوية طورت هولمز اخلاقيات عمل صارمة تقتضي الاستمرار في العمل لساعات طويلة، وبدات بالفعل مشاريعها التجارية الخاصة الى المدارس الصينية في اولى سنوات الجامعة.
يبدو ان ما حدث ذو علاقة بروح وادي السيليكون، تلك الحالة التي تتقمّصك فتظن لوهلة انه يمكن لك الطيران بدون اجنحة، حينما تفشل في المرّات الاولى تتصور انك مثل “سبايدرمان” حينما لم يتمكّن من العبور بين مبنيين في القفزات الاولى، ستصدق انه يمكن ان تصل الى ما تريد فقط لمجرد انك تود ان تفعل ذلك، نُصاب جميعا بالنوع نفسه من الاوهام حينما نشاهد عددا كبيرا من فيديوهات “تيد” التحفيزية، لكن في النهاية نصطدم بارض الواقع لنعرف ان الامر لم يكن بالسهولة نفسها كالحكايات، لكن صدمة هولمز كانت اكبر قليلا من صدمتك، بفارق بسيط، تسعة مليارات دولار.الحسناء اليزابيث هولمز.. هكذا احتالت على رجال وادي السيليكون واخذت اموالهم