الامومة-ليست-عائقا.-امهات-اسسن-شركات-وربحن-الملايين

الامومة ليست عائقا.. امهات اسسن شركات وربحن الملايين

اخبار اليوم الصحيفة, الامومة ليست عائقا.. اخبار اليوم الصحيفة, الامومة ليست عائقا..

“كونكِ امًّا، هذا في حد ذاته كفيل ان يمنحك قوة خارقة لعمل اشياء طالما اعتبرتِ من الصعب عملها!”
– (سولي بابي، ام ورائدة اعمـال اميـركية) (1)
في العقود الاخيرة اصبحت ظـاهرة “الام الرياديـة” من اكثر الظواهر انتشارا حول العالم، لدرجة اطـلاق مصطـلح “Mompreneur” -الذي يجمع ما بين الامومة (Mom) والريادة (Entrepreneur) معا- على الامهات اللواتي يقمن باطـلاق شركات ناشئة ومشروعات ريادية على الرغم من مسؤوليّـاتهن الثقيلة تجـاه اولادهن واسرهنّ.
المصطلح يصف بالتحديد الام الريادية التي تقوم بمتابعة مشروعاتها بالتوازي مع مسؤولياتها الاجتمـاعية والاسرية والتي ربما كانت هي اصلا الدافع الاساسي الذي جعل الام تنطلق الى عالم ريادة الاعمال بغرض تامين مستقبل اسرتها واطفالها وتحسين مستواهم الاجتماعي. والواقع والتاريخ يزخران بنماذج حقيقية مدهشة لامهات رياديات بدان مشروعاتهن الخاصة بهدف حماية اسرهنّ او حبا في مشاركة افكـارهنّ مع العالم، فكانت النتيجة ثروات كبيرة لهنّ ولاسرهنّ وتخليدا لاسمائهنّ.
دونوفان.. عندما تتحول الامومة الى براءات اختراع
عندما يُذكـر اسم “ماريون دونوفان” فنحن هنا بصدد ام وربّة منزل حوّلت كل طمـوحاتها “المنزلية” الى ابداعات ريادية. قد يكون اسمها مجهولا لدى الكثيرين، لكن ما صنعته يداها حتما تعرفه كل ام في العالم. يكفي ان تعرف ان دونوفان هي مبتكرة حفاظـات الاطفـال المعروفة حاليا والتي تقوم كل شركات الادوات الصحية بصناعة حفاظات محسّنة من الحفّاظة الاولى التي ابتكـرتها منذ زهـاء سبعين عاما.
بالعودة الى طفولتها، عندما جاءت ماريون الى العالم عام 1917 وجدت نفسها يتيمة الام، وهو ربما ما جعلها تفتقد كل ما تطمح اليه طفلة صغيـرة من رعاية وحنان خاص من والدتها. ومع ذلك، كـانت هذه الماساة سببا في ان تجعل طفـولتها تمر بشكل كامل تقريبا في الذهاب والاياب الى المصنع الذي يمتلكه ابوها والذي كان مهووسا بالاختراعات. ورثت دونوفان من ابيهـا امرين شديدي الاهمية: حب الاختراعات، والقدرة على مخالطة ومراقبة العمّال عن كثب.
ومع ذلك، لم يبدُ على دونوفان اهتماما احترافيا بالاختراع والابتكار اكثر من اهتمامها بمتابعة ابيها في مصنعه، حتى انها اختارت دراسة الادب الانكليزي وتخرجت في كلية الاداب ثم عملت كمحـررة في بعض المجلات المختلفة ومنها مجلة “Vogue” المتخصصة في اخبار الموضة. لاحقا، تزوجت وانجبت واصبحت ربّة اسرة مثلها مثل الملايين من قريناتها حول العالم.
ربما في هذا التوقيت بالضبط -في الاربعينيات بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية- مع شعـور ماريون دونوفان بالمسؤولية التي تفرضها الامومة بكل تفاصيل المعاناة في رعاية الاطفال، بدا “المخترع” الكامن في شخصيتها في الظهـور. كانت دونوفان تشعر بالضيق المبالغ فيه عند قيامها باداء دورها في تغيير حفاظات اطفالها، وادركت ان هناك شيئا ما خطا في طريقة صنـاعة الحفاظات القماشية التي كانت سائدة وقتئذ. ثم زادت معاناتها بشكل اكبر بقدوم طفلها الثـاني، مما جعلها -تلقائيا- تستعيد ذاكـرة الفتاة المحبّة للاختراعات والابتكـارات.
بدات دونوفان بالاعتماد على نفسها في صنـاعة حفاظات اطفال بتصميم واسلوب مختلف، قادها الى ابتكـار حفاظات مختلفة كليا عن الموجودة في الاسواق، حيث تتشرّب البلل بشكل افضل ولا تزعج الطفل، وفي نفس الوقت تكون اسهل في عملية التغيير والاستبدال، ولا تؤدي الى فوضى عارمة اثناء هذه العملية. هذه الحفاظات جعلت دونوفان تحصل على اربع براءات اختراع مسجلة باسمها.
في عام 1949، ومدفوعة بحماسها الى جودة الحفاظات التي طوّرتها، عرضت دونوفان منتجها الجديد في احد متاجر نيويورك ولاقى اقبالا كبيرا، مما قادها الى اتخاذ خطوة اخرى والعمل على تسويق حفاظاتها على مستوى الشركات الكبرى. ومع ذلك، باءت محاولاتها الاولى بالفشل الى ان استطاعت بعد عامين كاملين من البحث والتسويق لحفاظاتها ان تبيع حق الاختراع بالكامل لشركة “كيكـو” (Keko) مقابل مليـون دولار -وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت يعادل عشـرة ملايين دولار في عام 2018-.
لاحقا، وبعد ان قامت ببيع حق الاختراع لشركة “كيكـو”، قامت بتطوير نوعية اخرى من الحفاظات التي تستعمل لمرة واحدة، وقامت ببيعها لشركة “بامبـرز” العالمية. وفي نهاية الخمسينيات، وبالتوازي مع اندفاعها لتطوير اختراعات مدهشة، حصلت ماريون دونوفان على درجة الماجستير في الهندسة المعمـارية من جامعة ييل، وكانت واحدة من ثلاث نساء فقط حصلوا على هذه الدرجة الاكاديمية في ذلك العام.
على مدار 45 عاما، ما بين عام 1951 حتى عام 1996 -قبل وفاتها في عام 1998 عن عمر يناهز 81 عاما- حصلت دونوفان على 20 براءة اختراع في مجالات متعددة اغلبها في الادوات المنزلية، سواء مناديل طبية وصناديق للتخزين وخيوط منظفة للاسنان وشمّاعات للملابس، قامت ببيعها جميعا لشركات متعددة. (2، 3)
ذا بودي شوب.. قصة نجاح “ام ثائرة”
“انيتا روديك” مؤسسة علامة ذي بودي شوب (مواقع التواصل الاجتماعي)
“اذا كنت تظنّ انك اقل بكثير من ان تكون قادرا على احداث اثر معين.. حاول ان تنـام في مكان به بعوضة واحدة!”
من الصعب جدا ان يجهـل اي شخص في هذا العصـر علامة “ذا بودي شوب” (The Body Shop) التجارية، احدى اهم العلامات التجارية البريطانية في عالم الاناقة ومنتجات التجميل والعناية بالجلد (Cosmetics) ذائعـة الصيت والتي تنتشر متاجرها حول العالم كله تقريبا. اليوم سلسلة متاجر “ذا بودي شوب” تطـرح ما يزيد عن 1000 منتج من منتجـاتها الفريدة التي تُباع عبر اكثر من ثلاثة الاف متجر موزّع على 66 دولة في العالم.
ولكن بالعودة الى عام 1976، وهو التاريخ الذي شهد اول متاجر “ذا بودي شوب” (The Body Shop)، كانت البداية متواضعة للغاية ان لم تكن مغلّفة بظـروف بائسة كذلك. كانت “انيتا روديك” (Anita Roddick) في الثالثة والثلاثين من عمـرها حينئذ، وامًّا لطفل وطفلة حديثي الولادة، ولم تكن ظـروفها المعيشية هي وزوجها على ما يرام، مما حفّزها لتبدا مشروعا تجاريا صغيرا يكون موردا ماليا مستمرا لها حتى تستطيع اعالة اطفـالها في ظل ازمة مالية خانقة تمر بها الاسرة.
احد اعلانات “ذا بودي شوب” (The Body Shop) يُظهر اعتماد منتجات الشركة على العناصر الطبيعية
ما المشروع التجاري الذي يمكن ان تطلقه ام في الثالثة والثلاثين من عمرها، بحيث يمكنها ان تحقق نجاحا كبيرا فيه من ناحية، والا يجعلها منشغلة عن طفليها من ناحية اخرى؟ اختارت انيتا روديك ان تفتتح متجرا لبيع ادوات التجميل الطبيعية، بحيث تقوم هي نفسها بصنـاعة هذه المواد بشكل صحّي مريح للبشرة، وفي الوقت نفسه يمنح النساء الطابع التجميلي الانيق المعتاد الذي يظهـر عليهن باستخدام ادوات التجميل الصناعية المنتشرة بكثافة في الماركات العالمية.
في الواقع ان اختيار انيتا روديك لبدء هذا المشروع لم يكن اعتباطيا او مدفوعا فقط برغبتها في دخول هذا المجال، وانما جاء بعد خبرة غزيرة في جمع ادوات التجميل وتحليلها وفهمها بعد ان قامت هي نفسها بالسفر حول العالم اختياريا واجباريا. كانت انيتا روديك قد ولدت عام 1942 لابوين ايطاليين مهاجرين الى بريطانيا، ولم تعش في اسرة مستقرة اطلاقا، درست التاريخ واللغة الانجليزية، وعملت كمعلمة بعد تخرجها مما جعلها تطوف العالم كله للتدريس، فذهبت الى باريس وجنيف وجنوب افريقيا ومورشيوس ومدغشقر وتاهيتي.
كل دولة من هذه الدول عايشت فيها طباع شعوبها، خصوصا من ناحية التجميل واهتمام النساء بادوات معينة للبشرة والعناية بالشعر. وانتهت رحلاتها بالزواج من شاب اسكتلندي له اهتمامات كبيرة بالعمل، مما حفّـزها اكثر على تحويل افكـارها الى مشروع حقيقي خصوصا مع سفر زوجها الدائم بعيدا عن الاسرة، وشعورها بالمسؤولية تجاه اطفالها بضـرورة عمل مشروع مُربح.
قررت انيتا روديك ان تفتتح هذا المتجر بناء على الادوات والوصفات العديدة التي جمعتها في سفرها للخارج، فقامت باخذ قرض قدره 6500 دولار وافتتحت متجـرها الاول الصغير في مدينة برايتون الى جانب دار للجنازات في تلك المدينة، وبدات بعرض 15 منتجا من منتجـاتها للبيع.
كما قامت انيتـا روديك بتدشين حركة تسويقية ذكيـة، حيث قامت بوضع منتجـاتها في علب معينة تجعل المستهلك قادرا على ان يحتفظ بالعلبة بعد الانتهاء من استخدام المنتج، ثم يعود الى المتجر مرة اخرى ليعيد تعبئة العلبة من جديد دون الحاجة الى ان يشتري علبة جديدة. هذا التصرف التسويقي يضمن المكسب للجميع، حيث يجعل المستهلك يشتري المنتج بسعر اقل -لانه استبعد ثمن شراء علبة جديدة-، ويجعل المتجر نفسه يوفّر بعض المال في التعاقد على انتاج المزيد من العلب، كما يجعل المستهلك مهتما بالعودة مرة اخرى لاعادة ملء العلبة.
كان الحظ يقف مساندا بقوة لانيتا عندما افتتحت متجـرها الاول، حيث كانت اوروبا والعالم الغربي في تلك الفترة يشهد ثورة ضد المظاهر الصناعية وتروّج للمنتجات الطبيعية، وهو ما جعلها تندفع سريعا لافتتاح ثاني متاجـرها في مدينة “شيستر” بعد عشرة اشهر فقط من افتتاح متجرها الاول، بعد ان لاحظت تدفق المستهلكين الى متجـرها الصغير. هذا النجاح جعل زوجها داعما قويا لها، حيث وضعـا خطة للتوسع في انتاج المزيد من المنتجات التجميلية الطبيعية من ناحية، والبدء في توسيع المتجر ببيع علامته التجارية “فرنشـايز” في كل بريطانيا والعالم.
في عام 1991، وبعد 15 عاما من افتتاح اول متجر لـ “ذا بودي شوب”، وصل عدد المتاجر التي تحمل علامته التجارية الى 700 متجر حول العالم، ثم قفز الى 1980 متجرا بقدوم عام 2004 محققا خدمـات لاكثر من 77 مليون مستهلك حول العالم، وحصلت علامته التجارية على ثاني افضل علامة تجارية تحوز ثقة المستهلك البريطاني. لاحقا انعمت ملكة بريطانيا على انيتا روديك بلقب “Dame” تقديرا لجهودها، خصوصا انها اعلنت التبرع بمبلغ هائل قُدّر بخمسين مليون جنيه استرليني للجمعيات الخيـرية.
كتاب “عمل غير طبيعي” (The Unusual Business) صدر عام 2000، يحكي قصة انيتا روديك الريادية
في عام 2006، تم الاعلان عن استحواذ شركة “لوريال” (Loreal) الفرنسية العملاقة على “ذا بودي شوب” (The Body shop) مقابل 652 مليون جنيه استرليني، وهي الصفقة التي انهت بها “انيتا روديك” رحلتها في الحيـاة حيث توفّيت عام 2007 بنزيف مخي في منزلها. لاحقا، وفي عام 2017 قامت “لوريال” ببيع “ذا بودي شوب” الى شركة “ناتورا” (Natura) مقابل 880 مليون جنيه استرليني. (4، 5، 6، 7)
مسز فيلدز.. حلويات تجذب الثروة
ربما لا يعرف الكثيـرون ان حلويات “مسز فيلدز” (Mr. Fields Cookies) الشهيـرة في المتاجر العالمية هي في النهاية حلويات جاءت وصفتها الاولى من يد ام اميـركية عادية للغاية، تعتبر نموذجا لربة المنزل الاميركية بكل تفاصيلها. السيدة التي تهتم بطهي طعام لذيذ، وتهتم بتغذية ابنائها، وتقوم بصنـاعة الكعك والمخبوزات في الاعياد المختلفة لتقديمها للضيوف او اصطحـابها في الرحلات.
البداية كانت منذ الصغر، عندما بدا عليها منذ طفـولتها اهتمام استثنائي بالطهي عموما، وصناعة الحلويات والكعك والمخبوزات خصوصا، لدرجة ان “ديبي فيلدز” اطلقت مشروعا خاصا لصناعة الحلوى وهي ابنة 12 عاما فقط، حيث تقوم بصناعتها وتوزيعها بنفسها باسعار مناسبة على الاصدقاء والجيران والشوارع القريبة من منزلها. المدهش انها نجحت في تصعيد مشـروعها ونشره لدرجة انها استطاعت شراء سيارة قديمة مستعملة حوّلتها الى ما يشبه المتجر المتنقل لبيع منتجـاتها في المنطقة التي تعيش فيها.
ثم توقف كل شيء، فجاة وجدت ديبي نفسها عروسا، ثم زوجـة، ثم امًّا، لم تكن امًّا لطفل واحد، بل انجبت اربعة اطفال اخذوا وقتها كله، ولم يعد يشغل راسها سوى تربية اطفالها ومتابعتهم، وان ظـلت مهارتها كطاهية للطعام عموما والحلويات خصوصا لافتة للنظر، لكنها لم تتجـاوز “مهـارة ام” عادية في الطهي لزوجها وابنائها وضيوفها.
لكن الحلم القديم لم يمت، فبعد مرور عدة سنوات اعلنت ديبي لزوجها انها تريد ان تؤسس متجرا لصناعة الحلويات المنزلية يكون مصدر دخل جيدا للاسرة، لكن زوجها لم يتحمس للمشروع، خصوصا انها فشلت اصلا في جمع تمويل من المؤسسات التي تموّل المشروعات الصغيرة. ومع ذلك، استمرت ديبي في طموحها عبر تحسين منتجاتها بشكل افضل، بالتوازي مع بحثها عن تمويل للمشروع. اخيرا، استطاعت ديبي ان تاخذ قرضا تمويليا متواضعا مكّنها من افتتاح متجرها الاول عام 1977 والذي اسمته “مسز فيلدز كوكيز” (Mrs. Fields Cookies).
وعلى الرغم من المشاكل الهائلة التي قابلت متجرها الصغير منذ اليوم الاول من افتتاحه، حيث فوجئت بقلة الارباح وعدم تردد الزبائن على متجرها، فانها استطاعت ان تنقذ مشروعها من الانهيار بعمل خطة تسويقية مُحكمة اقتضت ان تذهب بنفسها الى اماكن تجمّعات الناس، كما كانت تفعل في صغـرها، وتعرض عليهم الحلوى باسعار مخفّضة.
في منتصف الثمانينيات، وبعد سبع سنوات تقريبا من افتتاح متجرها الاول، كان عدد متاجر الحلوى التي تحمل اسم “مسز فيلدز بيكريز” قد وصلت الى نحو 160 فرعا تغطي الولايات المتحدة بالكامل تقريبا، الى جانب اربعة فروع عالمية اخرى تدرّ عليها ارباحا بملايين الدولارات. وبقدوم التسعينيات باعت فيلدز شركتها بالكامل، وتفرّغت لمتابعة حياتها العائلية من ناحية، وتاليف الكتب الادارية والمشاركة في الانشطة الاجتماعية كرائدة اعمال بارزة من ناحية اخرى. (8، 9، 10)
في النهاية، ربما يمكن القول ان ريادة الاعمال بالنسبة للامهات تعتبر امرا سهلا اذا ما قورنت بادوارها الشاقة التي تلعبها طوال حياتها في تربية الابناء والحفاظ على الاسرة. كل ام ناجحة هي بذرة مشروع ريادي ناجح اذا استطاعت ان تجد المجال الصحيح والتوقيت الصحيح، ولم تتعلل ان القطـار قد فاتها لانجـاز طموحاتها الرياديـة. الواقع ان “الامومة” تحديدا هي اكبر محفّـز لتحقيق الاحلام الريادية.الامومة ليست عائقا.. امهات اسسن شركات وربحن الملايين

Scroll to Top