سفك-الدماء-يحتاج-الى-تسويق.-كيف-تستغل-الانظمة-السياسيّة-السينما-لخداع-الشعوب؟

سفك الدماء يحتاج الى تسويق.. كيف تستغل الانظمة السياسيّة السينما لخداع الشعوب؟

اخبار اليوم الصحيفة, سفك الدماء يحتاج اخبار اليوم الصحيفة, سفك الدماء يحتاج

قبل ظهور السينما في اواخر القرن التاسع عشر، كانت فكرة «البروبجاندا» حيّةً ومستخدمة بوسائل شتى، تُعرِّف اغلب المصادر – ومنها موقع «study» الاكاديمي – البروبجاندا بالتعريف ذاته تقريبًا: «انها شكل من اشكال التواصل بغرض التاثير في/او التلاعب بمجموعة من الاشخاص لدعم فكرة ما، او شكل من اشكال المناهج الفكرية، وتتخذ اشكال عدّة، مثل: الرسوم والكتابات، والخُطب والموسيقى، والافلام».
مع بداية نشوب الحرب العالمية الاولى 1914، كانت البروبجاندا او الدعاية المؤثرة تتخذ اشكالًا تقليدية من ضمنها السينما التي كانت فنًا مبكرًا وقتها، رغم ذلك يذكر التاريخ السينمائي محاولات بدائيّة لتوثيق بعض احداث الحرب العالمية الاولى من خلال السينمائيين في فرنسا والمانيا وروسيا والولايات المتحدة.
ولكن الانتشار الاكبر لفكرة البروبجاندا السينمائية كان عندما نمت شعبية السينما وتطوّرت تقنياتها، وصارت مصب اهتمام وشغف الكثير من الناس؛ اذ وجد بعض الساسة والقادة غايتهم في توظيفها دعائيًا. كانت اولى اكثر المحاولات شهرة في التاريخ على يد ادولف هتلر قبيل الحرب العالمية الثانية، ومنها اشتهرت الافلام الدعائية بسوء سمعتها، وارتبطت بشكل كبير بالوجود والترويج النازي «للشر»، بينما هناك العديد من الشواهد والاستقراءات التي قد تخبرك بان البروبجاندا قد توصم بالسوء بحسب المعسكر الذي يستخدمها ليس اكثر.
هتلر.. سيد البروباجاندا
اولى محاولات الحزب النازي لاستقطاب الشباب باستخدام البروباجاندا كانت من خلال فيلم Hitlerjunge Quex او ما ترجمه الامريكيون الى: «رايتنا تقودنا الى الامام» والذي انتج عام 1933، وتتمحور قصته حول حياة ومصرع الشاب «هيني فولكر» عضو منظّمة «شباب هتلر» لكوادر الحزب النازي الذي قُتل اثناء توزيع احد منشورات النازية في احدى الاحياء التي تعجّ بالشيوعيين.
الفيلم الذي حمل تقنيات سينمائية بارعة، وموسيقى مؤثرة كان له اثر كبير في الهاب حماس اعضاء الحزب النازي، والشعب الالماني بشكل عام؛ اذ حمل صبغة الفدائية والتضحية بالنفس التي عادة ما تساهم في التاثير بشكل كبير في نفوس المشاهدين، خاصة عندما يلعب العمل على وتيرة المشاعر الوطنية.
ملصق فيلم البروبجاندا النازية سوتس اليهودي المصدر: Drew Events
ثم تلا ذلك العديد من الافلام السينمائية التي انتجها الحزب بعد سيطرته على صناعة السينما بشكل شبه كامل تقريبًا، واستعان في ذلك باحد اهم الشخصيات في اروقة المانيا النازية وقتها: جوزيف جوبلز، وزير الدعاية النازية، والذي عمل بعد ذلك على صناعة العديد من الافلام لخدمة افكار الحزب، مثل Triumph of the Will او «انتصار الارادة» وJud Süß او «سوتس اليهودي»، والذي اعتُبر واحدًا من اكثر الافلام التي تروّج لافكار عنصريّة تحرّض على معاداة لليهود، وقد كان الحزب النازي في تلك الحقبة يدعم هذه التوجّهات العنصريّة.
هوليوود تنضم للحرب.. كيف تغزو امريكا العالم باستخدام الكاميرا؟
لم تغفل امريكا عن استخدام ايّة اداة مهمّة ومؤثّرة من اجل الترويج لافكارها وسياساتها؛ فقد استغلت التها الاعلامية الكبيرة في انتاج افلام الدعاية او البروبجاندا للترويج لافكار معادية لدول المحور – اعدائها في الحرب العالمية الثانية – من خلال العديد من الوسائل، وليس الفيلم فقط؛ فقد استخدمت امريكا الملصقات الدعائية، وحتى القصص المصورة «الكوميكس»، والجرائد المحلية؛ اما الافلام السينمائية فكان لها نصيب كبير؛ فقد انتجت هوليوود بعد دخول امريكا الى الصراع العالمي، وتحديدًا بعد قصف ميناء بيرل هاربر، العديد من الافلام الدعائية التي روجت لفكرة «شيطنة» دول المحور، وابرزت البطولة الامريكية.
من اشهر تلك الاعمال الوثائقية Divide and Conquer عام 1943، والذي اخرجه المخرج الامريكي الشهير فرانك كابرا، والذي وثق انضمام امريكا للحرب، وحتى الموقف الامريكي شديد العدائية تجاه اليابانيين المقيمين في امريكا: من عزل، واعتقالات، وترحيل، وقت اعلان الحرب وثقته الولايات المتحدة في عدة افلام بروباجاندا لاستغلاله في تحذير كل من يتعاون مع قوات الحلفاء ضد مصلحة امريكا.
الحرب الكورية.. امريكا تحتاج الى تجميل
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، كانت امريكا قد بدات في اتخاذ موقعها على قمة زعامة العالم؛ اذ احكمت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية سيطرتها على الجزء الجنوبي من كوريا، بينما كانت السيطرة الشمالية للاتحاد السوفيتي. وفي عام 1950 خلال الحرب الباردة بين امريكا والاتحاد السوفيتي، قررت حكومة الجزء الشمالي من كوريا احتلال الجزء الجنوبي وضمه تحت رايتها الشيوعية، وقد رات الادارة الامريكية وقتها ان الاعتداء الكوري الشمالي الذي يقوده المعسكر الشرقيّ بقيادة الاتحاد السوفيتي والصين على كوريا الجنوبية يمثل ضررًا لامنها القوميّ، وقررت التدخل المباشر في الحرب.
ولكن بعد نصر كبير لقوات كوريا الشمالية عام 1950، استمرّت الحرب لمدة ثلاث سنوات ضارية لم يستطع اي جانب فيها ان ينجح في الظفر بنصر حقيقيّ، او سيطرة على اي اجزاء غير تابعة له؛ بعدها اضطرت امريكا لانها الحرب وسحب قواتها بعد اعلان اتفاق سلام بين الكوريتين.
هنا كانت الولايات المتحدة في حاجة ماسة الى «تجميل» وجه تلك الحرب؛ اذ بدت امام العالم انها لم تستطيع الظفر باهدافها بشكل كامل، ولم يكن الا النصر المُدوّي يتوقّعه العالم من دولة بقوة امريكا التي تزعّمت العالم بعد الحرب العالميّة الثانية. هنا لعبت هوليوود دورًا هامًا في انتاج افلام عن الحرب الكورية، تُظهر بطولة وشجاعة ونُبل الجيش الامريكي، الذي اتهمته دول المعسكر الشرقي وقتها انه دخل في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل، وقد عملت هذه الافلام بهدف توصيل صورة المنتصر الى الشعب الامريكي اولًا، والى العالم ثانيًا.
مشهد من فيلم battle circus الامريكي عن الحرب الكورية
سباق الفضاء.. سنصل الى القمر قبلكم!
كانت فترة الستينات تشهد ذروة الحرب الباردة بين امريكا والاتحاد السوفييتي، وبات احد عناصر هذا الصراع – بخلاف التسلح – سباق ارتياد الفضاء، فبعدما ادهش الاتحاد السوفيتي العالمَ بوضع اول قمر صناعي في العالم عام 1957 باسم «سبوتنيك»، ثم تلا ذلك ارسال اول رجل الى الفضاء: «يوري جاجارين» عام 1961، بدات امريكا في حشد كل ما تستطيع من قوى للحاق بالخصم المتقدم في هذا المجال، وبات تخطي تلك الانجازات يمثّل اولويّة قصوى؛ وقد وضعت الولايات المتّحدة هدفًا من اجل ذلك، تمثّل في تحدّي الوصول الى القمر، ومن ثم بدات حرب البروبجاندا بين الطرفين في ابراز التقدم في مجال ارتياد الفضاء.
قمر سبوتنيك الروسي اول قمر صناعي في العالم 1957
هنا بدات هوليود في اتخاذ موقعها المعتاد في دعم الاهداف والمصالح الامريكية، وبدات في انتاج العديد من افلام الخيال العلمي، وارتياد الفضاء والكواكب، وقد تربعت على قمة تلك القائمة من الافلام فيلم 2001:space odyssey عام 1968 الذي تناول افكار مستقبلية طموحة، من اهمها ارتياد القمر الذي كان وقتها يمثل تحدياً كبيراً، والذي لم يلبث ان تحقق بعد صدور الفيلم المبهر القريب من الواقع بعام واحد فقط، بهبوط الامريكيين على القمر عام 1969.
رامبو.. حلم النصر الذي لم تنله امريكا في فيتنام
القت امريكا بجنودها في اتون معركة ضارية عام 1965، دون ان يكون هناك اي اعتداء مباشر عليها، وقررت التدخل في حرب ضارية بدات عام 1955 اثر خلافات بين دول جنوب شرق اسيا، تكبّدت على اثرها امريكا خسائر فادحة، ورغم رفض الكثير من المؤرخين الاعتراف الكامل بهزيمة امريكا كقوة عظمى في حرب فيتنام، الا ان الارقام الرسمية – التي عادة لا تكذب – اثبتت خسارة ما يقرب من 60 الف جندي امريكي.
اقرا ايضًا: كيف استخدم «سي. اي. ايه» هوليوود لتنفيذ اغراضه السياسية
بعد سحب قواتها من مستنقع الحرب في فيتنام؛ عكفت هوليوود على صناعة العديد من الافلام التي حاولت التصالح مع الهزيمة بابراز ويلات الحرب، ومعاناة الجنود الامريكان، مثل: full metal jacket للمخرج ستانلي كوبريك، كما عملت افلام اخرى على ابراز البطولات الامريكية في تلك الحرب التي خسرتها، مثل: Apocalypse Now.
اما الفيلم الاكثر شهرة في دعم بروباجاندا الجندي الامريكي، فهو First Blood الذي تناول قصة خيالية لضابط امريكي يدعى «جون رامبو»، والذي ينجح في الفرار والنجاة بحياته من قبضة احد سادة الحرب الشرسين في فيتنام بعد معارك اسطورية خاضها بمفرده، وقد لاقى نجاحًا كبيرًا، رغم عدم تطابق النهاية فيه مع الواقع المؤلم، بالاضافة الى الخروقات الجسيمة لحقوق الانسان التي ارتكبتها القوات الامريكية ضد الشعب الفيتنامي. وبينما نجا رامبو بمفرده دون اي خسائر من جحيم الحرب في فيتنام على شاشات السينما، خرج الجيش الامريكي في الواقع بهزيمة وخسائر كبرى؛ اذ كان الفيلم بمثابة حلم خيالي، لم يتحقق بالنسبة للشعب الامريكي.
شاهد المقطع التشويقي لفيلم first blood:
ستتدخل امريكا المُنقذة.. كل شيء سيكون بخير!
منذ الثمانيات وحتى اليوم، تدخّل الجيش الامريكي في اكثر من حرب في الشرق الاوسط، وخلال تلك العقود انتجت هوليوود العديد من افلام خيالية الاحداث، حقيقية الاطار، وتناولت التدخل العسكري الامريكي في دول اخرى، من اشهرها black hawk down المنتج سنة 2001، والذي يروي قصة التدخل الامريكي في الصومال عام 1993. امتلا الفيلم بالحركة والتشويق، وابرزَ بطولة المقاتلين الامريكيين في التصدي العنيف لاحد الزعماء المتمردين، بالاضافة الى فيلم American sniper المنتج سنة 2014، الذي يظهر بطولة احد القنّاصين الامريكان في اغتيال العراقيين اثناء حرب العراق، والتي راح ضحيّتها مئات الالاف من العراقيين.
حكى فيلم Zero Dark Thirty عمليّة الجيش الامريكي لاغتيال زعيم تنظيم «القاعدة» اسامة بن لادن، اذ يتعمّد صنّاع الفيلم اظهار تفوق العناصر الامريكية في الوصول الى هدف استراتيجي ظل على قمة اولوياتها لـ10 سنوات.
كما انتجت هوليوود العديد من الافلام غير الحربية التي هدفت الى اظهار التفوق الامريكي في مجالات اخرى، مثل فيلم Argo، الذي تناول قضية رهائن السفارة الامريكية اثناء الثورة الايرانية، وكيف نجحت الاستخبارات الامريكية في التدخل لانقاذهم ببراعة وبطولة. ولا تقتصر هوليوود على انتاج افلام دعائيّة حربيّة، او خيال علميّ، بل تتّجه الى تصنيفات اخرى قد تخدم افكارها بشكل غير مباشر، مثل الفيلم الكوميدي the interview، الذي يتناول قصة استعانة المخابرات الامريكية بمذيع تلفزيوني لاغتيال زعيم كوريا الشمالية، وغيرها من الافلام التي من السهل ان تلمح فيها ابراز التفوق الامريكي، سواء عن طريق الكوميديا، او الحركة، او حتى الترميز من خلال انقاذ العالم بواسطة ابطال امريكا الخارقين، او التصدي للغزو القادم من الفضاء.سفك الدماء يحتاج الى تسويق.. كيف تستغل الانظمة السياسيّة السينما لخداع الشعوب؟

Scroll to Top