اخبار اليوم الصحيفة, التنوع اللغوي يرتبط اخبار اليوم الصحيفة, التنوع اللغوي يرتبط
اعلنت غارديان البريطانية منتصف العام الجاري تعديل لغتها لادخال مصطلحات تصف بدقة الازمات البيئية التي تواجه العالم واستبدلت مصطلح “التغير المناخي” بكلمة “الطوارئ المناخية”، “الازمة” بمصطلح “الانهيار”، “تزايد الحرارة عالمياً” بدلاً من “التدفئة العالمية” وذلك تقديراً لخطورة الكارثة البيئية المعاصرة على البشر.
واشار اعلان الصحيفة ان مصطلح “ازمة المناخ” بات متداولاً في بيانات الاتحاد الاوروبي واحزاب سياسية لاهمية اللغة في تناول القضايا البيئية بدقة متناهية حيث تناول الناقد الادبي جون فلستينر في كتابه “هل يمكن للشعر ان ينقذ الارض” اهمية الشعر واللغة وقدراتها الرمزية في وقت الازمات البيئية معتبرا الشعر قادرا على جعل البشر يستعيدون الاهتمام بالبيئة.
التنوع اللغوي والبيولوجي
لا يفقد عالمنا التنوع البيولوجي فقط بل التنوع اللغوي والثقافي ايضاً، حيث تشير بيانات اليونسكو لعام 2018 في “اطلس لغات العالم المهددة بالاندثار” الى ان 2500 لغة محلية مهددة بالانقراض وان هناك لغة تنقرض كل اسبوعين.
ولا يبدو التزامن بين فقدان التنوع البيولوجي واللغوي الثقافي مجرد صدفة وانما يوجد ترابط بينهما، كما يشير مجموعة من الباحثين في “علم اللغة الايكولوجي” (البيئي).
وركزت بعض الاتجاهات الحديثة بالدراسات اللغوية وتحديداً “اللغويات العصبية” على العلاقة بين العمليات البيولوجية للدماغ واللغة والعمليات الذهنية التي تحدث في العقل وتاثيرها على النظام اللغوي، وذلك في دراسات “اللغويات المعرفية” وقد صارت العلاقة بين بيئة الناس ولغتهم في الفترة الاخيرة مثار اهتمام اللغويين.
وتظهر الدراسات ان معظم مناطق التنوع البيولوجي الكبير عالمياً هي ايضا مناطق للتنوع اللغوي والثقافي، وان من بين اكثر من ستة الاف لغة متبقية في العالم يوجد ما يقرب من خمسة الاف لغة في المناطق التي تتمتع بتنوع بيولوجي كبير حيث ترتبط البيئات البيولوجية المتنوعة بوجود السكان المتنوعين لغوياً بدرجة كبيرة ايضاً.
وكان التوسع البشري للناس ومحاصيلهم وامراضهم ولغاتهم على مستوى العالم -خاصة اوروبا- مرتبطا بالحاق الضرر بتنوع الاحياء والثقافة واللغة، ويعتقد الباحثون ان التقاليد الثقافية المستمرة للمجموعات السكانية الاصلية واقتصاداتها وسبل ادارة بيئاتها المحلية في المناطق النائية سمحت للتنوع البيولوجي بالنمو والازدهار.
اللغة والبيئة
يقول اللغويون ان زيادة عدد الكلمات التي تصف قضايا البيئة في لغة ما تعني زيادة الوعي بقضاياها، وتنشا معظم المصطلحات الجديدة ضمن اللغة الانجليزية، وتكون تقنية للغاية ومجردة وغالبًا ما تكون تشكيلات متعددة لكلمات من اصل يوناني او لاتيني.
واستخدمت بعض المصطلحات لتضليل الجمهور حول ممارسات اشكالية من الناحية البيئية مثل “استصلاح الاراضي” ليتم تناول نفس القضايا من منظور مختلف تماماً بسبب المصطلحات التي قد تضفي على الممارسة الضارة بيئياً توجها ايجابيا مضللا.
ويرى الباحثون في “اللغة البيئية” ان تناول الحيوانات بنفس طريقة الضمائر المخصصة للبشر في بعض اللغات (وليس صيغة غير العاقل) يؤكد تضامن الناس مع بيئتهم، وان العلاقة اللغوية بين السبب والنتيجة تؤثر في منظور البشر نحو البيئة.
التصنيف وزمن المستقبل
يميل البشر بشكل طبيعي لتصنيف وتنظيم وتسمية الاشياء المهمة في التجربة الانسانية حول العالم مثل اللون والاشكال، ووجد عالم الانثروبولوجيا برنت برلين واخرون ان هناك انماطًا عالمية في كيفية تسمية البشر للانواع البيولوجية وتصنيفها في بيئتهم.
وتصنف جميع اللغات والثقافات اسماء النباتات بطريقة منتظمة غير عشوائية، ويزداد مثلا معجم الاسماء النباتية كل عام باضافة مفردات جديدة لفئات وانواع نباتية اكثر تحديداً، فيتحول “البلوط” مثلاً الى “البلوط الابيض” كما يتطور وعي الناس المتزايد بالنباتات من حولهم مع المفردات الجديدة الاكثر دقة في تحديد الاصناف الحية.
ويكشف الباحثون -في بحث نشرته مجلة الاقتصاد المقارن- مصدرًا جديدًا يفسر السلوك البيئي يتمثل في وجود زمن المستقبل في اللغة، مع التوقع بان اللغات التي تشتمل على هذا الزمن يكون المتحدثون بها اقل عرضة لرعاية البيئة في سلوكهم.
فرضية سابير
ويعتبر عالم اللسانيات الاميركي ادوارد سابير ان اللغة التي يتحدث بها الشخص تؤثر على الطريقة التي ينظر بها الى العالم ويتفاعل معه، وتشتهر اربع فرضيات مختلفة للعلاقة بين اللغات وبيئاتها، وتخرج جميعها من مدارس مختلفة للفكر اللغوي.
واعتبر اللغوي الاميركي ناعوم تشومسكي ومدرسة اللغويين المعرفيين ان اللغة البشرية مستقلة عن بيئتها، في حين يشير اخرون الى ان اللغة هي التي تبني العالم ووجوده.التنوع اللغوي يرتبط بنظيره البيولوجي.. هكذا تؤثر اللغة على البيئة