اخبار اليوم الصحيفة, الروائية حزامة حبايب: اخبار اليوم الصحيفة, الروائية حزامة حبايب:
انكرت الروائية الفلسطينية حزامة حبايب ان تكون كتاباتها تلبست هوية المراة التي تعيش صراعا معلنا او خفيا مع الرجل، او تخوض اشتباكا “دموياً” مع المفاهيم الذكورية، مستدركة انها لم تشعر ابدا بانها جزء من هذا الصراع “الابوي البطريركي” بالطريقة النمطية التي تعاملت معها كتابات “نسائية” ذات نبرة احتجاجية منبرية زاعقة.
واضافت حبايب -المولودة في الكويت وحصلت من جامعتها على بكالوريوس الاداب في اللغة الانجليزية- ان صراعها “ليس مع الرجل كوحدة معزولة اجتماعيا، بل مع المنظومة الثقافية والفكرية والايديولوجية التي يكون الرجل ضحيتها، وايا كان شكل السلطة فانني اواجهها بسلطة الكلمة وقدرتها على الكشف والتعرية والفضح”.
ولم تنكر الحاصلة على جائزة نجيب محفوظ ان لديها “معاركها” التي تخوضها مع ذاتها، وشرورها، وشياطينها، وتقول “صراعاتي الذاتية هي التي تصنع في مجملها المراة التي انا عليها، ولدي معركتي مع الاخر الذي يرفض اختلافي ويحاول “تربيتي”، او يسعى الى تدجيني وخنق صوتي”. مؤكدة “انا امراة مبادرة بطريقتي، وفي كل فعل كتابي اقوم به فانني انتصر للحياة وللانسان، لا احمل سيفاً، فقط احمل قلبي، وعلى هشاشته قادر على ان يواجه العالم كله”.
هجائية المخيم
وقالت حبايب ان روايتها “مخمل” تمثل هجائية للمخيم؛ بوصفه تجمعا بشريا لا يمثّل الهزيمة والخراب والبؤس بالمعنى المادي والمجازي فحسب، بل يجسد عيش الهزيمة الى حد ان تصبح وجودا موازيا ومالوفا واعتياد الخراب كما لو انه اصل الشيء وليس تشوّها عابرا، ويتجذّر في اعماق الذات المنكسرة والمتهاوية.
واشارت حبايب الى ان التناقض بين لغة الرواية الشاعرية والهفهافة، وعنوانها الذي يحيلنا الى تنويعات الحب والجمال والرقّة وبيئة المخيم التي يتفشّى فيها الجفاف العاطفي والتفسُّخ الانساني، لان اللغة تتحول بطريقتها الى الوطن المرام، ويكون المخمل اكثر من مجرد نسيج ناعم وغال، يغدو كل ما يُشتهى ويُحب ويُتاق اليه، ويصبح المخمل الحب الهانئ، والحياة السعيدة المتخيلة خارج المخيم.
سؤال الهوية
والسؤال الذي يلحّ من بين صفحات الرواية -بحسب الروائية حبايب- هو: هل يقود المخيم الى الوطن؟
وتجيب “بالنسبة لي المخيم يقود الى اي شيء الا الوطن، وهذه البيئة “الغيتوية”، تغدو جزءا عضويا في بنية الذات العاطفية والهوية، موصومة باللامكان”.
التجنيس الكتابي
وعن جمع حقول الابداع لديها بين القصة والرواية والشعر؛ قالت صاحبة رواية “اهل الهوى” لا يوجد “صنف” كتابة يمكن ان ينزع الشرعية عن الاخر، مبينة ان كل كتابة مستوفية شرطها الابداعي، ضمن كيانها وكينونتها القائمة بذاتها، وقادرة على ان تفرض نفسها بقوة نابعة منها، وقابلة لان تُقرا ضمن مستويات عدة؛ تمتلك شرعيتها الخاصة بها.
واشارت الى انها تجد نفسها في الرواية والقصة والشعر، بل وحتى في كتابة المقال، الذي تعده تمرينا فكريا محرِّضا، وقاسيا احياناً. وتجد متعة في كتابة مقالات تتناول اهتمامات قريبة الى قلبها، كالموسيقى والسينما، او موضوعات تقتضي مقاربات بحثية محددة تقود الى كشف مثير، لافتة الى اننا وسط مبالغتنا في تعظيم “اصناف” كتابية بعينها ننسى كتابات عظيمة خارج عباءات الرواية او الشعر او القصة، احدثت سجالات في تعاطينا مع المهمَل والمغفل والمسلَّم به، حيث تخطّت شهرتها و”عظمتها” وتاثيرها الكتابات النثرية والسردية، او لم تقل عنها.
الرواية والبناءات متعددة الطوابق
وقالت حبايب “من فترة اعدْتُ قراءة واحدة من اهم المقالات بعنوان “السياسة واللغة الانجليزية” لجورج اوريل صاحب رواية “1984”، ويقرن فيها بين الرداءة اللغوية والانحطاط السياسي، معتبرا ان اللغة السياسية مصمَّمة لاخفاء الحقيقة لا للكشف عنها. مستدركة ان المقالة التي نُشرت في 1946 تبدو شديدة الصلة براهن الفضاء اللغوي السياسي في عالمنا اليوم، مؤكدة ان الحالة الابداعية المعقدة بطبيعتها هي التي تختار القالب القادر على احتواء التجربة “المخيالية”.
وقالت حبايب اذا كانت تجربتي في السنوات العشر الاخيرة قد انحازت للرواية، التي باتت تشكل المنجز الابرز في منتجي الادبي، فربما لانني وجدتُ فيها مساحة تعبيرية عريضة، وبنيانا متعدد الطوابق.
فضاء الشعر
وعن ذهابها لفضاء الشعر بعد ان غادره اصحابه، قالت حبايب ما لا يعرفه كثيرون ان نواة الكتابة لديّ تفتّحت شعراً، ففي اواخر الثمانينيات نشرت نصا شعريا بعنوان “صور”، واختارت مجلة “الناقد” الشهرية اللندنية عام 1990 مجموعة نصوص لي ضمن ما وصفته بثمانين صوتا يصوغون المشهد الشعري في الوطن العربي انذاك. يومها جفلت لانني كنت اقارب الشعر بتهيُّب، حريصة على الا اتعامل مع التجربة الشعرية كزوائد عاطفية او كمنتج ثانوي. لكن لا اعتقد انني هجرتُ الشعر يوما كي اعود له. لطالما شكّل الشعر ملاذا لي، الجا اليه في ازمان العجز الكثيرة، وظلت جذوته ماثلة في كياني، متسيّدة، متسللة في نصوصي، متوهجة، حتى وان بدت هاجعة او نائصة او خافتة.
وكثيرا ما غمر النص الشعري عاطفتي في لحظات خاصة جداً، اقرب الى “علاقة سرية” في حالة من البوح والتجرد من بروتوكولات اللغة وغلالاتها الخارجية.
وعموماً، فان قارئ قصصي ورواياتي لا بد ان يقع على تجليات شعرية فيها، ومنها “مخمل”، بلغتها الشعرية التي تنسجم مع مناخها الحكائي.
احاديث الوسادة
تختم حبايب بان قصائد “احاديث الوسادة” التي قرات منها مختارات في امسية نظمت لها بمنتدى الرواد في العاصمة الاردنية عمان (في 24 يوليو/تموز 2019) انها كُتبت ضمن حالة عاطفية حارّة ومكثفة جدا، تصف تجربة عشق لا تريد فيها الشاعرة التي اتلبسها شخصيا الانعتاق حتى حين تكتشف انها اصبحت اسيرة زمن حب يمتد فقط في الليل، زمن قوامه بوح دافئ، يتخلى فيه الحبيبان عن تحفظاتهما، مقابل زمن النهار الجاف والشاحب الذي تشيخ فيه العلاقة.
يذكر انه صدر لحبايب روايات: “مخمل”، و”قبل ان تنام الملكة”، و”اصل الهوى”.
وقصص: “ليل احلى”، و”شكل للغياب”، و”التفاحات البعيدة”، و”رجل لا يتكرر”. وديوانا: “استجداء”، و”احاديث الوسادة”.الروائية حزامة حبايب: هل يقود المخيم الى الوطن؟