اخبار اليوم الصحيفة, متحف نجيب محفوظ.. اخبار اليوم الصحيفة, متحف نجيب محفوظ..
مع الاستمرار في السير يضيق الزقاق الملتوي، فتصير امكانية ملامسة اكتاف الناس والحجارة القديمة واردة، مع ذلك لا احد يلتفت الى خلجات البنايات العتيقة او الغرباء وكانهم شخوص داخل قصة تقع في ازمنة غابرة، او ان جميعهم ابطال لروايات الاديب الكبير نجيب محفوظ ويسيرون بنصيحة مؤلفهم “الملتفت لا يصل”.
هنا يبدا الزقاق بنهاية سور الجامع الازهر بحي الغورية في قلب القاهرة التاريخية، وينتهي بتشعبات كثيرة تتفق جميعها على حتمية ورودها داخل عالم نجيب محفوظ الذي ينطلق بالاساس من الحارة القديمة، لذا لم يكن مستغربا ان تختار وزارة الثقافة المصرية هذا المكان ليحتضن مقر متحف الاديب العالمي صاحب الروايات الكثيرة التي تنقل نبض حواري القاهرة مثل “زقاق المدق”.
المفارقة ان المتحف يقع داخل مبنى اثري هو سبيل تكيّة “محمد ابو الذهب”، والتكيات في ادب محفوظ هي ملجا النفس لكثير من ابطاله واشهرهم عاشور الناجي في ملحمة “الحرافيش” الذي وجد في اناشيد التكية لحظات من الحياة النادرة.
وظهرت التكيات في مصر مع الحكم العثماني لها، وارتبطت بتقديم خدمات للفقراء وكذلك بممارسة الطقوس الصوفية مثل حلقات الذكر.
لكن الامور لم تجر بشكل عشوائي كما صرحت وزيرة الثقافة ايناس عبد الدايم، فاختيار مكان المتحف جاء ليتوسط اغلب الاماكن التي كتب عنها محفوظ، كما انه قريب من المنزل الذي ولد فيه الاديب الحائز على جائزة نوبل.
محتويات المتحف
الوصول الى المتحف لا يحتاج سوى سؤال بائع العنب الذي يجلس امام ثماره على ناصية الزقاق عن مكان تكية “محمد ابو الذهب”، هو لن يفيدك اذا سالته عن مكان متحف نجيب محفوظ، اولا لكونه لا يعرف اديب نوبل، وثانيا لان المتحف لم يفتتح ابوابه بعد للجمهور، لذلك فالافضل ان تساله عن مكان التكيّة.
امام المتحف تمتد جدارية تبدو قد صُممت حديثا، يطل منها محفوظ من بين ماذن القاهرة الشهيرة هادئا يشاهد المارة الذين هم امتداد لابطاله القدامى.
امام التكية تبدو علامات عدم اكتمال انشاء المتحف ظاهرة من بقايا المؤن ومستلزمات الترميم التي تستقبل الزائر عند بوابة الدخول، رغم اعلان وزارة الثقافة عن موعد الافتتاح يوم 30 يونيو/حزيران الماضي.
في الداخل يسيطر اللون الازرق كطلاء للاعمدة والابواب الخشبية الداخلية، في حين بقيت جدران التكية كما هي، التي يرجع تاريخ بنائها الى عام 1774م.
يتكون المتحف من طابقين على مساحة 1600 متر، الاول يضم مجموعة قاعات تخص المكتبة التي تضم اعمال محفوظ باللغة العربية واللغات التي تُرجمت لها، كذلك الابحاث والدراسات التي تناولت ادبه، الى جانب قاعة لاقامة الندوات.
ويضم الطابق الثاني قاعات عدة منها ما يضم الاوسمة والشهادات التي نالها الاديب الراحل، ومنها ما يحوي متعلقاته الشخصية، علاوة على عشرات المخطوطات التي كتبها بخط يده.
في الطابق نفسه توجد قاعة للسينما، ومن المقرر ان تعرض الاعمال السينمائية والدرامية المقتبسة من نصوصه الادبية، وكذلك التي كتبها محفوظ خصيصا للشاشة.
وسميت قاعات المتحف باسماء تدلل على مسيرة محفوظ، مثال الحارة واصداء السيرة وتجليات واحلام الرحيل ونوبل.
وعُلقت على المساحات الفارغة من الجدران بالطابقين لوحات تحمل مقولات للاديب الراحل، التي قالها ضمن نصوصه الادبية او خلال اللقاءات الاعلامية.
تاجيل متكرر
عقب وفاة نجيب محفوظ عام 2006 ظهرت فكرة انشاء متحف لاديب نوبل، وتداولتها وسائل الاعلام تحت رعاية وزير الثقافة الاسبق فاروق حسني، الذي اصدر قرارا وزاريا بانشاء المتحف يحمل رقم 804 لسنة 2006.
لكن الخطوات الفعلية لم تبدا الا في عام 2012 حيث خُصصت تكية ابو الذهب لتحويلها الى المتحف، بتمويل اجمالي 15 مليون جنيه (الدولار نحو 17 جنيها).
وبحسب تقارير صحفية محلية تم تاجيل موعد افتتاح المتحف ست مرات، بينما يظل السبب متنوعا، فمثلا برر رئيس قطاع صندوق التنمية الثقافية فتحي عبد الوهاب تاخير افتتاح المتحف بكون التعامل مع المبنى الاثري يختلف عن التعامل مع اي مبنى اخر من حيث احتياجه لعناية خاصة، الى جانب نقص في الميزانية.
لكن مدير التوثيق الاثري والمشرف على توثيق المزارات الاثرية بوزارة الاثار محمد حسن عبد الفتاح ارجع سبب تاخر الافتتاح الى العثور على كشف اثري جديد داخل تكية محمد ابو الذهب، وهو عبارة عن مكان كان يستخدم لتخزين المياه اسفل المبنى.
وتحت عنوان “تكية نجيب محفوظ” ابدى الكاتب الصحفي والشاعر محمد العسيري امله في ان يتحول ما سماه المتحف الصغير الذي يخترق الحارات الضيقة، الى حدث يومي كبير، ياتي اليه عشاق الادب والفكر والفن من كل ارجاء العالم وفي زيارات خاصة.
ووصف المتحف بانه رمز لامة مبدعة ومقاومة، لكنه يحتاج في الوقت نفسه لتضافر جهود العديد من الجهات الحكومية وليس وزارة الثقافة وحدها من اجل تحويله لمزار سياحي عالمي.متحف نجيب محفوظ.. الادب في رحاب التكية