اخبار اليوم الصحيفة, الغناء اليمني: استهداف اخبار اليوم الصحيفة, الغناء اليمني: استهداف
“عدن، عدن يا ليت عدن مسير يوم..”. هكذا، ردد المغني الاسرائيلي الصهيوني تسيون جولان، وهو يهودي من اصول يمنية، مع الفنان اليمني الشاب حسين محب، في احتفال اقيم في العاصمة الاردنية عمّان قبل فترة، لعرس شاب تتصل عائلته بقرابة مع الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح.
اثارت الصورة التي انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي، وهي تجمع محب وجولان، جدلاً في اليمن؛ فالبعض اعتبرها دعوة او رغبة في التطبيع، والبعض الاخر دافع عن محب باعتبار ان المغنيين جمع بينهما هوى او عشق التراث الغنائي اليمني. وبصرف النظر عن ذلك، فان الجدل ركّز على مجاورة المغني اليمني الاسرائيلي، سواء في الغناء او الصورة، وربطها بحالة سياسية حساسة تتعلق بالتطبيع، متجاهلين الجهة التي جمعت الطرفين، خصوصاً انها عائلة كانت مقربة لصالح، وتمتعت بنفوذ سياسي قوي في عهده. بعضهم يرى ان محب شخص يمتلك وعي مواطن عادي مليء بالعاطفة تجاه كل مختلف يشاركه شيئاً من الهوية الغنائية اليمنية.
وهي ربما الحالة التي جمعت الاثنين بكل ابعادها، الا ان ما يهمنا هو تلك الصورة المتعلقة بالاغنية اليمنية، القائمة على موروث غني ومتنوّع، وفي نفس الوقت افتقارها الى واقع معاصر صلب؛ فتتجلّى هذه الصورة في حالة تشبه الامتنان او التقدير لهذا الموروث الذي يتم تقديمه في “اسرائيل” عبر مغنين من جذور يمنية، وبطابع تلفيقي يتخذ سمات اغاني البوب.
وعندما غنى محب بصحبة جولان، كان عليه مجاراة اسلوب الاخير؛ فتظهر ضربات العود المصاحبة للكوردات بطابع حيوي، ليس من سمات الطابع اليمني، او حتى الاغنية الصنعانية التي لا ينشط فيها الايقاع كما هو في الاغنية اللحجية والحضرمية. كما ان اللحن سيتحول بصيغة مقامية مختلفة عن الاصل، اي الى الكرد؛ فليس ضمن “الثقافة الاسرائيلية” ارباع الصوت التي تتسم بها الالحان العربية، هذا ان لم ناخذ بحضور انصاف الربع صوت في الغناء اليمني، دون باقي العرب، وهو مرتبط الى حد كبير بالتقسيم الهندي للصوت.
ربما لا يتعدى اللقاء الذي جمع حسين محب كفنان يمني مع المغني جولان سوى التصاقهما بهذا الموروث الغنائي اليمني، وكل على طريقته. الا ان التصاق اليهود اليمنيين باسرائيل عبر اغانٍ ترتبط بوجدانهم المتخيل، والممتد لجذورهم، فياتي ضمن السياق الذين يقدمون به الحانهم، وهي الحان مرتبطة بتلك التي ورثوها عن اسلافهم، لكنهم ايضاً يحافظون على المحتوى اللغوي للاغاني، ويقدمونه بالعربية، وبلهجة يمنية.
على صعيد اخر، تحاكي تلك الاغاني انماطاً ما زال اليهود اليمنيون في فلسطين المحتلة يحافظون عليها، خصوصاً تلك المرتبطة بجلسات القات، اضافة الى محافظتهم على ثيمات تقليدية في الاعراس، لم يعد لها حضور في اليمن. انها مضامين تحظى بتشجيع الحكومة الصهيونية. الا ان هناك، في المقابل، مخاوف يمنية وعربية من محاولة السطو على هذا الموروث وادعاء انتسابه لهم. فجولان لا ينكر انها اغانٍ يمنية، او انها تعبر عن هويته اليمنية، لكن اية هوية؟ ما دام انه يحمل هويتين؛ احداهما يمنية متخيلة تتعلق بجذوره، واخرى اسرائيلية ترتبط بواقعه. من هاتين الهويتين، ياتي اللبس، عبر ظهور مغنّ يمني الى جانب اسرائيلي في عرس يمني في عاصمة عربية. كل هذا يتنامى ليشكل ذلك الجدل.
لا ينحصر السطو الغنائي في “اسرائيل” على الحان يمنية، بل يمتد ليشمل اشهر الاغاني العربية، من اغاني ام كلثوم وعبد الوهاب واسمهان وغيرهم، وحتى اغانٍ مصرية حديثة، اضافة الى اغانٍ لبنانية وعراقية. الا انها لم تحظ باي انتشار خارج دولة الاحتلال؛ كما هو الحال في الاغاني اليمنية. فهل هذا على علاقة بالواقع الهش الذي تقوقعت فيه الاغنية اليمنية بنسقها القديم؟ هل هو تعطش لرؤية اغانٍ يمنية بهذا الرتم السريع كما يقدمه المغنون اليهود من اصول يمنية؟
في هذا السياق، يرى البعض ان اليهود من اصول يمنية طوروا الغناء اليمني. وهذا الراي لا يخلو من التسرع وعدم فهم الثقافة الغنائية. واذا اعدنا النظر في تلك الاغاني التي يعاد تقديمها في “اسرائيل”؛ فاننا لن نرى من التراث اليمني سوى الثيمة اللحنية. وفي الواقع، يستحضر الغناء اليهودي اسلوبه، لكنه لا يضيف شيئاً الى الغناء اليمني، بل تبدو ايضاً بعض السمات الغنائية ممسوخة ومشوّهة مع هيمنة نغمات الكيبورد، وهيمنة مقام الكرد الذي لم يكن مُستخدماً ابداً في الالحان اليمنية التي اقتبسوها.
هي تبدو الحاناً يمنية؛ لكنها لم تحافظ على الشخصية اللحنية اليمنية، كما انها في نفس الوقت لم تتطوّر من اللحن اليمني فعلياً، ويظل هذا الامر موضع خلاف بين العاملين في الموسيقى.
قبل عامين، ظهر العازف اليمني احمد الشيبة على العود بمصاحبة رافيد كحلاني؛ الاخير هو مغنٍ يهودي من جذور يمنية يعيش في الولايات المتحدة، ومؤسس لفرقة “بلوز يمن” التي تعيد تقديم اغانٍ يمنية من خلال دمجها بايقاعات واساليب غربية؛ مثل البلوز والريغي والروك، اضافة الى البوب. الا ان هذا اللقاء مر من دون اثارة اي ضجيج حوله؛ اذ كان في صالة فندق، وبشكل ربما مصادف. لكن ليس للشيبة شهرة محب في اليمن، ولا كحلاني بشعبية جولان.
بعد الجدل الذي اثاره لقاء محب بجولان، نشر الشيبة وكحلاني تسجيلاً لهما يقدمان فيه اغنية يمنية قديمة باسلوب الريغي للتضامن مع ما تعرض له محب من هجوم واتهامه بالتطبيع. في حالة كحلاني والشيبة، تنعكس صورة الفنان اليمني الذي يبحث عن ذاته الفنية عبر مواضيع تحظى هناك بقبول؛ ثم صورة الفنان الاسرائيلي او اليهودي من اصول يمنية وهو يعيش على دمج تراث موجود بانماط غربية، الى جانب وجود انماط من الجمهور تبحث عن مهرجانات فلوكلورية مبسطة.
بالنسبة لما يقدمه حسين محب وابناء جيله في اليمن، فانهم، بحسب الملحن والناقد اليمني الموسيقي جابر علي احمد، لم يقدموا اي بصمة ابداعية تحسب لهم في الغناء اليمني. ومن وجهة نظره، فان اسرافهم في التقليد جعلهم عاجزين عن تقديم جديد، لكنهم في نفس الوقت لم يسيئوا الى هذا التراث. يؤكد جابر ان للبعض قدرات فنية وصوتية عالية؛ ممتدحاً حسين محب، باعتباره احد القلائل الذين اشتغلوا على انفسهم وطوروا قدراتهم الصوتية.الغناء اليمني: استهداف اسرائيلي للموروث