بعد-نحو-200-سنة-من-اكتشافها.مادة-على-وشك-تغيير-العالم

بعد نحو 200 سنة من اكتشافها…مادة على وشك تغيير العالم

اخبار اليوم الصحيفة, بعد نحو 200 اخبار اليوم الصحيفة, بعد نحو 200

لا احد يعرف من الذي اكتشف مادة “بيروفسكايت” perovskite. جمعت عينة من الكريستال [بيروفسكايت نوع من الكريستال] في جبال الاورال في روسيا في اوائل القرن التاسع عشر، قبل ان تشق طريقها الى مختبر عالم المعادن الالماني غوستاف روزه، الذي اطلق عليها اسمها [بيروفسكايت] رسمياً في عام 1839. لم يكن يعرف هذه المادة انذاك، ولكن خصائصها الاستثنائية حظيت بالاشادة بعد مرور نحو 200 سنة، ذلك انها تعد باحداث ثورة في مجال الطاقة المستخرجة من مصادر طبيعية متجددة.
بدا التعرف الى امكانات هذه “بيروفسكايت” في عام 2009، عندما شرع الباحثون في اليابان في اجراء تجارب صغيرة على المادة بغية استكشافها، ووجدوا ان تسليط ضوء ساطع عليها ادى الى اطلاق شحنة كهربائية صغيرة. يومها، استطاع فريق البحاثة توفير 3.8 في المئة فقط من كفاءة تحويل الطاقة [النسبة بين الطاقة المستفادة من الة الى الطاقة المستهلكة] على سطح صغير، اي جزء بسيط من نحو 20 في المئة من كفاءة الالواح الشمسية التقليدية المصنوعة من السيليكون، ولكن الاكتشاف افضى الى مجال بحثي جديد.
بحلول 2017، وبفعل التقدم الباهر كانت معدلات الكفاءة قد تجاوزت فعلاً 22 في المئة، مما حمل البروفيسور الرائد في الفيزياء فالي فارديني من “جامعة يوتا” الاميركية الى وصفها بـ”المادة المعجزة”. كذلك وصفها علماء اخرون بـ”المادة العجيبة” القادرة على تحقيق اهداف صافي الصفر الطموحة من الانبعاثات الحرارية التي حددها الخبراء انذاك، ما دام في المستطاع تحقيق امكاناتها خارج المختبر.
في مايو (ايار) من العام الحالي، سجلت كفاءة لوح شمسي ذي حجم تجاري رقماً قياسياً جديداً، مما جعل الانتاج الضخم اخيراً قريب المنال. حققت هذا الانجاز شركة “اوكسفورد بي في” Oxford PV البريطانية الناشئة، التي سجلت رقماً قياسياً عالمياً في الكفاءة بلغ 28.6 في المئة، مستخدمة تصميماً ترادفياً مصنوعاً من “البيروفسكايت” والسيليكون [اي ان مادة “البيروفسكايت” فيه تشكل رديفاً مكملاً للمواد التي تؤلف الخلايا الشمسية التقليدية، واساسها مادة السيليكون]، ويتوسل المادتين كلتيهما لالتقاط الطاقة من اجزاء مختلفة من الطيف الشمسي.
الان، تعمل الشركة المنبثقة من “جامعة اكسفورد” على تسويق هذه التكنولوجيا، بغية بدء الانتاج الواسع النطاق في مصنع في المانيا لاحقاً هذا العام. اذا كتب لها النجاح، ستكون الشركة قادرة على تلبية الطلبات الاولى للزبائن بحلول منتصف عام 2024.
في الحقيقة، بلغت الالواح الشمسية المصنوعة من السيليكون الحالية حدودها القصوى. في تصريح ادلى به الى “اندبندنت” قال كبير مسؤولي التكنولوجيا في “اكسفورد بي في” كريس كيس ان “هذه المادة ليست بمعجزة. صحيح انها فريدة ولكن فرادتها ناتجة من العلم. التطورات في هذه المادة عبارة عن تلاعب بالذرات على المستوى الذري”.
قال الدكتور كيس ان لدى شركته خريطة طريق لدفع معدل كفاءة الواحها الشمسية التجارية الى ما يزيد على 30 في المئة خلال العامين المقبلين، مضيفاً ان تصاميم شركته ستكون مناسبة لاستخدامها على اسطح المنازل وفي مزارع الطاقة الشمسية على نطاق المرافق. الى جانب التخزين الكافي للبطارية، ستكون هذه المعدلات كافية لتلبية الطاقة المطلوبة لسكان المناطق ذات الكثافة السكانية العالية.
يبلغ الحد النظري الاقصى لهذه الخلية الشمسية متعددة الوصلات 43 في المئة، اي اكبر كثيراً من الحد النظري الاقصى البالغ 29 في المئة للخلية المصنوعة من السيليكون وحده. يعتقد العلماء انهم يستطيعون الوصول الى نحو 90 في المئة من هذا الحد النظري، لا سيما ان الانظمة الصغيرة من هذه الالواح سبق ان بلغت معدلات كفاءة اكبر من 33 في المئة في ظروف المختبر.
سجل باحثون من “جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا” (“كاوست” KAUST) في المملكة العربية السعودية الرقم القياسي [في كفاءة تحويل طاقة خلية شمسية ترادفية]، مؤسسين بذلك معياراً مرجعياً بعد الاستفادة من مبالغ مالية ضخمة من التمويل الحكومي المخصص لتكنولوجيات الطاقة النظيفة بغية مكافحة الاضرار الناجمة عن استغلال احتياطات النفط المهولة في البلاد.
قال المدير المساعد الموقت لمركز الطاقة الشمسية التابع لـ”جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا” ستيفان دي وولف، ان السعي في تحقيق ارقام قياسية جديدة “خطوة بالغة الاهمية في تحقيق اهداف الطاقة المتجددة بسرعة، من اجل مكافحة تغير المناخ”.
على رغم ان “البيروفسكايت” اكثر المعادن وفرة على الكوكب، اذ تشكل 38 في المئة من كتلة الارض، علماً ان معظمها مدفون في اعماق طبقة الوشاح من باطن الارض، فان البيروفسكايت المستخدم في الخلايا الشمسية يصنع بالكامل من مواد شائعة من قبيل البروم bromine والكلور chlorine.
بناء عليه، يكون انتاجها اقل كلفة كثيراً من انتاج خلايا السيليكون، ولكن حتى وقت قريب، واجه العلماء صعوبات جمة في جعلها متينة بما يكفي لانتاجها على نطاق واسع. للاسف، تتدهور كفاءتها بسبب الماء والحرارة والاوكسجين، في حين ان الالواح الشمسية التجارية تتعرض لهذه العوامل بشكل متكرر.
وفق الدكتور كيس، “التحدي الاكبر حتى الان قوة التحمل والموثوقية. [تتمتع هذه التكنولوجيا] بالفعل بكفاءة كبيرة، اعلى كثيراً من كفاءة خلايا السيليكون الحالية، لذا نبذل معظم جهودنا في البحوث والتطوير على تعزيز الموثوقية، وليس الكفاءة.”
في العادة يبلغ العمر التشغيلي للالواح الشمسية التجارية نحو 20 عاماً، وهو الهدف الذي حددته “اكسفورد بي في” بالنسبة الى الواح الجيل التالي. باستخدام اختبار الاجهاد المتسارع لمنتجها، تدعي الشركة الناشئة ان عمر الخلايا الشمسية البيروفسكايتية- السليكونية الاولى التي ستكون في متناول الزبائن سيتراوح بين 20 و30 عاماً.
اذا حققت النجاح في هذا المشروع، ستكون الشركة الاولى في العالم التي تنتج على نطاق واسع مثل هذه الالواح الشمسية العالية الكفاءة. ومن بين الشركات الاخرى التي تامل في تحقيق انجازات مماثلة الشركة الصينية الناشئة “رينشاين سولار” Renshine Solar، التي تعكف على تصميم لوح شمسي مصنوع من “البيروفسكايت” فحسب، زاعمة انها قادرة على تصنيعه بنصف كلفة خلايا السيليكون. يعد الحد النظري الاقصى البالغ 33 في المئة لكفاءة خلايا البيروفسكايت الشمسية (PSCs) متواضعاً نسبياً مقارنة مع الخلايا البيروفسكايتية- السيليكونية الترادفية، لكن شركة “رينشاين سولار” تدعي ان مصنعها سيعمل بكامل طاقته بحلول سبتمبر (ايلول) المقبل.
كذلك اظهرت “البيروفسكايت” امكانية ابتكار طرائق جديدة لتعزيز كفاءة الالواح الشمسية بشكل اكبر، اذ كشف “المختبر الوطني للطاقة المتجددة” التابع لوزارة الطاقة الاميركية (NREL) اخيراً عن لوح شمسي جديد ثنائي الوجه قادر على توليد الكهرباء من طاقة الشمس من الوجهين كليهما الامامي والخلفي. من خلال حصاد اشعة الشمس المنعكسة [بمعنى انه يمكنها ايضاً امتصاص الطاقة التي تنعكس على الارض]، يرفع الجهاز انتاج الطاقة الاجمالية للوح الشمسي بنسبة تصل الى 20 في المئة.
تشمل التطورات الحديثة الاخرى التي تنطوي على “البيروفسكايت” الواحاً ذاتية الاصلاح يسعها استرداد 100 في المئة من كفاءتها الاصلية بعد تعرضها للضرر نتيجة اشعاع الفضاء. بخلاف الطاقة الشمسية، من شان “البيروفسكايت” ان تطرح اثاراً ضخمة على مجالات كثيرة من البطاريات الى الاتصالات السلكية واللاسلكية، اذ يزعم بعض العلماء ان في مقدورها زيادة سرعة الانترنت الف مرة.
ربما يبقى اكتشافها الاساس في جبال الاورال غامضاً الى الابد، ولكن تحقيق امكاناتها الحقيقية على نطاق عالمي ربما يثبت انها معجزة. البروفيسور فارديني، الذي كان العالم الاول الذي يصفها بالمادة المعجزة قبل ست سنوات، اخبر “اندبندنت” ان احدث التطورات تظهر كيف ان تسخير الخصائص الرائعة لـ”البيروفسكايت” قد افضى فعلاً الى تحول جذري في مصادر الطاقة المتجددة. وقال “لقد حققت حلماً”.بعد نحو 200 سنة من اكتشافها…مادة على وشك تغيير العالم

Scroll to Top