اخبار اليوم الصحيفة, الرافعي.. معجزة الادب اخبار اليوم الصحيفة, الرافعي.. معجزة الادب
خاض معارك ادبية ضد كبار الكتاب في عصره، مصطفى محمود العقاد وطه حسين واحمد شوقي وحافظ ابراهيم ولطفي السيد وسلامة موسى والمنفلوطي.
يعد رائد وسيد النثر الفني في القرن العشرين، واحد المدافعين عن الفصحى واعجاز القران الكريم.
كان ناقدا لاذعا حاد اللسان لا يعرف المداراة في معاركه مع خصومه، وكان فيه غيرة واعتداد بالنفس، وحرص على اللغة والحفاظ على الدين.
ينتمي مصطفى صادق الرافعي المولود عام 1880 في محافظة القليوبية وعاش حياته في طنطا، الى مدرسة المحافظين، وهي مدرسة شعرية تابعة للشعر الكلاسيكي ولقب بمعجزة الادب العربي.
تولى والده منصب القضاء الشرعي في كثير من اقاليم مصر، وكان اخر عمل له هو رئاسة محكمة طنطا الشرعية. اما والدة الرافعي فكانت سورية الاصل، وكان ابوها الشيخ الطوخي تاجرا تسير قوافله بالتجارة بين مصر والشام، واصله من حلب، وكانت اقامته في قرية بهتيم من قرى محافظة القليوبية.
دخل الرافعي المدرسة الابتدائية في دمنهور حيث كان والده قاضيا، ثم اصيب بمرض يقال انه التيفود اقعده عدة شهور في سريره وخرج من هذا المرض مصابا في اذنيه، واشتد به المرض حتى فقد سمعه نهائيا في الثلاثين من عمره.
لم يحصل الرافعي في تعليمه النظامي على اكثر من الشهادة الابتدائية، مثله مثل العقاد في تعليمه، فكلاهما لم يحصل على غير الشهادة الابتدائية.
نشا في محيط اسلامي وثقافة تقليدية فتعلم شيئا من الدين وحفظ اجزاء من القران.
عمل كاتبا ومقدرا ماليا لرسوم القضايا والعقود في عدة محاكم.
كتب الشعر لكنه لم يستمر طويلا في هذا الميدان بعد ان اصدر” ديوان الرافعي” في ثلاثة اجزاء، و”ديوان النظرات” عام 1908، ورغم انه استطاع ان يلفت الانظار، حيث بدا يقول الشعر ولما يبلغ العشرين من العمر، وصدر ديوانه الاول وهو في الثالثة والعشرين، الا انه في الواقع لم يكن يستطيع ان يتجاوز المكانة التي وصل اليها الشعراء الكبار في عصره، وخاصة احمد شوقي وحافظ ابراهيم.
من هنا انصرف عن الشعر الى الكتابة النثرية التي وجدها اطوع وبرع فيها.
وكان الرافعي هو من اطلق اول صرخة اعتراض على الشعر العربي التقليدي في الادب العربي، وكان يقول: “ان في الشعر العربي قيودا لا تتيح له ان ينظم بالشعر كل ما يريد ان يعبر به عن نفسه” وهذه القيود هي الوزن والقافية.
كانت وقفة الرافعي ضد قيود الشعر التقليدية اول وقفة عرفها الادب العربي في تاريخه واهمية هذه الوقفة انها كانت في حوالي عام 1910 وقبل ظهور معظم الدعوات الادبية الاخرى التي دعت الى تحرير الشعر العربي جزئيا او كليا من الوزن والقافية.
وبعد ان ولج ميدان النثر الشعري، اختار الخوض في ميدان جديد هو ميدان الدراسات الادبية، فكان كتابه الاهم والاكثر اثرا “تاريخ اداب العرب”، وهو كتاب بالغ القيمة، ولعله كان اول كتاب في موضوعه يظهر في العصر الحديث، فقد ظهر في عام 1911. ثم كتب بعد ذلك كتابه الشهير “تحت راية القران” ويرد فيه على اراء طه حسين في كتابه المثير “في الشعر الجاهلي”.
وظهرت ريادة الرافعي في ميدان ثالث الى جانب الشعر والدراسات الادبية، وهو مجال المقال حيث تجلت فيه عبقرية الرافعي ووصل فيه الى مكانته في الادب العربي المعاصر والقديم، وهو الفن الذي اخلص له الرافعي في الجزء الاخير من حياته وابدع فيه ابداعا لافتا، وهذه المقالات جمعها في كتابه “وحي القلم” في ثلاثة اجزاء. كما قدم العديد من المؤلفات الادبية والدينية ومن اشهرها “حديث القمر”، “اوراق الورد”، “اعجاز القران والبلاغة النبوية”، “وحي القلم” و”كتاب المساكين” وغيرها.
والف النشيد الوطني التونسي بعد اضافة بيتين للشاعر ابو القاسم الشابي وهو النشيد المعروف بحماة الحمى ومطلع القصيدة:
حماة الحمى يا حماة الحمى
هلموا لمجد الزمــن
لقد صرخت في عروقنا الدما
نموت ويحيا الوطن.
استيقظ الرافعي في يوم 10 ايار/ مايو من عام 1937 لصلاة الفجر، ثم جلس يتلو القران، فشعر بحرقة في معدته، وبعد تناول الدواء عاد الى مصلاه، ثم نهض وسار الى البهو فسقط على الارض، واسلم الروح عن عمر ناهز57 عاما، ودفن الى جوار ابويه في مقبرة العائلة في طنطا.
قال عنه خصمه عباس محمود العقاد بعد وفاته بثلاث سنين رغم ما بينهما من تباغض ادبي وتنافر مذهبي : “ان للرافعي اسلوبا جزلا، وان له من بلاغة الانشاء ما يسلكه في الطبقة الاولى من كتاب العربية المنشئين”. وقد شهدت حياتهما سجلا ومعارك ادبية بينهما حتى ان الرافعي الف كتابه “على السفود” يرد فيه على العقاد، نشرته مجلة العصور، ولم تذكر اسم مؤلفه ورمزت اليه بكلمة بـ” امام من ائمة الادب العربي”.
وخط شكيب ارسلان بقلمه مخاطبا الرافعي: “حضرة الاستاذ العبقري، نابغة الادبِ، وحجة العرب”، وقال عنه احمد محمد شاكر: “امام الكتاب في هذا العصر، وحجة العرب”.
تميز الرافعي، في كتابته بالقوة والصلابة وبثراء اللغة وكثرة المجازات والاستعارات، وفي ابتكار الاشتقاق من الافعال، والذهاب بها كل مذهب في فضاء البيان الرحب.
وربما لم يحظ مصطفى صادق الرافعي على ما يستحق من تقدير وامتنان لدوره الرائد في الادب العربي الحديث خصوصا الدراسات الادبية والنثر والمقالة التي يعتبر احد امرائها.الرافعي.. معجزة الادب وحجة العرب “تحت راية القران”