كم-مرة-هزمتنا-الخيانة-دون-قتال.-قصة-3-جواسيس-خدعوا-قادة-العرب

كم مرة هزمتنا الخيانة دون قتال.. قصة 3 جواسيس خدعوا قادة العرب

اخبار اليوم الصحيفة, كم مرة هزمتنا اخبار اليوم الصحيفة, كم مرة هزمتنا

تنفق اغلب الدّول مليارات من اجل جمع المعلومات عن الاعداء والمنافسين، والاستخبار عن احوالهم واسرارهم السياسيّة والعسكريّة، وتجنّد من اجل هذا مئات العملاء السريّين الذين قد يندسّون وراء خطوط العدوّ لمحاولة استطلاع اوضاعه والعودة بمعلومات ثمينة، قديمًا وحديثًا.
يكفي ان نعلم ان امريكا تخصّص 52 مليار دولار من ميزانيّتها سنويًّا لمجال الاستخبارات بمختلف فروعها التي تبلغ 16 فرعًا مختلفًا، وتحظى مؤسسة «سي اي ايه» باكبر حصّة من هذه الميزانيّة بقدر يبلغ 12 مليار دولار سنويًّا.
وكثيرًا ما اثارت عوالم الجاسوسيّة والعملاء السريّين اهتمام الكثيرين، وقد ساهم في زيادة هذا الاهتمام افلام سينمائيّة شهيرة كسلسلة «جيمس بوند» و«رافت الهجّان»، والواقع والتّاريخ يقولان ان دور الجاسوسيّة في الحروب والصّراعات مؤثر بقدر كبير، والعالم العربيّ ليس في معزل عن كل هذا، فقد كان مسرحًا لنشاط عدد من الجواسيس الذين استغلّوا العاطفة الدينيّة والوطنيّة للقيادات العربيّة من اجل الايقاع بهم ونَيْل مبتغاهم.
في هذا التقرير نتحدّث عن ثلاثة جواسيس استطاعوا الايقاع بالقادة العرب وجمع معلومات مهمّة منهم، او التقرّب منهم لغرض التاثير في دوائر صناعة القرار.
اشرف مروان.. الملاك الاخر الذي تمرّد
شهدت شقّة جميلة في العاصمة البريطانية لندن، في 27 يونيو (حزيران) من سنة 2007، سقوط احد ساكنيها من الطابق الخامس، ليخرّ ميّتًا على الارض، وتموت معه اسرار كبيرة عن حرب اكتوبر 1973 بين العرب واسرائيل، اشرف مروان، مُساعد الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر وصهره، ومدير مكتب الرئيس السابق انور السادات، واحد اكثر الشخصيات اثارة للجدل، بين من يتّهمه بالعمالة لاسرائيل ومن يرفض هذه الاتهامات جملة وتفصيلًا بالقول ان اشرف مروان كان «عميلًا مزدوجًا» من اجل تضليل الاسرائيليين بمعلومات مغلوطة.
ادّى خروج الكتاب الجديد المعنون بـ«الملاك» للمؤلّف وعضو جهاز الموساد الاسرائيلي «بار-جوزيف» الى تجدّد النقاش حول قضية اشرف مروان، الذي يزعم الكاتب انه مسؤول عن امداد اسرائيل بمعلومات شديدة الخطورة حول مخططات الجيش المصري واراء القيادة السياسية والعسكرية المصرية في الحرب مع اسرائيل.
تشير التقارير الاسرائيلية الى ان اشرف مروان اتّصل بالسفارة الاسرائيلية في انجلترا وامدّها بملفات تحوي معلومات حسّاسة متعلقة بالامن القومي المصري. وتضيف تقارير صحافيّة نقلًا عن كتاب «الملاك» ان اوّل لقاء جرى بين مروان وعميل للموساد كان في مقهى بجوار الفندق الذي اقام فيه مروان، وقد اعطى عميل الموساد ظرفًا به تقارير وملفّات بها اسرار عسكرية، ولم يطلب شيئًا مقابل هذا الظرف، لكنه نبّه عميل الموساد ان اللقاء القادم سيكون ثمنه 100 الف دولار.
لكن جهاز الموساد الاسرائيلي كان يخشى من احتماليّة ان يكون مروان «عميلًا مزدوجًا» فيعطيهم معلومات مغلوطة هدفها الايقاع بهم وتوجيه جهودهم في الاتجاه الخاطئ، لكن مروان كان يجيب بان خسارة حرب 1967 قد احزنته، وانه يريد ان يعمل مع الجانب الرابح. وتشير ذات التقارير ان مروان قد نبّه الاسرائيليين من الهجوم المصري لاستعادة سيناء، مرّة في ابريل (نيسان) 1973، وقد تمّ التجهّز لمثل هذا الهجوم من قبل اسرائيل لكنه لم يحدث، ومرة اخرى اعاد الكرّة في اكتوبر (تشرين الاوّل)، مما جعل القيادة الاسرائيلية تجري اجتماعًا عاجًلا على ضوء المعلومات التي سلّمها مروان، لتخرج بقرار نقل الجنود الاحتياطيين الى الجبهة في سيناء، وتقلّل بذلك من اثار الهجمة المصريّة.
وعن نوعية الاضافة التي قدّمها مروان للجانب الاسرائيلي ومدى خطورتها يقول احد ضبّاط الاستخبارات الاسرائيلية في الكتاب: «كانت معلومات عالية الجودة، من النوع الذي ترغب فيه وكالات الاستخبارات طوال حياتها، وقد لا ترى مثلها الا كل عدة اجيال».
«لقد خسرنا المصدر الاعظم في تاريخنا»، كانت هذه هي الكلمات التي قالها في التلفزيون الاسرائيلي تسفي زمير، احد اكبر الجنرالات الاسرائيليين اثر سماعه نبا وفاة اشرف مروان.
اكثر من 40 سنة على حرب اكتوبر 1973، واكثر من 10 سنوات على وفاة مروان، لكن النقاش حول هذه الشخصية الغامضة ودورها الحقيقي في اكثر المراحل خطورة من الصراع العربي الاسرائيلي يبقى متجدّدًا بعد كل هذه السنوات، ومع الاصرار الاسرائيلي على انه كان عميلًا لاسرائيل، وانها استفادت منه اشد استفادة، الا ان القيادة المصرية قد صرّحت بعد وفاة الرجل انه كان «وطنيًّا مخلصًا»، كما جاء في كلمة للرئيس المخلوع حسني مبارك.
الامير عبد القادر الجزائري.. عاطفة الدين توقع بالمجاهد الكبير
انت الان في الجزائر عقِب احتلال القوّات الفرنسيّة لمدينة (الجزائر العاصمة) واستيلائها بذلك على الحكم سنة 1830. بعد سبع سنوات من سقوط مدينة الجزائر، كان هنالك اسمان رئيسيّان التفّ حولهما الجزائريون ونظّموا خطوطهم القتاليّة تحت رايتهما من اجل مجابهة الاحتلال، اولهما رجل يدعى «الحاج احمد باي» المتحصّن في قسنطينة – الواقعة شرق الجزائر – والذي اذاق الجيوش الفرنسية طعم الهزيمة النكراء فيما عُرف بـ«الحملة الفرنسية الاولى على قسنطينة».
والثاني كان «الامير عبد القادر الجزائري» الذي تمحور نفوذه في غرب الجزائر وسيطر على مساحات واسعة كانت تحت سلطته باعتبارها حكومة موازية تفرض سيطرتها وقوانينها بعيدًا عن سطوة الاحتلال الفرنسيّ. وهو الشاب ذو الاربعة والعشرين ربيعًا الذي انطلقت مقاومته للاحتلال بعد مبايعته اميرًا من قبل اهالي الجزائر سنة 1832.
كانت 1937 هي السّنة التي وقّع فيها الامير عبد القادر مع الاحتلال الفرنسي معاهدة سلم عُرفت بـ«معاهدة التافنة» من اجل وقف الحرب لفترة مؤقّتة، وقد احتاج الطرفان لهذه المعاهدة بشدّة: فالاحتلال استغلّها من اجل التفرّغ لانهاء الامور العالقة مع الانتفاضة الشّرسة التي يقودها الحاج احمد باي في شرق البلاد، والّتي تكبّد جيوش الاحتلال خسائر كبيرة صارت تؤثّر سلبًا على الدّاخل الفرنسي، فيما احتاج الامير عبد القادر هذه المعاهدة لحلّ بعض المشاكل الداخليّة التي عانتها دولته من اضطرابات وفتن داخليّة، وللتزوّد بالمؤونة والسلاح من اجل الحرب القادمة لا محالة.
خلال هذه المعاهدة، استغلّ «ليون روش»، المترجم الرئيسي في الجيش الافريقي الفرنسيّ، الشاب المتقارب في العُمر مع الامير؛ استغلّ فرصة الهدنة من اجل التقرّب الى معسكر الامير عبد القادر بحجّة الدخول في الاسلام وتغيير المعسكر والعمل تحت لواء المسلمين، فوضع خدماته رهن اشارة الامير عبد القادر، وقد ساعده على ذلك اتقانه الجيّد للّغة العربيّة واشتغاله في الترجمة لعدّة سنوات، بالاضافة الى حسّه المغامر وذكائه اللّامع.
استغلّ «روش» عاطفة الجزائريين الدّينية وادّعى انّ حياته مهدّدة بعد ارتداده عن المسيحيّة وانضمامه لصفوف المسلمين، وقد اقنع بذلك عدّة شخصيات، فرحّبوا به واستقبلوه استقبال «الاخ حديث العهد بالاسلام» الذي يطلب العون من اخوانه المسلمين. بعد عدّة اتصالات استطاع «روش» ان يرتِّب موعدًا مع الامير، فتهيّا لملاقاته بتعلّم شيء من الصلاة واحكام الدين، وقد جرى تعريفه بالامير على انه فرنسيّ اعتنق الاسلام ويريد خدمة الامير.
بدا «ليون روش» ينقل من داخل معسكر الامير احوال الدولة الاقتصاديّة والعسكريّة والاجتماعيّة ويبعثها في رسائل الى الفرنسيين، كما اعطى تفاصيل دقيقة في رسائله عن صفات الامير الخَلقيّة والخُلُقيّة وابرز للفرنسيين التقدير الكبير الذي يحظى به في نفوس اتباعه بسبب اتّباعه لتعاليم الدين الاسلاميّ. وقد افلت «روش» من الاعدام واكتشاف امره باعجوبة وبفضل دهائه، اذ اقنع عاملي الامير انه مسلم ولا يجوز قتله الاّ بامر من السلطان نفسه (الامير)، وقد بلغ به تقمّص الدور واظهار التقوى والورع الى درجة خداع الجميع لمدّة سنتين كاملتين، واستطاع ان يصبح «كاتب الامير» الذي يكتب رسائله ومخطوطاته. ترك روش معسكر الامير بعد انقضاء الهدنة مع الفرنسيين، لكنه واصل نهج الجاسوسيّة لصالح الجيش في كل من المغرب واليابان بعد ذلك.
ولروش كتاب يحكي فيه بعضًا من مذكراته، بعنوان: اثنتان وثلاثون سنة في رحاب الاسلام: مذكرات ليون روش عن رحلته الى الحجاز
اسرائيلي يُوقع بِقادة سوريا: من تجارة ربطات العنق.. الى عنُق حولها مشنقة
ان يحاول العملاء السريّون التجسّس على القيادات العليا في الدولة؛ فهذه وظيفتهم في كل انحاء العالم، لكن ان تصل علاقاتهم ونفوذهم الى حدّ مصاحبة رئيس الجمهوريّة، ومرافقته واخذ الصّور التذكاريّة معه وحضور المناورات العسكريّة السريّة؛ فان هذا دليل على حجم اختراق صادم، وفشل مخابراتيّ ذريع، وخديعة كبرى وقعت فيها القيادة السوريّة في ستينيات القرن الماضي.
في احد احياء مدينة الاسكندريّة بمصر، وُلد لعائلة يهوديّة الطفل «ايلي كوهين» الذي سيكون عنوان احدى اكبر العمليّات الجاسوسيّة الاسرائيليّة في العالم العربيّ. بعد شبابه في مصر وقراره الالتحاق بالحركة الصهيونيّة والعمل لصالحها في السرّ، غادر «كوهين» مسقط راسه الى ايطاليا ومن هناك الى اسرائيل حيث تبنّاه الاسرائيليّون، ودرّبوه على اتقان اللهجة السوريّة وتعاليم الاسلام، حتى يبدو شخصيّة سوريّة لا تكشفها الابصار والاسماع.
ومن اسرائيل سافر الى الارجنتين وقد صُنعت له اوراق ثبوتيّة سوريّة، وتظاهر بانّه تاجر يعمل في مجال الاستيراد والتصدير، ممّا اتاح له الاندماج في اوساط العرب هناك، وسرعان ما بنى علاقات متشابكة مع عدّة شخصيات عربيّة معتبرة من مسؤولين وسفراء، وتقول مصادر انّ مدخله الى الملعب السوري كان عن طريق تعرّفه على الملحق العسكري في الارجنتين العقيد امين حافظ، الذي سيصير فيما بعد بفضل سلسلة الانقلابات التي حدثت في سوريّة في الخمسينيات والستينيات؛ رئيسًا للجمهورية في سنة 1963.
في سنة 1961 قرّر «كامل امين ثابت»، الاسم المستعار لـ«كوهين» انهاء تجارته في امريكا اللاتينيّة والعودة الى سوريا «بدوافع وطنيّة»، وبفضل علاقاته التي بناها في الارجنتين مع كبار المسؤولين استطاع تسويق صورته بوصفه رجل الاعمال الوطنيّ الناجح الذي يملك علاقات مع القيادة العليا في الدولة، مما فتح له عدّة ابواب لممارسة نشاطاته التجسسيّة لصالح الموساد الاسرائيلي، وصلت الى حدّ حضور تدريبات ومناورات للجيش السّوري في اراضي «الجولان» شديدة الخطورة. يُستضاف كوهين في الاذاعات السوريّة بصفته انموذجًا للرجل العربي الناجح الذي عاد من الاغتراب ليساهم في بناء الوطن، دون ان تنكشف نواياه المبطنة.
جدير بالذكر ان رئيس الجمهوريّة السوريّة السابق امين الحافظ الذي يُشاع ارتباطه بـ«كوهين» وتسهيله الدخول الى سوريّة حين كان ملحقًا عسكريًّا في الارجنتين في نفس الفترة التي نشط فيها «كوهين» في نفس البلد؛ قد هوّن من حجم المعلومات التي حصل عليها وقال في برنامج «شاهد على العصر» في قناة الجزيرة ان القضية جرى فيها تهويل كبير من اجل النيل من سمعة امين الحافظ واستخدامها وسيلة لتحقيق اغراض سياسيّة، وحسب كلامه فانه «لم ير كوهين ولم يقابله في حياته».
صحيح ان الكثير ممّا احيط بـ«كوهين» لا يخلو من المبالغات، خصوصًا الاشاعات التي تقول انه كان عضوًا في القيادة القُطرية لحزب البعث السوريّ الحاكم او تلك التي تزعم انّه شارف على الوصول الى منصب رئاسة الجمهوريّة، فلا يُعقل ان يقترب من هذا المنصب الذي تعرّض لانقلابات متكرّرة: رجلٌ مجهول لم يُعرف اسمه الا قبل سنوات معدودة.
لكن هذا لا ينفي عن «كوهين» تحقيقه لاختراقٍ كبير في النظام الحاكم والجيش السوريّ، متمثّلًا في علاقاته مع رؤوس النظام وزياراته للجبهة السوريّة مع اسرائيل بصحبة قادة كبار في الدولة، وتسريبه لاخبار حسّاسة لجهاز الاستخبارات الاسرائيليّ تتعلّق بالشؤون العليا للدولة السوريّة كما اكّد وزير الاعلام السوريّ الاسبق محمّد الزعبي.
يقول الكاتب «محمّد حسنين هيكل» القريب من دوائر الحكم المصريّة: انّ الفضل يعود الى جهاز المخابرات المصريّة في كشف هذا الجاسوس الاسرائيليّ، فبينما كان الجهاز يدرس الصّور القادمة من سوريّة لاحظ ضبّاط الجهاز وجود شخصيّة غير معروفة في صورة لمناورات الجيش السوريّ، وبعد تدقيق وبحث وجد الجهاز انّ هذه الشخصيّة هي للجاسوس الذي اعتُقل في مصر عدّة مرّات، وقد تمّ ابلاغ الطرف السوريّ بهذه المعلومات لتجري محاكمته واعدامه شنقًا في ميدان عام.
وقد نفى الرئيس السوري السابق امين الحافظ «جملةً وتفصيلًا» حسب تعبيره، رواية «هيكل» التي حكاها عن ملابسات قضيّة «كوهين».
بالنسبة لاسرائيل فان «ايلي كوهين» بطل وطنيّ يستحق الاحترام والتقدير، وقد بالغت في تمجيد سيرته ونسب البطولات له، واستماتت في محاولة جلب جثمانه بعد اعدامه، وقد اقترحت على السوريين مبادلة جثمانه بالاف الاسرى السوريّين حسب شهادة الزعبيّ، كما اصدرت اسرائيل طابعًا بريديًّا يحمل صورته تخليدًا لـ«تضحياته» من اجل الحركة الصهيونيّة.
وقد عادت قصّة هذا الجاسوس لتصنع الحدث مرّة اخرى قبل اشهر قليلة حين ذكرت وسائل اعلام بذل الحكومة الاسرائيليّة جهودًا لاسترجاع رفات «كوهين»، وقد انتشر مؤخّرًا فيديو لاعدام الجاسوس سنة 1965.
فيديو اعدام «ايلي كوهين»:
لعلّ «كوهين»، المولود في مصر، الذي انتهى به المطاف لخدمة عدوّ مصر الاوّل – انذاك على الاقل – وهو يستعدّ لحكم الاعدام الذي سيطبّق في حقّه فجر اليوم التّالي، وشريط حياته يمرّ امام عينيه، قد تذكّر ربطات العنق التي كان يبيعها والده في صغره، والسّخرية التي خبّاتها الايّام بان تكون نهايته من خلال ربطة تُشدّ على عنقه؛ ليس للزّينة هذه المرّة، ولكن لانهاء حياته.كم مرة هزمتنا الخيانة دون قتال.. قصة 3 جواسيس خدعوا قادة العرب

Scroll to Top