اخبار اليوم الصحيفة, عباقرة الاسلام المجهولون.. اخبار اليوم الصحيفة, عباقرة الاسلام المجهولون..
لا شك ان العلوم لا تتطور وتتقدم دفعة واحدة في اُمّةٍ بعينها، او تظهر من لا شيء؛ بل تاخذ ممن سبقها من افكار واكتشافات، وتعمل على تطوير ميراثها وتتبناه، وهذا ما فعله العرب والمسلمون في فترات كانت مناطق اخرى من العالم تتخبّط في معضلات ثقافية ودينية واخلاقية تبعدها عن هذا الدور الانساني، وتحديدًا بداية من القرن الثالث للهجرة والتاسع للميلاد بدا العلماء العرب والمسلمون في ادراك نتائج مهمة واكتشافات كبيرة اثرت الحياة العلمية بعدهم؛ بل وكانت اسهامات العرب في بعض المجالات هي الاصيلة التي اخذ منها باقي العالم في ما بعد المبادئ الاساسية لتطوير ابحاثهم.
وربما يطرا الى الاذهان بعض الاسماء الشهيرة في مجالات العلوم مثل: ابن سينا، والزهراوي، والبيروني والرازي وغيرهم من اعلام العصور الذهبية للاسلام، ولكن التاريخ العربي والاسلامي في الحقيقة امتلا بالعديد من الاسماء المهمة من اعلام العلماء المسلمين الذين ربما لم تسمع باسمائهم ان لم تكن من المهتمين بالتدقيق في التاريخ او العلوم، وربما لم تجد تلك الاسماء المنصات الاعلامية التي تحتفي بهم رغم اعتراف الكثير من الثقافات الاخرى بانجازاتهم واسهاماتهم في مجالات عدة.
1- ابن يونس المصري.. «ناسا» تخلّد اسمه!
ابو الحسن علي بن ابي سعيد عبد الرحمن بن احمد بن يونس المصري، واحد من اعظم الفلكيين العرب، وقد وُلد في مصر سنة 342 هجرية الموافقة لسنة 950 ميلادية، وكان من اعلام الدولة الفاطمية في الفلك، فقد رعاه الخليفة الفاطمي العزيز بالله الذي اقام له مرصدًا فلكيًّا في منطقة جبل المقطّم، ووفّر له ما يبتغي من ادوات وتجهيزات لتساعده في مهامه وابحاثه، واستمر في ابحاثه بعد وفاة الخليفة العزيز بالله وتولّي الحكم ابنه الحاكم بامر الله.
ومن اهم انجازات ابن يونس كان كتابه الابرز في علوم الفلك المسمى «الزيج الحاكمي»، والذي اشتق اسمه من الفارسية، وتعني «الجدول»، والذي رصد فيه الاحداث الفلكية المهمة في عصره، ورصد فيه كُسوفيْن للشمس في العامين 977 و978 ميلادي بدقة عالية.
منطقة ابن يونس على القمر
كما انّه رصد خسوفًا للقمر في الفترة نفسها، وسجّله في جداوله الفلكية. ويُنسب لابن يونس احد اهم الاختراعات البشرية، الا وهو بندول الساعة (pendulum clock)، بعكس شيوع نسب الاختراع الى الايطالي جاليليو، الامر الذي تحقّق منه ونفاه الباحث الامريكي «ديفيد كينج» المتخصص في تاريخ العلوم الاسلامية في القرون الوسطى، في بحث مطوّل لم يحاول مطلقًا من خلاله التقليل من انجازات الفلكي المصري الكبير، والذي لا يعرف الكثيرون انّ وكالة الفضاء الامريكية ناسا اطلقت اسمه على احدى المناطق الصخرية في الجزء غير المرئي من القمر، بجوار اعلام عربية اخرى مثل ابن بطوطة وابن رشد.
2- البوزجاني.. عبقرية اضاءت الغرب
محمد بن محمد بن يحيى بن اسماعيل بن العباس البوزجاني هو رياضي وفلكي مسلم، مولود في بلدة تدعى بوزجان تقع ما بين بلدتي هراة ونيسابور في خراسان عام 328 من الهجرة الموافق 940 ميلادي. انتقل الى بغداد في العشرين من عمره واستقر بها، ودرس حركة القمر، واهتم بما نُقل من علوم الرياضيات والهندسة، واشتهر في اوساط بغداد العلمية بشروحات اقليدس والخوارزمي.
قضى البوزجاني حياته في التاليف والرصد والتدريس، وانتُخب وقتها ليكون احد اعضاء المرصد الفلكي الذي انشاه شرف الدولة البويهي في سراية عام 377هـ، ونقل الكثير من علماء الغرب اعماله ونظرياته في الرياضيات وحركة القمر. البوزجاني هو صاحب المعادلة المثلثية التي توضح مواقع القمر، والتي سماها «معادلة السرعة»، كما انّه صاحب نظرية «قانون الجيوب» للمثلثات الكروية في علم حساب المثلثات.
ابو الوفاء البوزجاني
من اشهر اعماله كتابه «زيج الواضح» في الفلك، و«الكامل»، وهو عبارة عن مقالات عن حركة الكواكب، وكتاب «عمل المسطرة والبركار والكونيا»، و«كتاب فيما يحتاج اليه الصانع من الاعمال الهندسية»، والذي تم ترجمته الى اللغات الاوروبية باعتباره اهم المراجع العلمية في القرون الوسطى.
3- ابن ماسويه.. طبيبٌ لم يقرا حرفًا
ابو زكريا يحيى بن ماسويه، او في اقوال اخرى يوحنا بن ماسويه مولود عام 777 ميلادي تقريبًا، هو طبيب وصيدليّ وعالم عربي مسيحي من اصول سريانية نسطورية لابيه، ورث المعرفة بالادوية والطب من ابيه الذي عمل صيدلانيًّا في مارستان «جنديسابور» بخوزستان -ايران حاليًا- وقدم الى بغداد وعمل في مهنة صناعة الادوية، وقيل عنه بحسب كتاب موسوعة علماء العرب للدكتور يوسف فرحات:
«اشتغلَ في الكحالة -اي الادوية – وقدم الى الرشيد الهارون فخدمه، وقال عنه ابن ابي اصيبعة انه لا يقرا حرفًا واحدًا باي لسان من الالسنة، الاَّ انه عرف الامراض وعلاجها ببراعة، وصار بصيرًا بانتقاء الادوية، وكان له خبرة فريدة في علاج العيون، واتّصل بكبار العلماء والمترجمين في عصره مثل جبريل بن بختيشوع، وعيسى بن الحكم، وزكريا الطيفوري في مساجلات ومناظرات كبرى».
ومن اشهر اعماله «كتاب الازمان» -المحفوظ حاليًا في دار الوثائق بمصر- الذي يتناول علم التقويم الاسلامي، وكتاب النوادر الطبية، وكتاب مهم في الجُذام، وكتاب التشريح في الطب.
4- الاصطخري.. رائد الخرائط
ابو اسحاق ابراهيم بن محمد الفارسي الاصطخري، والمعروف ايضًا بالكرخي، المولود في بلدة اصطخر بفارس -ايران حاليًا- رحالة وعالم جغرافيا مرموق ولد عام 346هـ، وارتحل الى بلدان عدة، وبحسب موسوعة العلماء العرب للدكتور يوسف فرحات:
«عني باخبار البلاد، وخرج يطوف المناطق حتى وصل الى الهند، ثم سواحل المحيط الاطلسي، وفي رحلاته لقي نفرًا من العلماء في الحقول المختلفة، ولم تكن مصادر علم البلاد (الجغرافيا) موفورة في عصره؛ فكان بذلك اول جغرافي صنّف اعمالًا في هذا الباب، واستعان فيه بكتاب صور الاقاليم لابي زيد البلخي، واخرج لنا كتابه الاشهر مسالك الممالك».
الكتاب الذي ترجم الى عدة لغات وكان بمثابة مصدر مهم في عالم الجغرافيا، وقُسم الى 20 فصلًا بداها بديار العرب، ثم بحر فارس، ثم ديار المغرب، وديار مصر وارض الشام، وانتهى بفصل ما وراء النهر، واحتوت اعماله على اهم الخرائط الجغرافية للعالم في القرون الوسطى.
5- الخازن.. البراعة في عِلم الحِيل
عبد الرحمن ابو جعفر الخازن او «الخازني»، عاش في مرو بخراسان في النصف الاول من القرن السابع الهجري، ومن اهم اعماله كتاب «ميزان الحكمة»، ويعتبر بمثابة الكتاب الاول في العلوم الطبيعية، وبصفة خاصة مادة «الهيدروستاتيكا»، وقد ترجمت عدة فصول من الكتاب، ونشرت في المجلة الشرقية الامريكية، وقد حقق الكتاب «فؤاد جمعان»، ونشره بعدها مُنقحًا.
وكان من الباحثين المبتكرين، اشتغل بالفيزياء والميكانيكا، او ما اسماه العرب «علم الحِيَل»، كما حسب جداول فلكية عُرفت باسم «الزيج المعتبر السيخاري» في علوم الفلك، وعمل على جدول قياسات السطوح المائلة والصاعدة، ومن اهم الموضوعات التي تناولها الخازن موضوع «كتلة الهواء»، وابحاث الجاذبية.
وبحث في قانون الطفو، وفي الكثافة وطريقة تعيينها للاجسام الصلبة والسائلة، واخترع الخازن ميزانًا خاصًا لوزن الاجسام في الهواء وفي الماء. وعلى ذلك يعتبر الخازن الممهّد الاول لطريق قياس الضغط ودرجة الحرارة.
6- ابن ابي اصيبعة.. اخلاقيات الطب وتاريخه
مُوفق الدين ابو العباس احمد بن القاسم بن خليفة الخزرجي، والمعروف باسم ابن ابي اُصيبعة، هو واحد من العلماء الاجلاء في مجال الطب، وكان اديبًا بارعًا، ولد في دمشق بسوريا 595 هجرية في بيئة علمية ودراسية، فقد كان ابوه اكبر اطباء العيون وقتها، واشتهر افراد عائلته بعلاقات طيبة وسمعة جيدة بين الملوك والحكام في سوريا ومصر، ودرس ابو العباس الطب في مصر ايضًا، وبرع في علومه.
ويُذكر له تحلّيه ونصحه ببعض الصفات الاخلاقية المهنية الجليلة، مثل احترام الخصوصية الكامل، والذكاء، والمعايير الاخلاقية الشخصية السليمة، ومن اهم اعمال ابن ابي اصيبعة كتاب «عيون الانباء في طبقات الاطباء» الذي يتناول تاريخ الطب، وكيفية ترتيب علومه، وذكر فيه مراجع يونانية وهندية كثيرة، وكتاب «التجارب والفوائد»، وكتاب «اصابات المنجمين».عباقرة الاسلام المجهولون.. 6 علماء مسلمين قدماء لم تسمع بهم على الارجح