اخبار اليوم الصحيفة, 7 لوحات مليئة اخبار اليوم الصحيفة, 7 لوحات مليئة
قطعُ اثاث بالية، على ارضيّة ملاتها الشروخ، في بيت اكل عليه الدهر وشرب، تسكنه اسرة شديدة الفقر، لكنها تنعم بقسط وافر من الطمانينة وراحة البال في ان. فلا تكاد تُشكّل حياتهم الفقيرة عائقا امام مباهجهم البسيطة وسعادتهم الشخصية.
الجدة جلست القُرفصاء ومدت ذراعيها للامام لتستقبل حفيدها الذي يكاد يخطو خطوته الاولى بمعاونة من امه التي تقبض على يديه الا يقع. فيما يلعب بقية الاحفاد، في يوم مشمس، بمرح امام الدار التي تطل على براح لا يحده بصر.
هذا ما برع فيه الرسّام الايطالي يوجينيو زامبيجي (1859 – 1944). والذي كان يعكف بنهم ولساعات طوال على رسم لوحاته التي غالبا كانت تدور حول الحياة الريفيّة لاسر شديدة الفقر لكن تعيش في سعادة غامرة. فقد نجد بضع افراد يتناولون الطعام على طاولة عادية، او يقومون بانشطة ترفيهية بسيطة، وربما كانوا ايضا مزارعين يفلحون الارض او يحصدون الثمر بطريقة اعتيادية.[1]
هم في النهاية اناس عاديون تحكي حياتهم الروتينية العادية عشرات القصص عن مدى جمال الحياة البسيطة. جمال لا يضاهيه شيء رغم بساطته، جمال ان تكون الحياة سلسة ومريحة، تغمرها نشوة الطمانينة، ومذاق الامان، ورائحة الالفة.
في لوحته “الخطوة الاولى” (The First Step)، يضع زامبيجي المشاهد امام مشهد واقعي لاسرة من الريف الايطالي تعيش في فقر مدقع. ومع ذلك، عند التدقيق في اللوحة نجد ان تلك الاسرة، رغم بساطة بيتهم، يعيشون في راحة بال واضحة لا تنكرها عين الرائي.
حتّى لا يكون الواقع فخا مُحزنا
يُحكى انّ رسّاما نمساويا يُدعى ادولف هامبورغ (1847 – 1921) طُلب مِنه ان يرسم لوحة واقعية عن الاحساس بالعون والامان، وهو الذي كان متخصصا في رسم مشاهد الرهبان والرهبنة، لم يصُل ويجُل للخروج بفكرة غريبة او شاذة،[2] فقد رسم مشهدا بسيطا جدا لجدة تخيط ثياب حفيدها وهو يرتديها ممدا على بطنه تحت يديها. اللوحة التي اتت بعنوان “الجدة هي الافضل” (Grandmother Is The Best)، كانت تصويرا واقعيا لاسرة ريفية فقيرة تعيش في منزل خشبي بسيط ترتدي ثيابا رثّة لكن يفوح من بيتهم البسيط رائحة الامان.
سُعداء بثيابهم الرثّة واثاثهم البالي. يبتسم الصغير في اللوحة للرائي وكانه حاز الدنيا وما فيها بوجود جدته، فيما تقف طفلةٌ اخرى امامهم تمسك بدمية صغيرة وراء ظهرها وتنتظر انّ تنتهي جدتها من ترقيع الثياب ليعودوا للعب.
ومنذ اكثر من مئة عام، فوق ضفاف نهر السين في فرنسا، دُهشَ رسّام اميركي اسمه دانيال ريدجواي نايت، 1839 – 1924، لجمال النساء العاملات في حقول الكروم والعنب والحدائق المحيطة بوادي السين البديع.[3]
وقد قرر نايت بعد ذلك ان يرسم عددا ضخما من اللوحات عن فلاحين نهر السين الكادحين في عملهم، وقد اتت لوحات تلك المجموعة مليئة بالزهور المُنتشرة حول الفلاحين في براح الحقول مُظهرا اهتماما حادا بالتفاصيل.[4]
ففي لوحته “فطور شهرِ العسل” (Honeymoon breakfast)، نرى زوجين يعملان في الحقل في شهر العسل. المراة والتي تفرش الفطور لزوجها، بثياب قديمة، من سلة خشبيّة لا تُبدي اي امتعاض ازاء عملها في شهر العسل. بالعكس، نظرة عيون الزوجين في اللوحة تنضح بالحب والحميميّة. كلّ شيء، رغم فقرهم، بسيط ومطمئن.
وتروي الناقدة الفنية مارثا كاتنيو في تقريرها عن الرسّام الايطالي جوزيبي ماجني، 1869 – 1956، ان هناك سحرا غير عادي في مشاهد الحياة اليومية للفلاحين، والتي قدمها ماجني في عدة لوحات تناولت الامومة الريفية، والترابط العائلي بوجه عام، هذا الجو الدافئ للتجمعات الاسرية المرسوم بحيوية لونية تميزه ياخذ الانفاس.[5]
نرى في لوحة ماجني “الرقصة الاولى” (The First Dance) ارواحا ساطعة لا يُعجزها الفقر عن المرح. فالجد الذي جلس على باب المنزل يعزف الاكورديون لعائلته يبتسم فيما يرقص اصغر افراد الاسرة رقصته الاولى مع اخته الاكبر سنا.
نرى ايضا في اللوحة ان الاسرة تعيش في بيت ريفي قديم بسيط وفقير لكنه سعيد، فجميع افراد الاسرة مستمتعون بالعزف، حتى ان الام تصفق لصغارها. قلوب غنيّة في بيت بسيط وعلى عرشِ الامان تربَّع.
وقد كان الرسّام الالماني كارل فون بيرجن (1853 – 1933)، والمعروف بحبه الشديد للاطفال، يرى ان ابتسامة طفل هي افضل ما يستطيع الرسام تصويره، وان كدح الامهات في اسعاد اطفالهن لهو اهم مشهد يمكن ان تقدمه لوحة بحق.[6]
وفي لوحته “البيت السعيد” (Happy Home)، نرى ان بيرجن لا يقدم بيتا من الاساس، بل ام مبتسمة تعبر النهر وهي تجر عربة قش جلس فوقها اولادها يكركرون. المشهد كله ريفي وتبدو منه بساطة الاسرة وسعادتها وهم عائدون من الحقل قُبيل غروب الشمس.
في لوحة البيت نحن لا نرى البيت بل نشعر به، ونستطيع ان نتخيل كم ان منزلهم مليء بالسعادة والفرح، وان بيتهم السعيد هذا لا يحتاج الى ان يكون ثريا او ارستقراطيا. يكفي ان هناك امًّا تُغدق الحب على ابنائها ليشعروا بالسعادة مهما كانت الحياة بسيطة ماديا.
كذلك نرى في لوحة الرسّام الايطالي جيوفاني باتيستا توريجليا (1858 – 1937) التصوير الرائع نفسه لمشاهد اسر الفلاحين في ايطاليا، مع التركيز على التفاصيل الدقيقة والحركات الحيوية الواضحة في شخصياته، وهو ما يجعل اللوحات قابلة للتصديق جدا.[7]
ففي لوحة “العاب عائلية” (Family Games)، نرى مشهدا داخليا لكوخ عائلة من الفلاحين يمرحون معا في اجواء بسيطة ومريحة يملؤها الفرح. وكعادة توريجليا، ترنو اللوحة الى دفع المشاهد للاستمتاع باكثر المواقف اصالة وبراءة في عالم القرية الصغير.
كذلك فقد كان الرسام الايطالي يوجين دي بلاس 1843 – 1932، وهو الارستقراطي الذي عاش في البندقية، دائما ما يصور السعادة في لوحات لاناس عاديين من البندقية بملابس قديمة، يكدحون في سبيل قوت يومهم، ومع ذلك فان حياتهم حافلة بالمواقف المفرحة.[8]
وبالرغم من سيطرة العنصر النسائي على لوحات دي بلاس، فان مجمل لوحاته تعطي انطباعا ان السعادة تكمن في احداث الحياة العادية بتفاصيلها البسيطة التي لا يثقلها التكلف. ونرى في لوحة “دردشة” (Chatting)، 1905، اربع نساء يدردشن مع فتى في مكان بسيط ويرتدين ملابس بسيطة، ويرتدين ايضا ابتسامات ساطعة. وفيما يعملن لكسب قوتهن لا يخلو الجو من المزاح والضحك.
الشاهد، اذا كان الواقع فخا مُحزنا ربما وجد الانسان السلوى في الحياة الريفية. فان يعود كل افراد الاسرة للبيت فيجدون الماوى والالفة والطمانينة مهما كان البيت بسيطا او فقيرا لهو اطيب العيش، وما اجمل ان يسقط الانسان في اخر يومه بين ذراعي اهله واقاربه واصدقائه ليغرق في احاديث السمر بين حوائط الاكواخ الخشبية الصغيرة، وان يستيقظ ليركض الى المزارع الخضراء التي تفوح برائحة النباتات والزهور التي يتخللها خرير الماء وصوت العصافير.7 لوحات مليئة بالجمال تستعرض روعة الحياة البسيطة