اخبار اليوم الصحيفة, ستحذف حسابك بفيسبوك؟ اخبار اليوم الصحيفة, ستحذف حسابك بفيسبوك؟
مقدمة المترجم
بعد تصاعد موجة الجدل العالمي بشان دور موقع فيسبوك في اقتحام خصوصية ملايين المستخدمين لتحقيق مصالح تجارية وسياسية، قد يُفكر الكثيرون في الاقلاع عن استخدامه، الا ان ذلك لن يكون بالامر الهين. مؤخرًا زادت قائمة الادمان كثيرًا، ففي السابق كانت تتضمن المخدرات والمنبهات، لكن، يمكننا الان ان نضيف لها ادمان الانترنت، وتحديدًا ادمان الفيسبوك، والذي يستقطع اوقاتا طويلة من حياتنا، ولا يمكننا التخلص منه دون مشاكل واعراض انسحابية كالقلق والرغبة في العودة اليه مرة اخرى.
يتناول مجموعة من الباحثين المتخصصين في تاثير وسائل الاعلام، من جامعة ولاية بنسلفانيا، يتراسهم شيّام سوندار، استاذ الاتصال الجماعي، البحث عن الاسباب التي يعزو اليها ادمان الفيسبوك
نص المقال
ها نحن ذا مجددًا. قصة اخرى مثيرة للجدل حول فيسبوك، اذ ينتهك مرة اخرى شعورنا بالخصوصية والامان من خلال السماح للاخرين بالحصول على معلوماتنا الشخصية. ومن المؤكد ان السيل قد بلغ الزبى، مما دفع بعض الاشخاص الى التفكير في الاقلاع عن استخدام الفيسبوك تمامًا، غير ان الفيسبوك المُتربع على عرش مواقع التواصل الاجتماعي، سيتصالح
مع معظم مستخدميه البالغ عددهم اكثر من 2 مليار مُستخدم. وستعود الغالبية العظمى منهم الى الفيسبوك، مثلما فعلوا اخر مرة ومرات كثيرة قبل ذلك. كما هو الحال في جميع العلاقات التي تنطوي على الاساءة، يعاني المستخدمين من الاعتماد النفسي الذي من شانه ان يبقي على ادمانهم. على الرغم من معرفتهم انه، يضرهم الى حد ما.
اظهرت عقود من الابحاث ان علاقتنا مع جميع وسائل الاعلام، سواء كانت الافلام او التلفزيون او الراديو، هي علاقة تكافلية، يستفيد منها كلا الطرفين: فالناس يحبونها بسبب الاشباع الذي يحصلون عليه عند استخدامها – بالاضافة الى حصولهم على فوائد اخرى مثل الهروب من مشاغل الحياة اليومية والاسترخاء والرفقة وعدم الشعور بالوحدة. وكلما زاد عدد الاشخاص الذين يستخدمونها، زاد شعورهم بالرضا الذي يسعون اليه ويرغبون في الحصول عليه.
ومع استخدام وسائط الاعلام الالكترونية على شبكة الانترنت، يمنح استخدام المستهلك لشركات وسائط الاعلام، بيانات تُمكنهم من تقديم ما يشعره بالرضا تمامًا، اذ يتعمقون في فهم وتحليل انماطه السلوكية لتصميم لها تجربة تصفح للانترنت على مقاسها وتلبي احتياجاتها النفسية المتفردة.
الى جانب تقديم محتوى شيق يمكن للمستهلكين استخدامه، تقدم لنا مواقع فيسبوك، وتويتر، وغوغل – بل كل وسائل الاعلام التفاعلية – امكانيات جديدة للتفاعل عبر منصاتها، والتي من شانها ان تلبي بعضًا من رغباتنا البشرية الفطرية.
تُقدم الادوات التفاعلية على الفيسبوك طرقًا مبسطة لاثارة فضولك، وبث افكارك، والترويج لصورتك، والحفاظ على العلاقات، واشباع التوق الى نيل استحسان الاخرين. وتستفيد وسائل التواصل الاجتماعي من السمات والاتجاهات النفسية الشائعة لكي تبقيك اسيرًا بين طياتها – والثقة بهم، ثقة تدفعك الى كشف المزيد عن نفسك. وربما تتساءل بصفتك مستخدم دائم لشبكات التواصل الاجتماعي عن السبب صعوبة التوقف عن استخدامها مرة واحدة والى الابد.
نستعرض فيما يلي اهم تلك الاسباب
يُنشط صداقاتك
كلما نقرت اكثر، زادت قوة العلاقات والصدقات التي تكونها عبر شبكة الانترنت. تُعد بعض الخصائص مثل ابداء الاعجاب من خلال الضغط على زر”اعجبني”، والتعليق على صور الاصدقاء، وارسال امنيات عيد الميلاد، ووسم الاخرين عن طريق الاشارة لهم في المنشورات، هي بعض الطرق التي يسمح لك الفيسبوك من خلالها بالانخراط في “التظاهر والتلميع الاجتماعي”. جميع وسائل التواصل البسيطة والسريعة تلك، تساعد المستخدمين على اقامة العلاقات مع اعداد كبيرة من الناس والحفاظ عليها بسهولة نسبية.
تشكيل الصورة التي تود اظهارها للاخرين
كلما كشفت المزيد عن حياتك، زادت فرصك في تسويق نفسك بنجاح. فقد اظهرت الدراسات ان التسويق المحكم للذات هو من اهم الميزات الاساسية لاستخدام الفيسبوك. اذ يقوم المستخدمون بتشكيل هويتهم على شبكة الانترنت من خلال مشاركة الحفلة الموسيقية التي ذهبوا اليها ومع منّ ذهبوا، والقضايا التي يدعمونها، والمسيرات التي يحضرونها وهكذا. وبهذه الطريقة، يُمكنك تشكيل شخصيتك على الانترنت، والتحكم في انطباعات الاخرين عنك، وهو امر من المستحيل القيام به في الحياة الواقعية بهذا الشكل وبهذه الدقة. اذ يمكنك عبر شبكة الانترنت، اظهار الصورة المثالية عن نفسك طوال الوقت.
التلصص من خلال نافذة مفتوحة
كلما نقرت اكثر، تمكنت من مراقبة الاخرين. هذا النوع من البحث والرقابة الاجتماعية هي من اهم بواعث الرضا التي يُمكن الحصول عليها من خلال استخدام الفيسبوك. معظم الناس يسعدهم النظر الى حياة الاخرين على وسائل التواصل الاجتماعي، في كثير من الاحيان خلسة. اذ تعتبر الحاجة النفسية لمراقبة البيئة التي تعيش فيها، فطرة عميقة الجذور في النفس البشرية، تحثك على متابعة الاخبار اليومية – وتوقعك ضحية لحالة الخوف من فوات الشيء، هذه الحالة تُسمّى فومو FOMO، وتعني Fear of Missing Out، اي الخوف من ان يفوتنا شيء. حتى كبار السن الذين يقدرون الخصوصية، ويكرهون الكشف عن انفسهم كثيرًا، من المعروف انهم يستخدمون الفيسبوك للتلصص على الاخرين.
تعزيز مواردك الاجتماعية
كلما كشفت المزيد عن حياتك، زادت قيمة ثروتك الاجتماعية. فقد يُمكنك الظهور اكثر من الحصول على المزيد من فرص العمل عن طريق استخدام موقع لينكد ان. كما يُمكن لهذا الظهور ايضاً ان يساعد
زميلًا قديمًا في العثور عليك واعادة التواصل معك. لقد اظهرت الدراسات ان الاستخدام الفعال للفيسبوك يمكن ان يعزز راس المال الاجتماعي، سواء كنت طالبًا جامعيًا او مواطنًا كبيرًا في السن، وترغب في التواصل مع افراد العائلة او اعادة احياء الروابط القديمة مع الاصدقاء الذين فقدت الاتصال بهم لفترة طويلة. يرتبط النشاط على وسائل التواصل الاجتماعي بزيادة الثقة والاعتزاز بالذات والرفاه والسلامة الشخصية.
توسيع قبيلتك
كلما نقرت اكثر، كلما ازدادت شعبيتك وكثر متابعوك. عندما تنقر لمشاركة قصة اخبارية جديدة على وسائل التواصل الاجتماعي، او التعبير عن موافقتك الصريحة على منتج او خدمة، فانك تساهم في تشكيل وخلق موجة من الدعم. تعد هذه المقاييس التي توحي بمدى قوة الدعم الذي يحظى به تيار او صيحة معينة، مثل اعطاء خمسة نجوم لمنتج على موقع الامازون، امرًا مقنعًا تمامًا، ويرجع سبب ذلك
جزئيًا الى انها تمثل اجماعًا بين العديد من الاراء. وبهذه الطريقة، يمكنك ان تصبح جزءًا من مجتمعات الانترنت التي تتشكل من الافكار والاحداث والحركات والقصص والمنتجات – الامر الذي قد يؤدي في النهاية الى تعزيز شعور الانتماء لديك.
التعبير عن نفسك ونيل استحسان الاخرين
كلما كشفت المزيد عن حياتك، عظم تاثيرك وفعاليتك. سواء قمت بكتابة تغريدة او تحديث حالة او مشاركة مدونة مفصلة، يمكنك التعبير عن نفسك والمساعدة في صياغة الحوار على مواقع التواصل الاجتماعي. هذا التعبير عن الذات في حد ذاته يُمكن ان يكون من اهم العوامل التي تُشعرك بالتمكين. وبامكان المقاييس التي تشير الى دعم الكثيرين لمشاركاتك – التي تتمثل في كل تلك “الاعجابات” والوجوه المبتسمة – تعزيز احساسك بقيمة نفسك
بشكل عميق عن طريق الاستجابة لحاجتك النفسية المتاصلة لنيل استحسان الاخرين.
من جميع هذه النواحي، تقدم لنا ميزات وسائل التواصل الاجتماعي الكثير من الارضاءات، التي قد لا يكون بامكاننا
التنازل عنها بسهولة. اذا كنت تُعتقد ان معظم المستخدمين سيتخلون عن كل هذا لمجرد وجود احتمال بعيد لاستخدام البيانات التي تم الحصول عليها بطريقة غير قانونية من حساباتهم وانشطتهم على الفيسبوك، كوسيلة للتاثير على اصواتهم الانتخابية، فكر مرة اخرى.
الخوارزميات التي لن تسمح لك بالرحيل ابدًا
في حين قد يكون معظم الناس قلقين حيال الخوارزميات التي تُستخدم في استخراج معلوماتهم الشخصية، فهناك فَهمٌ ضمني بان مشاركة البيانات الشخصية هو شر لابد منه لكي تساعد على تحسين تجربتهم. الا ان المثير للاهتمام هو ان تلك الخوارزميات التي تجمع معلوماتك هي نفسها الخوارزميات التي تدفعك الى ان تكون اجتماعيًا، استنادًا الى اهتماماتك وسلوكياتك وشبكات اصدقائك. اذ ان من دون تشجيع الفيسبوك لك، ربما لن تكون اجتماعيًا تمامًا كما انت الان. يُعد الفيسبوك احد عوامل التاقلم الاجتماعي الرئيسية في عصرنا الحديث، فغالبًا ما يُرشح لك الاصدقاء لاضافتهم الى دائرتك، ويعلمك حين
يقول احد اصدقائك قولًا او يفعل شيئًا، يحتمل ان يكون موضع اهتمام بالنسبة لك.
فكّر في عدد الاشعارات المتعلقة بالفعاليات وحدها، التي يرسلها لك الفيسبوك. عندما يظهر لك اشعار عن فاعلية ما، يمكنك على الاقل التفكير في حضور تلك الفاعلية، وربما زيارة الصفحة التي تنشرها، وربما قد يشير ذلك الى انك “مهتم”، بل قد تقرر حضور الفاعلية. لن يكون اي من هذه القرارات ممكنًا دون تلقي اشعار التنبيه الاول.
ماذا لو لم يحفزك الفيسبوك، ويرسل لك ذلك الاشعار ابدًا؟ ماذا لو لم تعطيك الخوارزميات توصيات او اقتراحات؟ هل كنت ستستمر في تنفيذ هذه الاجراءات؟ وفقًا لنظرية التحفيز، سيكون من غير المحتمل ان تتخذ اجراءً اذا لم يتم تشجيعك على القيام به. وبالتالي اذا لم يحفزك الفيسبوك ابدًا على حضور تلك الفاعلية، او على اضافة الاصدقاء، او على مشاهدة منشورات الاخرين، او ان تتمنى لاصدقائك عيد ميلاد سعيد، فمن غير المحتمل ان تفعل ذلك من تلقاء نفسك، مما يقلص من حياتك الاجتماعية ودائرة معارفك الاجتماعية.
يدرك فيسبوك هذا جيدًا. فقط جرِّب حذف حسابك على موقع الفيسبوك، وستدرك انه يُمثل سجلًا ضخمًا في ذاكرتك الخاصة والعامة. عندما حاولت واحدة منا غلق حسابها على الفيسبوك، ظهرت لها صفحة بها رسالة تخبرها بمدى الخسارة الهائلة التي ستلحق بها -عند تعطيل الملف الشخصي، وتبديد جميع الذكريات، وفقدان سبل التواصل مع اكثر من 500 صديق. في الجزء العلوي من الصفحة كانت هناك صور للملفات الشخصية لخمسة اصدقاء، بما في ذلك المؤلف الرئيسي لهذه المقالة، مصحوبة بعبارة ” شيّام سوندار سيشتاق لك”.
هذا يشبه السؤال عما اذا كنت ترغب في قطع علاقاتك مع جميع اصدقائك عن قصد وبشكل دائم. ومن منا قد يرغب في فعل ذلك؟
—————————————————————————————–
مترجم عن “ذا كونفرسيشن”ستحذف حسابك بفيسبوك؟ يبدو ان الامر اصعب مما تتصور