اخبار اليوم الصحيفة, مصر والشيشان والامارات.. اخبار اليوم الصحيفة, مصر والشيشان والامارات..
فجّر خروج المنتخب المصري من بطولة كاس العالم الحالية والمقامة في روسيا، والذي لحقت به عدة منتخبات عربية اخرى، عاصفة من الانتقادات والهجوم على اداء المنتخب. انتقادات لم تطل النتائج المخيبة فقط، بل دارت حول الاحداث المريبة التي اتصلت بالمنتخب، كتنظيم اتحاد الكرة لمعسكر المنتخب في مدينة غروزني بالشيشان التي تبعد عن المدن التي سيلعب بها المنتخب المصري مبارياته نحو 5000 ميل، بالاضافة الى سفر عدد من الفنانين والمذيعين على متن طائرة تابعة لشركة “وي” (we) للاتصالات، وهي شركة مساهمة مصرية مملوكة للجيش والحكومة تتداخل اموالها مع الاموال العامة في مصر، والتي قامت بتحمل نفقات السفر والاقامة لهؤلاء الفنانين، بل جعلت اقامتهم في ذات الفندق الذي يوجد به لاعبو المنتخب المصري (1).
الامر الذي يستدعي الحديث عن تداخل السياسية مع كرة القدم، باعتبارها ليست مجرد كرة جلدية يتقاذفها اللاعبون، بل عالم كامل من العلاقات والسياسات والاموال وغيرها، ويجر الكتابة حول هذه العلاقة المتشابكة احاديث عن دور انعكاس النظام السياسي لبلد معين على فريقه او منتخبه القومي لكرة القدم، وكيف تستغل الشركات والانظمة السياسية والحكام تلك اللعبة لمصالحهم.
كاس العالم.. استغلال فرصة سياسية
في تقرير نشرته جريدة “The Moscow Times” جاء فيه، انه ليس من الغريب او الجديد ان فلاديمير بوتين يستخدم الاحداث الرياضية لتعزيز صورة روسيا في الداخل والخارج، “انظروا الى ابعد من دورة الالعاب الاولمبية في سوتشي في عام 2014. وباستضافة كاس العالم هذا العام، يلعب بوتين لعبة جيوبوليتيكية اكثر براعة: تعزيز العلاقات مع الانظمة في الشرق الاوسط على حساب الغرب” (2).
ومثلما حاربت روسيا وارتكبت المجازر والابادات الجماعية واطلقت القذائف المدمرة جنبا الى جنب مع ايران في سوريا، كان فريق كرة القدم الايراني هو اول فريق يصل الى موسكو، فالتقارب بين الفرق الرياضية يعكس صورة التقارب بين روسيا وايران، حين وقفا جنبا الى جنب في الحرب، وحين دعمت روسيا ايران وحشدت لها حلفاء اوروبيين لانقاذ الصفقة النووية الايرانية التي الغاها الرئيس الاميركي دونالد ترمب مؤخرا (2).
الامر ليس جديدا في عالم السياسة وكرة القدم على السواء، ولمن يتساءل عن كيفية متابعة العرب والعالم للمونديال بينما يغرق العالم، والبلاد العربية على الاخص، في بحور الحرب والدم، يمكن له ان يتذكر بطولات المونديال السابقة. ففي عام 1966، عندما كان جنود الجنرالات “يغرقون اندونسيا في حمام دم، نصف مليون قتيل او مليون، من يدري، ويبدا الجنرال سوهارتو دكتاتوريته الطويلة باغتيال القلة المتبقية من الحمر والورديين، او من الاحياء المشكوك فيهم، كان عسكريون اخرون ينقلبون على نيكروما، رئيس غينيا ونبي الوحدة الافريقية، بينما زملاؤهم الارجنتينيون يعزلون الرئيس ايليا بانقلاب عسكري”، وفي ذلك الحين كان طيران الولايات المتحدة يقصف هانوي، والراي العام الاميركي يشتعل ضد الحرب في فيتنام، وفي تلك الاثناء “يمتطي تشي غيفارا حصانه النحيل روسينانتي في ارياف بوليفيا، ويطلق ماو الثورة الثقافية في الصين، وتسقط عدة قنابل ذرية على ساحل الميريا الاسباني، ورغم عدم انفجارها، تنشر الرعب والهلع.. بينما يجري افتتاح بطولة العالم الثامنة لكرة القدم” (3).
كرة القدم بين الواقع والرياضة
بجانب ان لعبة كرة القدم جزء من العالم وتجري بطولاتها بغض النظر عما يحدث في العالم من كوارث وحروب، يمكن ان تكون كرة القدم نفسها هي شرارة حرب حقيقية، حيث ان كرة القدم هي صورة مجازية للحرب كما يقول ادواردو غاليانو، لكنها يمكن ان تتحول احيانا الى حرب حقيقية، ففي عام 1969 “اندلعت الحرب بين هندوراس والسلفادور، وهما بلدان صغيران في اميركا الوسطى، وفقيران جدا، وكانا يراكمان احقادا متبادلة منذ اكثر من قرن من الزمان، فكل منهما كان يشكل التفسير السحري لمشاكل الاخر.
لماذا لا يجد ابناء الهندوراس عملا؟ لان السلفادوريين ياتون لانتزاعه منهم. ولماذا يجوع السلفادور؟ لان الهندوراسيين يُسيئون استغلالهم. كل شعب منهما يرى العدو متمثلا في الشعب المجاور، وتبذل الدكتاتوريات العسكرية المتتالية في كلا البلدين جهودا حثيثة للابقاء على ذلك الالتباس” (3)، اذ يوجه ذلك غضب الشعبين الى بعضهما بعضا ويصرفهم عنه، وهو بالمناسبة ما يفعله حكام البلاد العربية الان، وخير مثال، يظهر في رد فعل الجمهور العربي اثناء اي مبارة بين منتخبين عربيين.
بعد ذلك حدثت شرارات اشعلت الحريق بين الشعبين، ثم تسببت في اندلاع حرب حقيقية، وقد سُمّيت بحرب كرة القدم، “فكانت الشرارة الاولى في ملعب تيغوسيغالبا وسان سلفادور. فخلال التصفيات من اجل مونديال 1970، حدثت مشاجرات، وسقط بعض القتلى وعدد من الجرحى، وبعد اسبوع من ذلك قطع البلدان علاقتهما الدبلوماسية، وطردت هندوراس مئة الف فلاح سلفادوري يعملون منذ الازل في زراعة وحصاد تلك البلاد، وعندئذ اجتازت الدبابات السلفادورية الحدود”.
استمرت تلك الحرب اسبوعا واودت بحياة اربعة الاف شخص، وكانت حكومتا البلدين، الدكتاتوريتين المصنوعتين في اميركا، تنفخان نيران الحقد المتبادل، وبينما كان الشعبان يقتلان بعضهما بعضا، كان سادة الاراضي وسادة الحروب لم يريقوا قطرة واحدة من دمائهم، “بينما كان شعبا الحفاة، المتماثلان في بؤسهما، ينتقمان في الوجهة غير الصحيحة ويقتتلان فيما بينهما بحماسة وطنية” (3).
مثلما تُستغلّ لعبة كرة القدم من قِبل النظم السياسية والحكام لصرف غضب الناس عنها، فانها تُستغلّ من قِبل الجنرالات والحكام لاقناع الناس بتحقيق انجاز عظيم، ففي اوج كرنفال الفوز بمونديال 1970، اهدى الجنرال ميديشي، دكتاتور البرازيل، نقودا الى اللاعبين، ووقف امام المصورين وهو يحمل الكاس بين يديه، ومضى ابعد من ذلك حين ضرب كرة براسه امام الكاميرات. ومارش “الى الامام ايتها البرازيل” الذي وُضعت الحانه خصيصا من اجل المنتخب، ثم تحول الى الموسيقى الرسمية للحكومة، “وعندما فازت الارجنتين في مونديال 1987، استخدم الجنرال فيديلا صورة كيمبس المندفع كاعصار لاهداف مماثلة تماما” (3).
يعلق ادواردو غاليانو قائلا: “كرة القدم هي الوطن، والسلطة هي كرة القدم حين تقول انا الوطن، وهكذا تقول الديكتاتوريات العسكرية”، وبالمثل عين الجنرال بينوشيه الامر الاعلى في تشيلي نفسه رئيسا لنادي كولو-كولو، “اوسع اندية البلاد شعبية، اما الجنرال غارسيا ميزا الذي استولى على بوليفيا، فقد صار رئيسا لنادي ويلستيرمان، وهو ناد له جمهور واسع ومتحمس. فكرة القدم هي الشعب، والسلطة هي كرة القدم، والديكتاتوريات العسكرية كانت تقول: انا الشعب” (3). لكن في ديكتاتوريات اليوم المائعة لم يعد الجنرالات هم مالكي الاندية ورعاتها الرسميين، بل المستثمرين سواء كانوا عربا مستعربة او مستعمِرة.
الاستثمار في قوى مصر الناعمة
يحكي مدحت نافع الخبير الاقتصادي واستاذ التمويل ان مستثمرا خليجيا شهيرا تحدث بجواره في احد المؤتمرات عن ضرورة الاستثمار في القوى الناعمة في مصر، وضرب مثلا بفرق الكرة التي يمكن ان تتحول الى فرق عالمية كبرى اذا توافر لها الدعم والرعاية، فيقول: “كنت مهتما بالترويج لبدائل الاستثمار الصناعي في مصر، والذي يتيح فرصا لنمو الاقتصاد بصورة مستدامة، ويتيح لاصحاب الفوائض البترولية توزيع مخاطرهم وتنويع استثماراتهم عوضا عن المنتج الواحد. استقر في يقيني حينها صلة هذا الاتجاه الذي يروج له المستثمر الخليجي الشهير، بما يدور من لغط عن راع جديد للكرة المصرية ظهر فجاة واجج الخلاف بين المتابعين عن رمزية تلك الرعاية وتاثيرها على تاريخ النادي الاهلي” (4).
بجانب ما يتحدث عنه نافع، يظهر دور تركي ال الشيخ جليا، والذي برز مؤخرا في ساحة الرياضة المصرية. كما لا يمكننا اغفال استثمار اخر استغلته روسيا و”جنديها المطيع” (5) رمضان قديروف من استضافة المنتخب المصري ولاعبه الشهير محمد صلاح في فندق غروزني بالشيشان، حيث دعت منظمة حقوق الانسان هيومن رايتس ووتش منظمة الفيفا الى الضغط من اجل اطلاق سراح ناشط يقبع خلف القضبان الشيشانية منذ يناير/كانون الثاني.
عادت منظمة حقوق الانسان لتستنكر الصورة التي جمعت رئيس الشيشان رمضان قديروف مع اللاعب محمد صلاح، واعتبرته المنظمة محاولة من قديروف لغسل سمعته السياسية السيئة بتلك الصورة (5). هكذا تم استغلال فريق المنتخب المصري، ولاعبه محمد صلاح، لتحسين صورة رئيس مشابه لدكتاتور عسكري عربي يقمع شعبه لصالح روسيا (6). لكن هل كان ذلك هو السبب الوحيد ليكون معسكر المنتخب المصري في مدينة غروزني الشيشانية التي تبعد نحو 5000 ميل عن مكان مباريات البطولة؟
اذا كانت هناك مصيبة.. فابحث عن المصالح تجد الامارات
كان فندق “The Local” في عاصمة جمهورية الشيشان الروسية المضطربة ذات الاغلبية المسلمة المقموعة، والذي استضاف المنتخب المصري، هو اول فندق في منطقة شمال القوقاز يرعاه ممول اجنبي -شركة ادارة فنادق ابوظبي-، حيث حضر ولي العهد محمد بن زايد حفل الافتتاح. كما افتتح صندوق الشيخ زايد الذي تموله الامارات في غروزني، وتعهد بتقديم 300 مليون دولار لمشاريع الاعمال الصغيرة والمتوسطة في الجمهورية لعقد من الزمان. اما قديروف فقام بدوره بتمويل المشاريع الانسانية في العالم الاسلامي، ابرزها اعادة اعمار المسجد الاموي التاريخي في سوريا، والذي دُمّر في حلب عام 2013 (6).
مواقع التواصل
وبين روسيا والشيشان والامارات، كانت هناك عملية تبادل منافع مشتركة ومستمرة منذ تنصيب قديروف على رئاسة الشيشان في عام 2009، وليتمثل المنتخب المصري حينها باعتباره صفقة داخل تلك الشراكة الدولية. فبعض تلك الجهود الانسانية التي تقدمها الشيشان ما هي الا واجهة لعمليات الاستخبارات في سوريا، حيث استخدمت موسكو الشيشان المسلمين كجزء من الشرطة العسكرية الروسية للحفاظ على القانون والنظام في المناطق التي تستعيدها قوات الحكومة السورية (6).
من جهة اخرى تقوم الامارات بتصدير شبكة من رموز الاسلام الصوفي، الذي يدعو لفصل الاسلام عن السياسة وطاعة الحكام، مثل الحبيب علي الجفري، والشيخ زايد الابيض، وعلي جمعة. وتحت قيادة محمد بن زايد قامت الامارات ومعها تلك الرموز بهندسة شبكة من الاسلام المعتدل في الشيشان وروسيا لضمان ولاء المسلمين المقموعين لحكامهم، قديروف وبوتين، وبذلك ابقاء الاوضاع مستقرة وهادئة لصالح حكم بوتين (7)، اما روسيا فبدورها تقدم للامارات الدعم السياسي والتاييد اللازم في عدة ملفات اهمها ملف الازمة السورية.
هكذا اذن تبدو كرة القدم رياضة متورطة جدا بعالم السياسية، ليس لان من يسيطر عليها سياسيون، لكن لان السياسين والحكام لا يترددون لحظة في السيطرة على تلك اللعبة، لاثبات قدرتهم وقوتهم، ونسب اي فوز او انجاز ولو كان رياضيا لهم، وذلك ما اراده عبد الفتاح السيسي وحاشيته بارسال طائرة الفنانين والمذيعين المعروفين بتاييدهم لنظامه، وهذا ما فعله مبارك من قبل في عدة مناسبات، بهدف استثمار اي نصر محتمل او متوقع بهدف رده لجهود القيادة السياسية، وبحيث يكون اي انتماء جماهيري في حوزتهم وتحت سيطرتهم، لكن على تلك الجماهير الحقيقية والتي تشعر بالاسى والحزن لهزيمة المنتخبات العربية ان تعي انه لا يوجد انجاز او نجاح او فرح سيتحقق مع وجود انظمة مستبدة وظالمة، تسرق قوت الفقراء ليسافر به الفنانون والراقصات لتمثله عند دول اشد اجراما وظلما.مصر والشيشان والامارات.. هكذا افسدت السياسة تواجد العرب بالمونديال