كيف-يُستخدم-علم-التسويق-العصبي-في-زيادة-مبيعات-الكتب؟

كيف يُستخدم علم «التسويق العصبي» في زيادة مبيعات الكتب؟

اخبار اليوم الصحيفة, كيف يُستخدم علم اخبار اليوم الصحيفة, كيف يُستخدم علم

رغم الحقائق العلمية الكثيرة التي تتكشف لنا يومًا بعد يوم، لا يتجاوز ما نعرفه عن الدماغ 5% من قدراته المذهلة ولا تزال 95% من القدرات عصيّة على اكتشافات العلماء الذين يحاولون معرفة اسراره. غير ان هذا لم يمنع ان يدخل علم الاعصاب بقوة الى عالم التسويق، فيمنحنا اسرارًا كثيرة تعتبر مفاتيح مهمة لعقول المستهلكين، وترفع ارقام المبيعات بشكل كبير في مجالات مختلفة، بينها عالم الكتب، فكيف توصل العلم الى ما يدور في عقل القارئ ويدفعه للاقبال على كتب بعينها؟
التسويق العصبي.. كيف يفسر العلم رغبات المستهلكين؟
يقول فرناندو كارويسكو المحلل في شركة «Llorente y Cuenca» الاستشارية في مجال الاتصالات،ان علم الاعصاب يدخل في كل ما يتعلق بالتسويق؛ العصبي والحسي، وفي عالم الكتب ايضًا، يقول فرناندو «كل ما يتعلق بالدماغ يؤثر بطريقة او باخرى في سوق النشر؛ الطريقة التي نستهلك بها الكتب مثل درجة الانتباه والعواطف التي تثيرها النصوص، وما يبقى منها
في ذاكرتنا. كل هذه العمليات التي تبدو بسيطة جدًا تعني مئات التغيرات داخل دماغنا، تقوم بها اعداد ضخمة من العصبونات المشابكة». وتقوم تقنيات تصوير الدماغ بتحديد المناطق التي تنشط خلال القراءة والتي تفوق بكثير المناطق التي تنشط خلال مشاهدتنا للتلفاز، وهكذا يمكن التعرف الى ما يشعر به القارئ بدقة.
طبقًا لاحصائيات شركة «Nielsen» المتخصصة في ادارة المعلومات عالميًا فان تتبّع رغبات المستهلكين من خلال خوذة مزوّدة باجهزة استشعار ترصد ذبذبات الدماغ، سمح بزيادة المبيعات بنسبة 23% اكثر مما مضى، وهكذا امكن لشركتي «Netflix» و «Marvel» تكييف عروضها تبعًا لرغبات وتوقعات مشاهديها.
وهدف التسويق العصبي هو البحث وراء السلوك البشري الذي يعتبر اساس عملية الشراء، والاليات التي تعمل من اجل صنع هذا القرار وتفعيلها من خلال علم الاعصاب وعلم النفس والانثروبولوجيا واللغويات، التي تحلل ما يحدث داخل المستهلك وتحدد متى تولد الرغبة داخله وتكبر لتشكل لديه فرقًا يدفعه لاتخاذ القرار بالشراء بعد ان كان لا يعبا بالامر.
البيع اساسًا عمل عاطفي يسكن الدماغ، ولطالما حاولت الشركات متعددة الجنسيات منذ تسعينيات القرن الماضي
الاقتراب من عقل المستهلك، وخصصت كثيرًا من مواردها لدراسة سلوكه والوصول الى المستهلك المحتمل الذي لم يتسن لها الوصول اليه خلال عمليات البيع.
«بيانات ضخمة» عن كل ما يدور في دماغك
نحن اليوم بصدد العديد من التطبيقات في مجال التسويق تقودها مجالات ثلاثة: الذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة (Big Data) التي تتخطى قدرة البرامج الشائعة على معالجتها وتحليلها، وعلوم اللغة الحاسوبية (Computational Linguistics)، التي تقوم بتحويل النصوص الى لغة الحاسب لتحليلها والتعامل معها.
تحدد علوم اللغة الحاسوبية اكثر الموضوعات او الكلمات المتعلقة بقطاع معين من الجمهور، ويلتقطها الذكاء الاصطناعي للاستفادة من نتائجها في تقديم توصيات او اقتراحات افضل للقارئ وفقًا للقطاع الذي ينتمي اليه.
بعد تحليل ارقام المبيعات يتوفر كم هائل من المعلومات من خلال تطبيقات القراءة مثل «goodreads» و«Tekstum»
و «wattpad» حي يتم تبادل الاراء حول الكتب، وترشيح عناوين اخرى لكل قارئ حسب ميوله، وهي توفر قدرًا كبيرًا من البيانات حول عادات القراء بحيث يمكن قياس متوسط ??ساعات القراءة والوقت؛ صباحًا كان او مساءً وكيف يتفاعل القراء مع انواع الكتب المختلفة.
في شركة «Llorente y Cuenca» يتم التركيز على التسويق الحسي، من خلال اختبار العرض الترويجي (trailer) للافلام باستخدام علم الاعصاب لمعرفة ردود الافعال وما تثيره داخل المشاهدين من عواطف كل ثانية، بحيث يتم التعديل وفقًا للهدف الذي يسعى اليه صناع الفيلم، وهو ما يحدث في مجال النشر مع اغلفة الكتب ايضًا، من خلال هذه البيانات يمكن التعرف على اكثر المشاهد او الجوانب اثارة لاهتمام المشاهد او القارئ، اذ يلتقط الاختبار اللحظة التي يقرر فيها الشخص ان هذا الفيلم او الكتاب قد حاز اعجابه، وبتحليل البيانات يمكن التوصل للعناصر الاكثر جاذبية.
وعن مشاعرك ايضًا
تُستخدم تقنيات «معالجة اللغات الطبيعية (NLP)» لتحليل ما يحدث داخل دماغ القارئ وما تثيره فيه النصوص، والمفردات تحديدًا، وباستخدام الخوارزميات المعقدة يمكن يمكن تقديم نتائج تحمل تفضيلات القراء للناشرين.
يؤكد الاختصاصيون في «Tekstum» -وهو برنامج اسباني يوفر تحليلاً علمياً للاراء والتعليقات والمراجعات التي يسجلّها القراء في المنصات الادبية والمدونات والشبكات الاجتماعية- ان فهم سلوك القراء بشكل افضل قبل قراءة كتاب معين واثناء القراءة وبعدها، يتيح للناشرين نشر الكتب التي تجذب القراء من ناحية، ويرشدهم لدى تصميم الحملة التسويقية من ناحية اخرى، فضلًا عن انه يوفر اقتراحات اكثر تحديدًا للكتب التي يفضلها لقارئ ويتوقعها وهو ما يعني بيع اسهل واسرع.
الخبراء في «Tekstum» يؤكدون ان الحصول على مثل تلك البيانات يكون امرًا طوعيًا من خلال موافقة القراء وقبولهم لاتفاقية شروط الخدمة، فيما يقول فرناندو كارويسكو ان هناك طرقًا اخرى مثل عمل دراسة علمية على المستخدمين او المعجبين بمنتج معين، وغالبًا ما يُقدم لهم في المقابل خدمة ما مثل صيانة المنتج نظير تعاونهم في الدراسة.
يؤكد كارويسكو ان الهدف الاول والوحيد للتسويق العصبي الاعصاب في هذا الصدد هو مساعدة العلامات التجارية في تزويد المستهلكين بالخدمة التي يحتاجون اليها من خلال معرفة المنتج او المحتوى الذي يفضلونه، وهو الهدف نفسه الذي تسعى اليه «Tekstum»، ان يكتشف القراء مزيدًا من المنتجات او المواد التي تلبي احتياجاتهم بدقة اكبر، وهكذا فان استخدام البيانات يضمن تجربة افضل للمستهلكين، ويشجع الناشرين من جانب اخر على تقديم كتب افضل تزيد المبيعات.
مسؤولية اخلاقية
في اماكن البيع يتم الحصول على بيانات كثيرة باستخدام جهاز يسمى «EQ-Radio» يستخدم اشارات لاسلكية لقياس التنفس والنبض ويستنتج الحالة العاطفية للمتواجدين في المكان، يقوم الجهاز بذلك دون استخدام كاميرا او اي اتصال جسدي، فقط من خلال موجات لاسلكية ترتد من اجسام الافراد وتعود الى الجهاز بمعلومات عن التنفس ودقات القلب، فيقوم بتحليل هذه البيانات ليقدم تنبؤاته بحالاتهم، وهي تنبؤات كشفت الاختبارات ان دقتها يبلغ تقريبًا 90%.
وبهذا يمكن للمكتبة -الى جانب تغيير العناوين فيها- تعديل درجة الحرارة والاضاءة والموسيقى واستخدام معطرات الجو
لخلق تجربة افضل للقارئ، ولنا ان نتخيل مدى اخلاقية ان يتجسس علينا احد باستمرار، في الاماكن العامة مثل المكتبات، وحتى ونحن نقرا بهدوء في منازلنا، فيتعرف على عاداتنا وعواطفنا وما يدور في عقلنا الباطن.
تمتد القضية الاخلاقية التي يثيرها توافر هذا القدر الهائل من البيانات الى مجالات متعددة، انه غزو خطير لخصوصيتنا يتوصل الى حالاتنا النفسية وميولنا السياسية، لكنه في الوقت نفسه يوفر لنا على كل الاصعدة المنتجات التي نحتاج اليها، فلا يمكن الاستغناء عن فوائده، ويحتاج الى قواعد
مثل السرية في تداول هذه المعلومات، وموافقة المستخدم على الحصول عليها، والنزاهة والموضوعية في استخدام البيانات في محلها، بما يضمن الا يُساء استخدامها مثلما حدث مع شركة «كامبريدج اناليتيكا» البريطانية لتحليل البيانات التي اتُهمت بالتلاعب ببيانات 50 مليون
مستخدم لموقع فيسبوك.
يرى الخبراء في «Tekstum» على سبيل المثال ان توافر هذا القدر من البيانات ينطوي على خطورة تحتم التعامل معها بكثير من المسؤولية الاخلاقية، وكما يقول كارويسكو فسيكون بوسع الناشرين من خلالها معرفة ما تُحدثه النصوص في دماغ القارئ وما يفضله وما لا يفضله، بحيث يمكن استخدام هذه البيانات في تقديم الاعمال التي يفضلها القارئ وتغيير المفردات والاسلوب داخل النص الادبي لتتوافق مع رغباته، لكن التدخل على هذا النحو سيُفقد الادب معناه، لذا يرى كارويسكو
ضرورة ان يقتصر استخدام هذه البيانات على التسويق والبيع.كيف يُستخدم علم «التسويق العصبي» في زيادة مبيعات الكتب؟

Scroll to Top