اخبار اليوم الصحيفة, الوجه الخفي للطب اخبار اليوم الصحيفة, الوجه الخفي للطب
العلم من دون ضمير هلاك للروح. *الكاتب الفرنسي فرانسوا رابليه
لم تكن العنصرية ضد اصحاب البشرة السوداء في امريكا خفية على احد، لا فيما مضى ولا في وقتنا الحاضر -حتى وان بدت حدتها اخف كثيرًا عن ذي قبل – فكثيرًا ما ذاق اصحاب البشرة السوداء في امريكا صنوفًا من الذل والهوان على ايدي اصحاب البشرة البيضاء باعتبارهم سادتهم وملاك الارض.
ومن بين جميع اشكال التمييز وعدم المساواة التي مورست ضد السود لعقود طويلة، تبقى العنصرية الطبية ضد السود اكثر انواع الممارسات العنصرية وحشية ولا انسانية. وذلك لان اصحاب البشرة السوداء كانوا يساقون قسرًا لما هو اسوا من الموت؛ فكانت تُنتهك حرمات اجسادهم في العديد من التجارب الخطيرة وغير الطوعية التي كانت غالبًا ما تتم دون مخدر، ولم يكن العلاج – بالطبع – احد اهدافها.
«التاريخ يكتبه المنتصر»
يقول المثل النيجيري «لا تدع الاسد يخبرك عن حكايته مع الزرافة»، وبالمثل لا تدع الاطباء والباحثين الامريكان من البيض يحكون لك عن التجارب الطبية التي اجروها، وما زالوا يجرونها، على اصحاب البشرة السوداء؛ وذلك لانهم سيحكونها من وجهة نظر الجاني لا الضحية، طامسين بذلك العديد والعديد من الحقائق المروعة والحكايات المفزعة.
على سبيل المثال، لن تجد كتابًا او مرجعًا يحكي عن
الاهداف الحقيقية الكامنة وراء هذا الكم الكبير من التجارب التي كانت تُجرى على السود، اذ تُدرجها معظم الكتب تحت بند «تجارب تمت بهدف العلاج»، وكذلك لن تجد اي كتاب يشرح مدى الرعب الذي شعر به هؤلاء السود وهم يساقون قسرًا ليُحقنوا بالحقن السامة، وكم الالم الذي شعروا به واجسادهم تتعرض للتشويه عن طريق بتر الاطراف احيانًا والكي احيانًا اخرى، او عن شعورهم وقد فقدوا القدرة على الحركة تمامًا، ولا عن الامراض المزمنة التي لازمتهم طوال حياتهم والتي كانت تودي بحياتهم في معظم الاوقات.
قد يقول احدهم ان تاريخ الاستغلال الطبي في امريكا كان يشمل كلا من السود والفقراء والمشردين من اصحاب البشرة البيضاء، وعلى الرغم من ان هذا الامر صحيح الا ان التجارب التي اُجريت على البيض لم تكن بقسوة ووحشية تلك التي اجريت على السود، والسبب في ذلك يرجع الى ان من قاموا بهذه التجارب كانوا مدركين تمامًا، كما يؤكد الكاتب تود سافيت، ان السود كانوا اهدافًا سهلة باعتبارهم عبيدًا مملوكين يسهل اسكاتهم الى الابد اذ كانوا لا يملكون اي حق قانوني في الشكوى مما يجبرون عليه من تجارب طبية.
وهكذا لم تذكر معظم الكتب التي كتبها اسود الطب الامريكيين اية اشارة الى عبد اسود –مثلًا– قد خضع لعدة عمليات جراحية فقط لتجربة بعض الالات الجديدة او لاثبات صحة او خطا احدى التقنيات الجراحية الحديثة، ولم تتضمن حكاية عدة فتيات تم حرمانهن من الانجاب بسبب وسائل منع الحمل العديدة التي تمت تجربتها عليهن بشكل متتال، ولا عن المساجين والاطفال الذين لم يجدوا امامهم اي خيار سوى تناول العديد من الادوية المصنعة حديثًا والتي كان يبغي الاطباء اختبار فعاليتها واثارها الجانبية.
وذلك لان هؤلاء الاطباء كتبوا ما يريدون هم كتابته لا ما حدث حقًا، اذ ان ما حدث حقًا قد تناقله العبيد -الذين لم يكونوا يعرفون القراءة والكتابة- شفهيًا عبر الاجيال، ولكن الرواية الامريكية الرسمية قد قررت ان كل هذه الروايات خاطئة لانها تفتقر الى الدليل الذي دفن مع اصحابه وتولوا هم مسئولية حكي ما حدث فاوهموا قدرًا كبيرًا من الناس بان كل تلك التجارب كانت تجارب علاجية تتم بموافقة هؤلاء العبيد لا رغمًا عنهم. ولم تنته تلك التجارب بانتهاء العبودية بل انها استمرت وتطورت بتطور الطب وتقنياته.
حدث ذات يوم في توسكيجي
ان المعامل البحثية هي المكان الانسب لمستقبل الزنوج، لا المدارس.. فحين يمرض الزنجي، يجب وضعه تحت الحجر الصحي واجباره على تناول العلاج قبل ان يُقدم جسده قربانًا على مذبح التعليم المهني والاكاديمي. *الطبيب الامريكي توماس موريل، 1910
في عام 1932، بدات هيئة الصحة العامة الامريكية سلسلة من التجارب حول كيفية تقدم وانتشار البكتيريا المسببة لمرض الزهري، والذي كان متفشيًا بين الذكور من السود في مدينة توسكيجي بولاية الاباما. ووعدت الحكومة الامريكية حوالي 400 مريض من المزارعين السود الفقراء بتقديم الرعاية الطبية والوجبات المجانية اليهم، واهمة اياهم بان اجسادهم انما يجري فيها دم فاسد (ولم يذكر احد لهم حقيقة تشخيصهم بمرض الزهري)، وان هذه التجارب هدفها هو العلاج. وبدون ادنى تردد وافق هؤلاء المزارعون الفقراء على تلك التجارب التي تم يكونوا يعرفون انها ستودي بحياتهم، وذلك لان هيئة الصحة الامريكية لم تخبرهم – ببساطة – عن الهدف الحقيقي وراء هذه التجارب.
في ذلك الوقت، كان العلماء يعتقدون ان اعراض الامراض التناسلية تظهر جلية عند العرق الاسود اكثر من الابيض، ولذلك فانهم قد قرروا اثبات هذا الامر عن طريق اختيار منطقة موبوءة بداء الزهري ومنع العلاج عن العينة التي اختاروها للعلاج حتى يتسنى لهم دراسة تطور هذا المرض واعراضه في مراحله المتاخرة بشكل دقيق. وهكذا، عكف موظفو هيئة الصحة الامريكية على مراقبة هؤلاء المرضى، وحين كان يشتكي احدهم من شدة وطاة المرض كانوا يعطونه مهدئات، مثل الاسبرين والمكملات المعدنية، في حين ان الانسولين كان هو العلاج المناسب له.
وعلى الرغم من ان هذه التجارب كان مقررًا لها ان تستمر لمدة ستة اشهر فقط، الا انها استمرت 40 عامًا، تحديدًا في الفترة ما بين 1932-1972، وكان احد اهم الاوامر التي تُعطى لاي طبيب يشترك في تلك التجارب هو الا يعطي اي دواء فعال لهؤلاء المرضى وتركهم ليموتوا ببطء، حتى ان مراكز مكافحة العدوى قد اصدرت نشرات تنص على انه، «قد تم اتخاذ القرار بمراقبة تطور الوضع الصحي لهؤلاء الرجال حتى الموت».
وعلى الرغم من ان مراكز مكافحة الامراض واتقاءها قد اقرت، في عام 1945، بان البنسلين يعتبر علاجًا فعال
لمرض الزهري وتم بالفعل اعطاء جرعات منه للمصابين بهذا المرض، الا ان مراكز الصحة العامة الامريكية قد قررت استثناء المرضى المتضمنين في سلسلة تجارب توسكيجي من هذا العلاج ولم تخبرهم حتى عن امر البنسلين. وهكذا، استمرت تجارب توسكيجي دون ان يوجه لها احد اي اتهام، ودون ان يملك السود المُجرية عليهم هذه التجارب حق الاعتراض.
وظل الوضع على ما هو عليه، حتى قرر احد موظفي هيئة الصحة الامريكية، ويُدعى بيتر بوكستون،
فضح تلك التجارب في عام 1972، بعد ان سرب معلومات شديدة السرية عنها الى احد مراسلي وكالة «اسوشيتدبرس»، الذي وصف هذه التجارب لاحقًا بانها «واحدة من اخطر انتهاكات حقوق الانسان التي يمكنك تخيلها»، وقد ادت هذه الفضيحة الى الانهاء الفوري لتلك التجارب، التي تُرك فيها 400 رجلًا دون علاج لمدة 40 عامًا ونتج عنها 40 امراة تم نقل العدوى اليهن و19 طفلًا مولودًا بمرض الزهري.
الاطفال لم ينجوا ايضًا
نحن لا نسمح لكلابنا بالتكاثر؛ فنحن نخصيها حتى لا تلد لنا جراء غير مرغوب فيها، ومع ذلك لا تزال النساء السوداء يلدن لنا تلك الحثالة من الاطفال غير المرغوب فيهم. *باربارا هاريس، مؤسسة جمعية رعاية الاطفال (CRACK)، حوالي عام 1900
لم تفهم تشاريس جونسون، وهي مواطنة امريكية سوداء قاطنة بمنطقة بروكلين بنيويورك، كيف استطاع احد موظفي جامعة كولومبيا ايجاد عنوانها، وكيف عرف ان لها طفلًا اخر، غير ابنها ذي الـ16 عامًا المحتجز باحدى الاصلاحيات، يبلغ عمره ست سنوات.
وعلى الرغم من الاسئلة الكثيرة التي وجهتها اليه، لم يجب هذا الرجل الا عن سؤالها المتعلق بما يريده من صغيرها، اذ اخبرها في هدوء انه سياخذه معه الى مستشفى الجامعة حيث ستُجرى معه بعض المقابلات الشخصية وتُجرى عليه بعض الاختبارات البسيطة، كما انه سياخذ جرعة واحدة من دواء غير ضار ، ولن يستغرق الامر اكثر من ليلة واحدة.
اما عن سبب هذه الاختبارات؛ فقد اخبرها الموظف ان هذه الاختبارات المجانية تهدف الى الاطمئنان على صحة جميع اطفال المنطقة مقابل حوالي 100 دولار ولعبة من اجل الطفل ان وافق على المشاركة. ودون تردد وافقت تشاريس على مشاركة ابنها في تلك الاختبارات التي لم تكن تعرف هدفها الحقيقي والتي احدثت ضررًا بالغًا عليه.
في عام 1992، كانت منطقة بيدفورد ستايفسنت في بروكلين تعاني من معدلات الجريمة المرتفعة والاتجار في المخدرات بين فئة الاطفال والمراهقين. ونتيجة لذلك، قررت الحكومة اجراء تجربة على الاطفال الذين انخرط اخوتهم الاكبر في نشاط اجرامي للبحث حول اذا ما كان الميل للعنف يعتبر احدى الصفات الموروثة. وقد تعاون كل من «معهد نيويورك للطب النفسي (NYSPI)» وجامعة كولومبيا لاجراء هذه الدراسة، على ان تكون عينة البحث مقتصرة على الاطفال السود الذين انخرط اخوتهم الاكبر في نشاط اجرامي ومحتجزين بالفعل في الاصلاحيات.
وتضمنت هذه الدراسة 126 طفلًا، تتراوح اعمارهم بين 6-10 اعوام، تم اعطاؤهم جرعات عديدة من عقار (فينفلورامين) الذي كان يُحظر اعطاؤه لمن هم دون 12 عامًا، كما تم اجبار هؤلا الاطفال على الامتناع عن الطعام لفترات معينة خلال اليوم ومنع كافة الادوية الاخرى التي كانوا يتناولونها، حتى وان كان منعها سوف يشكل خطرًا على حياة الطفل كادوية الربو مثلًا. وحين كان يشتكي احد الاطفال من الاعراض الجانبية لهذا العقار -كتشوش في الرؤية والصداع المستمر – لا يتم الالتفات الى شكواه على الاطلاق.
كانت تلك الدراسة غير قانونية وتتسم بعدم الانسانية لانها اولًا استغلت الاطفال ولم تخبر والديهم عن السبب الحقيقي وراءها، كما انها قد اخذت المعلومات المتعلقة باخوتهم المحتجزين في الاصلاحيات عنوة دون الرجوع اليهم وهددتهم، بشكل غير مباشر، بابنائهم المحتجزين حين قرر البعض ان يتراجع عن هذه التجربة.
ولكن اهم ما في الامر، هو ان هذه الدراسة، والتي اجريت منذ ما يقرب على 20 عامًا فقط، قد كشفت عن ان الطريقة التي تفكر بها المؤسسات الحكومية الامريكية نحو السود لم تختلف منذ عصر العبودية وحتى الان، اذ انها كانت وما زالت تعتبرهم اقل شانًا وخطرًا محتملًا.
وهكذا، اسفرت هذه الدراسة، التي اكد ممثل الجامعة لتشاريس انها غير ضارة، في خلق مرضى نفسيين من هؤلاء
الاطفال؛ فصغير السيدة تشاريس -الذي كانت بنيته قوية ويتمتع بصحة جيدة – قد بدا في الشعور بصداع قوي بعد اسبوعين فقط، ثم صاحبت هذا الصداع نوبات هلع، وضيق في التنفس، وكوابيس مستمرة يعقبها صراخ مستمر وشكوى من ان احدهم يختبئ في الغرفة ليقتله. وحين قررت السيدة هاريس رفع قضية على كل من جامعة كولومبيا و«معهد نيويورك للطب النفسي»، برر الاطباء كل التجاوزات التي حدثت في هذه الدراسة بانهم اجروها لكي يستطيعوا الحد من ظاهرة اطلاق النار التي كانت متفشية في المدارس الامريكية في ذلك الوقت، مُتناسين بان مرتكبي هذه الجرائم كان اغلبهم من المراهقين ذوي البشرة البيضاء.
بالطبع، لم تكن هذه الدراسة هي الوحيدة التي اُجريت على الاطفال من ذوي البشرة السوداء من منظور انهم اكثر ميلًا للعنف، وبالتالي فهم مشروع مجرمين محتملين. فقد نشرت مراكز مكافحة العدوى في بداية السبعينيات تقارير عدة تفيد بان معدلات الجريمة بين المراهقين السود اكبر من البيض بحوالي 5-8 مرات. وبالتالي، مال الكثيرون الى الاعتقاد بان مجتمع الامريكيين من اصل افريقي يعتبر ارضًا خصبة للعنف، متجاهلين في الوقت ذاته ان العنصرية التي مورست ضدهم كان لها دور اساسي في انجرارهم وراء اعمال العنف، كما ان ظاهرة العنف بشكل عام تعتبر ظاهرة امريكية الطابع لا افريقية-امريكية فقط.
وبالتالي؛ فان ايمان معظم الامريكيين بان العنف صفة متاصلة عند اصحاب البشرة السوداء وبانهم «مجرمون بالفطرة» قد دفعهم الى اجراء العديد من الدراسات والتجارب والعمليات الجراحية بهدف استئصال جينات العنف لديهم منذ الصغر وجعلهم «مواطنين صالحين»! ففي الفترة بين 1936-1960، تم اجراء العديد من العمليات الجراحية على مخ عدد من الاطفال والمراهقين السود بهدف اكتشاف الجزء المسؤول عن العنف واستئصاله، مما نتج عنه عدد لا باس به من الاطفال السود الفقراء – بعضهم كان دون الخامسة – يعانون من اعاقات دائمة جراء هذه العمليات التي لم تكن بغرض العلاج ولا على اساس طبي.
لم تتوقف الاعتداءات بعد
اتخذت العنصرية الطبية ضد السود اشكالًا عدة اختلفت باختلاف العصر؛ فالعبيد -مثلًا- عانوا من تجارب طبية مؤلمة وناموا على طاولات التشريح وهم لا يزالون احياء، وحين انتهى عصر العبودية ركزت الحكومة الامريكية دائمًا على الحلقة الاضعف لاجراء التجارب؛ فكان يتم استهداف هؤلاء ممن لا يتمتعون بحماية قانونية كافية كالعمال الفقراء والاطفال والمساجين.
والان، تبدو هذه الانتهاكات الجسيمة ضد الامريكان من اصل افريقي ذكرى مروعة اذ حمتهم القوانين الجديدة من مثل هذه الانتهاكات واشترطت موافقتهم على المشاركة في اي نوع من انواع الابحاث وعلمهم التام بهدفه وسلبياته، تلك اخبار جيدة بالتاكيد، ولكن الاخبار السيئة هي ان الحكومة الامريكية قد حولت دفة ابحاثها العلمية على البشر الى مكان بعيد عن القارة الامريكية اغلب سكانه من السود، وهذا المكان هو قارة افريقيا.
وقد وجدت امريكا من ارض افريقيا مكانًا مثاليًا لاجراء تجاربها، التي تشبه تلك التجارب التي اُجريت على العبيد فيما مضى، بعيدًا عن اعين الصحافة العالمية المسلطة نحوها وعن اشراف منظمة الغذاء والدواء الامريكية. ففي عام 2002، تم اخذ عينات اجبارية من هرمونات افراد شعب البوشمن من اجل تطوير ادوية فقدان الوزن، كما تم اختبار هرمون النمو على الافارقة الاقزام قبل ان يتم اعطائه للاطفال في امريكا.
كما تم حقن النساء من زيمبابوي- ممن كن لا يعانين من اي مشكلة في الانجاب -بمادة (Depo-provera)- على الرغم من انها مادة مسرطنة قبل ان يتم اعطاؤها للنساء في امريكا بوصفها حقنة تؤخذ لمن يعانين من مشاكل في الانجاب، وتم اعطاء المرضى في مستشفى احدى الدول الافريقية دمًا صناعيًا بغرض تجربته، مما اسفر عما لا يقل عن 20 حالة وفاة. ولا تزال قائمة الاعتداءات الامريكية – باسم ابحاث طبية تهدف للعلاج – قائمة في اي مكان بعيد عن اعين الصحافة والقانون.الوجه الخفي للطب الامريكي.. تاريخ طويل من استعباد واستغلال السود