اخبار اليوم الصحيفة, الفن اقوى من اخبار اليوم الصحيفة, الفن اقوى من
دعاء البسطاطي فنانة سورية عرفت كيف تقهر المستحيل، وتقف على راس الوجع، متحدية الاعاقة، ورافعة راسها بثقة وكبرياء، تقودها موهبتها وايمانها بنفسها، فباتت محل فخر كل من عرف قصتها.
شغف بالحياة
ولدت دعاء دون ذراعين قبل 29 عاما في دمشق، ورغم ما شكله ذلك من تحديات واجهتها على المستوى الشخصي والتعليمي، فانها لم تستسلم للعوائق التي تحيل بينها وبين ممارسة الرسم، فتعلمت كيف تمارسه مستخدمة اصابع قدميها.
ولم تقف بها العزيمة عند هذا الحد، بل اصرت على دراسته لاثقال موهبتها ومن ثم احترافه، رافضة اعتبار نفسها ضحية ظروف خارجة عن ارادتها، او ترك روحها فريسة تنهشها الاحكام المسبقة او تقيدها التوقعات المحدودة التي قد يحاول المجتمع حصر امكانياتها وطموحها داخله.
الوقوع في الحب
تقول دعاء ان حبها للرسم يعود الى وقت كانت بالصف السادس الابتدائي، اذ اعتادت شقيقتها ان تحضر لها صورا للرسوم المتحركة وتشجعها على اعادة رسمها، لشغل وقتها والهائها عن اي شيء قد يعكر صفو حياتها او يشعرها بالضجر او النقص.
وتستطرد دعاء قائلة ان ذلك حدث قبل حتى اكتشاف موهبتها، ورغم انها كانت في البداية دائمة الرفض، فانها مع الوقت صارت تقبل وتجرب وتحاول، الى ان وقعت في الحب مع فكرة استطاعتها التعبير عما بداخلها من خلال اللوحات.
وهنا قررت عدم الاكتفاء بالوقوف عند تلك النقطة، والعمل على تطوير ادواتها، واخذ موهبتها لافاق ابعد، وان بدا ذلك وقتها مستحيلا، فالتحقت بدورات لتعلم الرسم، وبعد حصولها على الثانوية التحقت بكلية الفنون الجميلة في دمشق، بل كانت من العشر الاوائل على دفعتها وقت التخرج.
صعوبات ولكن
وفقا لتصريحات دعاء فان الصعوبات التي قابلتها اثناء الجامعة لم تكن بالهينة ابدا، ففيما يخص الشق العملي لم يكن لديها مكان مخصص للرسم، مما اضطرها لانجاز مشروعاتها اليومية جلوسا على الارض بالاجواء الباردة.
اما على الصعيد النظري، فواجهتها صعوبة من نوع اخر، تمثلت في عدم قدرة اساتذة الجامعة على قراءة اجاباتها بالامتحانات، وهو ما تسبب برسوبها في عامها الجامعي الاول.
وفي حوار اجرته قناة “الان” مع اسرة دعاء، صرحت شقيقتها الكبرى غصوص البسطاطي بان دعاء تحدت نفسها واعاقتها على اكثر من مستوى، وتعاملت مع قدميها تماما كذراعين، فلم يتوقف الامر عند احترافها الرسم بهما فحسب، بل امتد ليشمل قدرتها على المشاركة بالاعباء المنزلية المختلفة، بما فيها الحياكة وصنع المخبوزات واعداد القهوة.
وشددت غصوص على عدم رغبتها في حصول شقيقتها على اطراف صناعية، ايمانا منها بانها ليست في حاجة لها، خاصة ان دعاء اعتادت الحياة بلا ذراعين منذ الصغر، مما جعل الامر مالوفا وقابلا للتعامل معه كاحد بديهيات حياة اسرتهم.
حلم الوصول للعالمية.. هل يتحقق؟
وفي الحوار نفسه قال محمد النائلي معلم الرسم الخاص بدعاء، انها موهبة وليست حالة، وان حجم موهبتها لن يدركه الا من يقدرون الفن عموما والرسم خصوصا.
كان من الطبيعي ان تتحول دعاء البسطاطي لايقونة كما يليق بفنانة تحترف صنع المعجزات، وتمتلك رؤية خاصة والوانا تميز لوحاتها، حتى بات لها معارض فنية خاصة باعمالها تقام في حلب ودمشق.
فجاء معرضها الفردي الاول في مركز ثقافي كفر سوسة في اكتوبر/تشرين الاول عام 2018، الذي تضمن 33 لوحة بتقنية الرسم على الزجاج، انحصرت مواضيعها بين الطبيعة وحارات دمشق القديمة، وان تنوعت الوانها لتعكس حالات مزاجية مختلفة.
تلاه معرض فردي اخر في ديسمبر/كانون الاول الماضي في دار الاوبرا بدمشق، بجانب مشاركتها بمعارض فنية جماعية عدة، وان ظل حلمها الاكبر الوصول الى العالمية.
وبسؤال دعاء في حوار اجري معها -خلال معرضها الفني- عن الحرب واثرها في مسيرتها الفنية، صرحت بان الحرب جاء تاثيرها الاوضح خلال الجامعة، خاصة انها اضطرتها للتوقف عن الدراسة لمدة عام، وهو ما جعلها تفكر باختيار “الموت الرحيم” كموضوع مشروع تخرجها، قبل ان تعود فتستشعر قوتها كمواطنة سورية تنتمي لشعب ينتصر على اي ظروف.
ولذا جاء مشروع تخرجها الفعلي عن حياتها، وتحديدا عن اهمية اليدين بحياة الانسان، وكيف لا يمكنه العيش مقيدا لمدة نهار كامل، وصولا الى حقيقة كونها دون ذراعين ورغم ذلك استطاعت تحقيق احلامها.
واكدت دعاء انها كانت تنوي ان يعكس مشروعها كلا من الجانب السلبي والايجابي للحياة دون يدين، ولكن انتهى الامر وقد تحولت السلبيات الى ايجابيات، وهو ما يفسر حمل مشروعها في البداية اسم “حزينة” ثم تحوله الى “انتصار”.الفن اقوى من المستحيل.. رسامة سورية بلا ذراعين