اخبار اليوم الصحيفة, هل دُق المسمار اخبار اليوم الصحيفة, هل دُق المسمار
في لقاء له مع برنامج “هذا الصباح” بقناة الجزيرة، قال الكاتب والصحفي عارف حجاوي حين سئل عن مكانة الشعر العربي اليوم ان “الشعر العربي وغير العربي انهار منذ سنوات كثيرة، في الغرب منذ بضع مئات من السنين احتلت الرواية مكانه، في السابق كان حتى شكسبير يكتب المسرحيات شعرا، وما بعد ذلك قال الناس: لا نريد الشعر، نريد ان نعبر بالانطلاق، بالنثر”.
واضاف حجاوي ان “العرب كانوا يصبّون حياتهم كلها في الشعر، اذا قال العربي بطني يوجعني فهو يقولها شعرا، بعد ذلك قالوا: لماذا هذا التعب؟ نلحق العالم ولتعش الرواية، القصة سيطرت، الانسان من سن ثلاث سنوات الى سن مئة وثلاث سنوات يحب القصة، ولذا عاشت القصة والرواية، والشعر انحدر كثيرا، ولذلك رايت التراث الشعري العربي اعظم تراث شعري في العالم امتد الفا وخمسمئة سنة قد تهاوى في الخمسين سنة الفائتة”.
ويتفق مع حجاوي الى حد كبير -وان بنظرة اقل تشاؤما- الشاعر الراحل محمود درويش الذي قال في مقابلة تلفزيونية قديمة ان الشعر العربي لم يعد ديوان العرب، فقد شاركته في هذه المهمة فنون اخرى كالقصة والرواية وغيرهما، لم يقل درويش ان الشعر العربي قد مات، ولكنه كشاعر مارس الشعر حتى وفاته، واعترف بحجم التاثير المحدود الذي صار اليه الشعر عموما، والشعر العربي خصوصا.
الشعر باقٍ
يقول الشاعر الجزائري رياض بوحجيلة -الذي اصدر مجموعته الشعرية بعنوان “لا شيء يستدعي ابتسامك” عام 2015- في اجابته عن سؤال للجزيرة نت عن موت الشعر العربي “هذا يعيدنا الى السؤال القديم المتجدد حول وظيفة الشعر والفن عموما، من ينتظر من الشعر ان يطعم جائعا او يكسو عاريا او يحرر وطنا فيؤسفني ان اخيب امله، للشعر وظيفة اخرى مختلفة تماما قد تبدو متغيرة عبر العصور لكن جوهرها واحد هو الانسان، والشعر باقٍ ما بقي الانسان على هذه الارض، هو موقف من الحياة ومن العالم، سواء كان هذا الموقف سياسيا او اجتماعيا او عاطفيا او وجوديا”.
واضاف بوحجيلة ان “الشعر قد يكتب من اجل الشعر او من اجل اللغة او من اجل الجمالية المحضة كما يزعم بعض المنظرين، لكنه يبقى مجرد زخرفة ولعب باللغة حتى ينفخ فيه الشاعر من روحه ويعيده الى الانسان ليعيد الانسان اليه، لا يمكننا ان ننكر ان الشعر العربي تراجع او انحسر عن الواجهة ولم يعد له ذلك الوهج القديم، لكن خلف هذه الواجهة المظلمة هناك بقعة ضوء صغيرة اخذة في الاتساع”.
تحديات جديدة
اما عن سؤال العوائق المعاصرة التي تقف امام استمرار الشعر العربي حيا في ضمير القارئ العربي فقال بوحجيلة للجزيرة نت ان “المشكلة الكبرى هي انفصال الشاعر الذي قلنا انه ضمير الامة عن امته وابتعاده عن قضيته الجوهرية التي هي الانسان واغراقه في الذاتية، حتى اصبح الشعر الحديث مرادفا للهلوسة والهذيان، وذلك نتيجة تحول الشعر من متبوع الى تابع على يد شعراء يكتبون على مقاس النظريات النقدية المعلبة، فاصبحوا كالغراب الذي لم يتقن مشية الطاووس وضيّع مشيته، وفي المقابل هناك شعراء يعاندون سنة الكون في التطور وما زالوا واقفين على الاطلال يرفضون الحداثة، وهم في نظري اسوا من الفريق الاول”.
واضاف بوحجيلة مسلطا الضوء على الجانب المتفائل “لكن ما يبعث على التفاؤل ان هناك اجيالا جديدة تشتغل في صمت وبعيدا عن الضوء، غالبا فهمت ان عليها ان تصنع حداثتها الخاصة التي تتناغم مع خصوصيات الشعر واللغة العربيين ولا تتنكر لموروثه الادبي الضخم بل تتخذه قاعدة تبني عليها حداثتها حتى لا تجرفها رياح الحداثة المعلبة ولا تعيش خارج الزمن”.
اما الشاعر السوري ابراهيم طيار -الذي اصدر مجموعته الشعرية “الف ليلة عربية وليلة” عام 2010- فقال في اجابته عن سؤالي الجزيرة نت “السؤالان مترابطان باعتبار ان معيار حياة الشعر هو ارتباطه بضمير ووجدان القارئ وتعبيره عنه بان يكون صوتا له، وعلى الشاعر ان يكون قارئا قبل ان يكون شاعرا ليوصل صوته الى قارئه يعبر عنه، وفي المقابل على القارئ ان يكون شاعرا الى حد ما ليفهم الشعر كما اراده الشاعر، فالعملية تفاعلية بين الشاعر وقارئه، والموت هو موت الاثنين معا، والحياة حياتهما معا”.
وفي لقاء الجزيرة نت مع الباحث والناقد الادبي الدكتور عادل الاسطة، قال مسلطا الضوء على البعد العالمي للشعر ان “سؤال موت الشعر طرح في ثمانينيات القرن الماضي في فرنسا، اذ لم يعد يطبع من اي ديوان اكثر من الف نسخة، يومها شاعت العبارة انهم يدقون اخر مسمار في نعش الشعر، ولكن هناك شعراء جدد اثبتوا مكانة معتبرة لشعرهم، فقبل عشرين عاما كتبت شاعرة المانية هي اولا هان قصائد لقيت اهتماما وترحيبا وطبعت اعمالها ووزعت توزيعا جيدا”.
واضاف الاسطة “لا اظن ان الشعر يموت ولكنه قد يذوي ويخفت، ولكن سيظل هناك شعراء يفاجئون القراء، هناك قصائد جميلة واصوات شعرية لافتة عندنا، منها تميم البرغوثي مثلا، صحيح اننا لا نقرؤه ولكننا نصغي اليه، وفي فرنسا استعيض عن طباعة الشعر باحياء امسيات شعرية في الربيع”.
الشعر في مواقع التواصل الاجتماعي
من يتابع مواقع التواصل الاجتماعي كفيسبوك وتويتر وغيرهما يلاحظ بوضوح تداول الشعر العربي قديمه وحديثه من قبل المشاركين العرب في هذه المواقع، ففي موقع تويتر -على سبيل المثال- تبرز صفحة “ادب” باكثر من مليوني متابع، وتنشر من الشعر القديم والحديث ما ينال اعجاب المتابعين وتفاعلهم.
وفي موقع التواصل الاجتماعي تبرز صفحات تلقى رواجا بين المتابعين، وتعتني بنشر مختلف فنون الشعر العربي التقليدي، والذي يحوز على تفاعل رواد هذه المواقع على سبيل المثال لا الحصر صفحة “غزليات” المهتمة بنشر فنون الغزل الشعري، وصفحة “هجائيات” المهتمة بنشر هذا الباب من الفنون الشعرية.
وفي سياق اخر، يبدو ان وسائل الاعلام الحديثة كان لها دورها في تقريب الشعر للقارئ العربي المعاصر، والذي يميل الى المرئي والمسموع اكثر من المقروء، وهنا تبرز تجربة الشاعر تميم البرغوثي على قناة “AJ+”، حيث تنشر القناة بعض قصائده في يوتيوب وفيسبوك مصحوبة برسوم متحركة والقاء شعري له، مما يضفي على الشعر حياة ومواكبة لوسائل التواصل الاجتماعي الحديثة التي بات الجمهور المعاصر معتادا عليها.
جوائز ومسابقات
والى جانب ذلك، تقوم بعض المؤسسات الرسمية وغير الرسمية برعاية مسابقات وجوائز شعرية دورية، منها على سبيل المثال جائزة “كتارا” السنوية لشاعر الرسول -صلى الله عليه وسلم- التي تسعى كما جاء في موقعها الرسمي الى “ان تكون رائدة ومتميزة على مستوى العالم، كما تسعى لان تكون صرحا لنشر الشعر الفصيح والشعر النبطي، وان تصبح كتارا منصة ابداعية جديدة في تاريخ الشعر العربي، وحافزا دائما لتعزيز الابداع العربي ودعم الحركة الادبية والثقافية في مختلف ارجاء الوطن العربي”.
كما برز برنامج “امير الشعراء” وهو -كما جاء في موقعه الرسمي على شبكة الانترنت- “برنامج تلفزيوني تنظمه لجنة ادارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية بابو ظبي”، كما تم تعريفه في الموقع نفسه بانه “مسابقة ادبية في مجال الشعر العربي الفصيح”.
هذا الى جانب جائزة الامير عبد الله الفيصل للشعر العربي، وقد جاء تعريفها في موقع ويكيبيديا بانها “جائزة عالمية اعلن عنها الامير خالد الفيصل في نوفمبر 2018 تحت اشراف اكاديمية الشعر العربي بجامعة الطائف في المملكة العربية السعودية، وتمنح للشعراء العرب لتحفيز وتنمية الابداع الشعري”.هل دُق المسمار الاخير في نعش ديوان العرب ام ان الشعر العربي باقٍ؟