اخبار اليوم الصحيفة, “عرس القران” بالمغرب.. اخبار اليوم الصحيفة, “عرس القران” بالمغرب..
رحلة ليست بالهينة قد تمتد لسنوات، يقضيها الطالب المغربي في حفر كلام الله على جدران ذاكرته، ليزف بعد ذلك في حفل يسمى “عرس القران” يحضره الاهل والاقارب والجيران، ويشمل عديد من مظاهر الفرح كانشاد المدائح وركوب الخيل، تتويجاً له واحتفاءً به على حفظ القران الكريم.
وتنتشر هذه الاعراس في الكثير من الاقاليم المغربية لاسيما في اقليم تنغير (وسط)، الذي بات قبلة لطلبة القران يفدون اليه من كل صوب، وهناك تستضيفهم الاسر المحلية وتوفر كل ما يحتاجونه من ماكل ومشرب واقامة حتى انتهاء رحلتهم.
** محطات يومية
“محمد امسعود” شاب مغربي (23 عاماً)، ينحدر من مدينة “قلعة مكونة” التابعة لاقليم تنغير، لم يسبق له ان التحق بالمدرسة.
وفي عام 2010 بدا يذهب الى المسيد (الكُتَّاب) لتعلم الحروف وحفظ القران ليصل الى مبتتاه بعد 3 سنوات.
ويروي محمد، للاناضول، كيف كانت رحلته مع القران الكريم فيقول: “رحلة التعلم وحفظ القران تبدا مع صلاة الفجر الى غاية الـ11 صباحا؛ حيث يختار بعض الاطفال والشباب ان يرتاحوا الى غاية صلاة الظهر، واخرون يستمرون في الحفظ، ثم نستانف بعد صلاة العصر الى غاية الليل”.
ويضيف ان “هذا الامر يتطلب مجهودا كبيرا، خصوصا بالنسبة للذين لم يسبق لهم ان التحقوا بالمدارس”.
بعد اتمام حفظ القران سافر محمد الى مدينة اغادير (وسط) لمتابعة دراسته في احدى مدارس التعليم العتيق (الديني التقليدي)، ليشد الرحال من جديد الى مدينة تنجداد (وسط) بمدرسة عتيقة انطلاقا من المستوى الخامس، والان يتابع دراسته في المستوى التاسع.
ويعتبر محمد واحدا ضمن عدد كبير من شباب المنطقة الذين حظوا في صغرهم بفرصة الالتحاق بالمساجد والكتاتيب لحفظ القران.
** الرتبية
ويخشى الطلاب الوافدون من مناطق بعيدة تحدي توفير الماكل والمسكن في رحلة حفظ القران، لكن سرعان ما تتبدد مخاوفهم، بمجرد ان تطا اقدامهم المسيد.
ويوضح محمد اوزيغمت، احد المكلفين بتحفيظ القران في مدينة تنغير، ان اسر الدوار (الريف)، وكذلك عدد من الاسر في المدينة تتكفل بماكل ومسكن طلاب القران، الذين ياتون من مناطق بعيدة، وهو العملية التي يطلق عليها “الرتبية”.
ويضيف: “نواحي المنطقة معروفة بهذه الظاهرة؛ حيث تستضيف اسرة واحدة شابا طيلة فترة حفظه للقران، وفي مدينة تنغير تتكفل كل اسرة بطالب ليوم واحد في الاسبوع، اي ان 7 اسر تتكفل بطالب واحد طيلة الاسبوع”.
وحسب اوزيغمت، فان برنامج الطلاب في تنغير يبدا من الفجر؛ حيث يتم كتابة سور من القران على اللوح (خشبة تستعمل للكتابة)، ويتم محوها بعد انتهاء عملية الحفظ، ثم يحين موعد تناول وجبة الفطور، لتنطلق من جديد عملية الحفظ الى غاية الساعة 11 صباحا، ويستفيد الطلاب من استراحة الى غاية صلاة الظهر.
ويتابع المحفظ المغربي “يقرا الشباب الالواح مجددا، الى غاية صلاة المغرب، وبعد الصلاة يحتسي الطلاب الشاي”.
وعن المدة التي يستغرقها الطالب في اتمام حفظ القران، يقول اوزيغمت انها تستغرق عامين او اكثر، وتختلف من طالب الى اخر، الا ان البقاء في مكان واحد يسهل المهمة، على عكس بعض الطلاب كثيري التنقل.
ويوضح ان “عددا من الاطفال والشباب ينقطعون عن الدراسة بسبب بعد المؤسسات التعليمية عن منازلهم خصوصا في البوادي (الارياف)، او صعوبات اخرى؛ مما يجعل اسرهم تشجعهم على حفظ القران”.
ولفت الى ان “ظاهرة حفظ القران منتشرة باقليم تنغير؛ حيث تجد احيانا 3 او 4 افراد من الاسرة الواحدة حافظين لكتاب الله”.
** ختامها مسك
الا ان مشقة الرحلة تمحيها لذة الوصول؛ فما ان يتم الطالب حفظ كتاب الله حتى يتوج في “عرس القران”، الذي يجرى تنظيمه بشكل فردي او جماعي، حيث يتم تنظيم هذا العرس من طرف القبيلة او الجمعيات بالاضافة الى مساهمة الاسر.
ويعرف العرس ركوب الخيل وقراءة اسماء الله الحسنى وقراءة القران، اضافة الى وجبة الغذاء.
ويقول اوزيغمت ان هذا العرس ياتي كمحصلة لسنوات من الحفظ، وكرسالة من الاسر مفادها ان حفظ القران انجاز عظيم يستوجب الاحتفاء به؛حيث يتم الاعداد له وارسال دعوات للضيوف واعداد الماكل والمشرب.
بعد رحلة الحفظ، ينتقل عدد كبير من هؤلاء الشباب الى مدن اخرى من اجل امامة المساجد او الاشراف على الكتاتيب القرانية، او الانخراط في اعمال حرة اخرى، وقلوبهم عامرة بكتاب الله.“عرس القران” بالمغرب.. مسك الختام لرحلة حفر ايات الله بالذاكرة