queenarwauni

مقهى ثقافي في سجن مغربي.. تاهيل السجناء بالمعرفة

اخبار اليوم الصحيفة, مقهى ثقافي في اخبار اليوم الصحيفة, مقهى ثقافي في

يتابع المغربي كمال (اسم مستعار) بانتباه واهتمام جلسات الجامعة الخريفية التي احتضنها السجن المحلي في مدينة سلا بضواحي الرباط، ويستعد كمال -وهو سجين طالب- للتسجيل في الماجستير بعدما حصل على الشهادة الجامعية في القانون اثر انتسابه لكلية الحقوق من داخل السجن، حيث يقضي عقوبة 25 سنة حبسا.
ويحرص كمال على قضاء مدة محكوميته -التي مضت منها خمس سنوات- في المشاركة في مختلف الفعاليات الثقافية والفكرية التي تنظمها المندوبية العامة لادارة السجون واعادة الادماج، وفي استكمال مساره التعليمي وتعلم حرفة جديدة.
واصبحت الانشطة الثقافية امرا مالوفا داخل السجون المغربية بعدما قررت البلاد اطلاق دينامية جديدة في المؤسسات السجنية بانسنتها وجعلها مكانا لتهذيب السجناء واصلاحهم وتاهيلهم للاندماج في المجتمع بعد انتهاء فترات محكوميتهم.
ونظمت المندوبية العامة للسجون الجامعة الخريفية في نسختها السابعة بالسجن المحلي بسلا في الاسبوع الاخير من سبتمبر/ايلول الجري بمشاركة مئتي طالب سجين، من بينهم ثلاثون طالبة سجينة ومحكومون في قضايا الارهاب.
وكان “ظاهرة العود.. اية حلول؟” موضوع جلسات الجامعة التي استمرت يومين، تبادل خلالها النزلاء القادمون من مختلف سجون البلاد النقاش مع اساتذة جامعيين وخبراء وحقوقيين وفاعلين مدنيين بشان الظاهرة، مقترحين الحلول واليات مواجهتها.
وخلال السنوات الثلاث الماضية تناولت هذه الجامعة في مختلف دوراتها قضايا متنوعة ذات ابعاد اجتماعية وقانونية وثقافية وحقوقية مثل الصورة السجنية ومفهوم الادماج، وتقوية القدرات الابداعية للسجناء، والتاهيل الروحي للسجناء وغيرها.
“من الصعب تقبل الحياة في السجن” يقول كمال للجزيرة نت بشيء من المرارة والحسرة، مضيفا “اصعب ما يعذبني الاحساس بالذنب والاشياء التي افتقدتها كالاسرة والعلاقات الاجتماعية”، وللخروج من هذه الهواجس انغمس كمال في الحياة الثقافية والرياضية والتعليمية داخل السجن من اجل التاقلم مع ظروفه الجديدة.
ويعتبر هذا السجين الخمسيني ان التواصل المباشر مع اصحاب الراي والمثقفين والخبراء بمثابة نافذة يطل من خلالها على ما يقع خارج اسوار السجن من تغيرات على مستوى الافكار والسياسات، وفرصة “يستمع الينا المفكرون والمثقفون، فنحس بجدوى وجودنا وقيمتنا كمواطنين ونستعيد الانتماء للمجتمع”.
المعرفة من اجل المستقبل
وهي تحمل ثقل عشرين سنة حبسا في سجن ايت ملول (جنوب) تمضي وفاء (اسم مستعار) قدما في طريق بناء شخصيتها الجديدة وعينها على يوم حريتها، امضت ثماني سنوات في السجن نالت خلالها البكالوريوس في القانون والماجستير في المنظومة الجنائية والحكامة الامنية.
وتشارك هذه السجينة الثلاثينية في الجامعة الخريفية بسجن سلا بحماس كبير، فهذه الفعاليات -كما تحكي للجزيرة نت- تجعلها ترى العالم الخارجي، وتساعدها عل تطوير ذاتها وتمنحها املا في حياة افضل بعد الافراج.
وتتشوق وفاء التي تكتب الشعر والزجل والقصة القصيرة لحضور جميع الانشطة الثقافية داخل السجن بعد ان جعلت الماضي خلف ظهرها، وتقول ان “الماضي قد مضى، وعلينا العمل على تطوير انفسنا ومعارفنا لنكون لائقين بالمستقبل”.
وليست فعاليات الجامعة -التي تنظم مرتين في السنة- وحدها وسيلة تثقيف السجناء ونشر المعرفة في اوساطهم، بل هناك انشطة اخرى مثل المقهى الثقافي، وهو اول تجربة اطلقتها الادارة العامة للسجون واعادة الادماج وتقوم على دعوة مثقفين وادباء وشعراء للسجن لتقاسم ابداعاتهم ومعرفتهم مع النزلاء.
ويقول كمال الذي شارك في دورات المقهى بالسجن المركزي في القنيطرة ان السجين عطش لما هو ثقافي، لذلك يتفاعل بشكل كبير مع اللقاءات الثقافية، ويستعد لها جيدا بقراءة الكتاب موضوع التقديم ليكون في مستوى النقاش مع الضيوف.
حفاوة في السجن
وكان الكاتب والروائي ياسين عدنان واحدا من المبدعين الذين استضافهم هذا المقهى الثقافي، حيث قدم ووقع روايته “هوت ماروك”، ويستذكر عدنان تلك اللحظة ويقول عنها للجزيرة نت ان “اخر مكان يمكن ان يتوقع فيه المرء حفاوة الاستقبال هو السجن، لكن هذا فعلا ما حصل”.
ويضيف ان الملاحظات والاسئلة التي طرحت عليه في هذا اللقاء الثقافي “كانت جادة وعميقة واحيانا مربكة، اكثر من عشر مداخلات، المشترك بينها هي انها صدرت جميعها عن قراءة للعمل، قراءة عميقة تجاوزت الحكاية الى الخلفيات وابعاد الشخصيات، وتجاوزت ظاهر الكلام الى ما وراء السطور، كانت فعلا هذه الندوة من المناسبات النادرة التي شعرت خلالها بان الحضور كله تقريبا قد قرا العمل ويناقشه من الداخل، بل ويقف عند ادق تفاصيله”.
ياسين عدنان الذي خاض التجربة وتاثر بها يعتقد ان ادباء هذا البلد وفنانيه مقصرون في حق نزلاء المؤسسات السجنية، متسائلا “لم لا نرسخ تقليد زيارة السجناء ونماسسه قدر الامكان؟ هكذا فقط سنساهم جميعا في انسنة الفضاء السجني”.
مفهوم جديد للعقاب
ودورات الجامعة الخريفية والربيعية هي جزء من البرامج الادماجية والتاهيلية التي تضعها الادارة العامة للسجون لفائدة النزلاء، والهدف منها -وفق مدير العمل الاجتماعي والثقافي لفائدة السجناء واعادة ادماجهم مولاي ادريس اكلمام- اعطاء الفرصة للسجناء الجامعيين لمناقشة مواضيع ذات الصلة بالشان السجني مع فعاليات المجتمع من مسؤولين مؤسساتيين واساتذة جامعيين، وذلك على غرار الانشطة الطلابية التي تشهدها الجامعات خارج اسوار السجن.
ويوضح اكلمام ان العمل الثقافي في السجن من مقاهٍ ثقافية ونقاشات جامعية وعروض مسرحية ومعارض للفنون التشكيلية وغيرها ينشد اعطاء العقوبة السالبة للحرية مفهوما جديدا يروم التاهيل والادماج والتقويم وليس العقاب فقط.
ويلمس المشرفون على السجون تغيرا لدى المشاركين في مختلف تلك الانشطة بين اول يوم لهم في السجن وبين لحظة خروجهم.
ووفق اكلمام، فهم يدخلون محملين بصورة نمطية عن السجن ليفاجؤوا بان هذه المؤسسة خلافا لما هو سائد في الخارج هي مكان تاهيل وادماج وتكوين وحفظ الحقوق والكرامة فيغادرون اسوار السجن ولديهم امل في بناء حياة جديدة والمصالحة مع ذواتهم ومجتمعهم.مقهى ثقافي في سجن مغربي.. تاهيل السجناء بالمعرفة

Scroll to Top