اخبار اليوم الصحيفة, قرى خالية منهن.. اخبار اليوم الصحيفة, قرى خالية منهن..
هل يتصور انسان في جوفه قلب يتحرك ان يقتل ابنته المولودة حديثا؟! للاسف نعم، ففي المجتمع الهندي ولادة البنت غير مرغوبة في عدد من المناطق، لذلك هناك قرى عديدة خالية من البنات مطلقا، ومنها مديرية ماهندرغره في ولاية هاريانة بجوار دلهي حيث توجد نحو 70 قرية من هذا النوع.
ونسبة الاناث مقابل الذكور في هذه المديرية تقل عن 500 بنت مقابل 1000 ولد في بعض الاماكن، وذلك بسبب قتل البنات قبل ولادتهن او بعدها مباشرة بحسب تقرير نشرته صحيفة “تاتمر اف انديا” الهندية بتاريخ 2015/1/23.
وفي مديرية اتركاشي بولاية اتراكند اقصى شمال الهند حيث ولد 216 ولدا في 132 قرية، لم تكن بينهم بنت واحدة، ولا تختلف مديرية جيسلمير بولاية راجستان عنها، حيث تم في ثلاثة تجمعات اهمال 54 بنتا حتى الموت خلال السنة الماضية، بحسب ما نشرته شبكة نيوز 18 (تي وي شينل) بتاريخ 22 يوليو/تموز2019.
احصائيات حكومية
وفقا لبيانات التعداد السكاني لعام 2001 كانت نسبة الذكور 51.74% والاناث 48.26%، في حين سجل ارتفاع بسيط لصالح البنات عام 2011 حيث بلغت النسبة 48.45%.
هذه النسبة الاجمالية لا تعكس الوضع المقلق، حيث تقارن احصائيات مجلس التخطيط الوطني الوضع بين عامي 2007 و2015، وهنا نذكر احصائيات خمس ولايات عدد البنات فيها اقل من 900 بالنسبة لكل 1000 ولد، وهذا الفارق ليس بالامر البسيط في منظور الجهود الحكومية لرفع نسبة البنات في البلاد كون نسبتهن انخفضت دون ان ترتفع:
– دلهي: كان فيها 871 بنتا عام 2007، واصبحن 869 عام 2015.
– غوجرات: كان فيها 891 بنتا، واصبحن 854.
– هاريانا: كان فيها 843 بنتا، واصبحن 831.
– راجستان: كان فيها 865 بنتا، واصبحن 861.
– اترا براديش: كان فيها881 بنتا، واصبحن 879.
اضافة الى ذلك، شهدت ولايتا “دامن وديف” و”دادرا وناغرحاويلي” هبوطا حادا في عدد المواليد الاناث سنويا من 92 بنتا عام 2001 الى 38 عام 2011.
كما ان ولاية جامو وكشمير ايضا من بين الولايات التي قل فيها عدد البنات من 892 عام 2001 الى 889 عام 2011، ورغم ان العدد لم ينخفض الا بثلاث ولادات فانه يستحق الاشارة اليه.
اسباب الظاهرة
ظاهرة عدم الترحيب بولادة البنات تعود لاسباب عدة اجتماعية وثقافية واقتصادية، كما ان الفكرة التقليدية البالية التي لا تهمها كرامة النساء تفرق بين الذكر والانثى، وذلك على اساس ان الولد الذكر ينفع الاسرة ويكسب المال ويساهم في المسؤوليات الاسرية والاجتماعية، في حين تكلف البنت ذويها مسؤولية نفقاتها المالية منذ ولادتها الى مرحلة زواجها، وهي مرحلة صعبة في الوضع الاجتماعي الحالي.
ولم تستطع النهضة العلمية والثقافية الحديثة اقتلاع جذور هذه الفكرة القديمة في المجتمع الهندي، كما ان القصور في تنفيذ القانون يلعب دورا مهما في فشلها.
هكذا يقتلون البنات
“يجعلون الرمل او الماء الحار او الافيون في فم المولودة، موظفو الصحة في المستشفيات يعلمون ذلك، ولكنهم لا يخبرون السلطات العليا لانهم يخافون على انفسهم، وهم يعيشون في القرية نفسها”.
هذا ما يشكو منه بوم سينغ باتي الذي يقود الحملة التوعوية في 40 قرية من مديرية جيسلمير بولاية راجستان، وهي ولاية تقتل فيها 2500 بنت يوميا، وفقا لمعلومات غير رسمية نقلها شبكة “اين دي تي في” الاخبارية الهندية من مصادرها الميدانية.
“انقاذ بنت.. تعليم بنت”
بدات الحكومة الهندية حملة خاصة لمكافحة الوضع الحالي قبل خمس سنوات تحت شعار “انقاذ بنت.. تعليم بنت” لرفع الوعي العام في البلاد، لكن الوضع لم يتغير الا بنسبة بسيطة، ولم تنجح الحملة في معظم المناطق المعنية بها.
وانجزت وزارة رفاه النساء والاطفال تقريرا قبل سنتين يقارن الوضع بين موسمي 2015-2016 و2016-2017.
ويظهر التقرير نتائج متباينة، لكنها ليست صورة مشجعة، فمثلا ولاية دلهي لم تظهر نتائج مثبتة، الا ان خمسا من سبع مديريات اظهرت هبوطا في نسبة الاناث مقابل الذكور، وكذلك الحال في خمس مديريات بولاية اترابراديش.
وقال سكرتير الوزارة ان “المديريات التي اوكلت الاعتناء بالحملة لحكامها فقط لم تتمكن من تحصيل نتائج مقنعة، ولهذا بعثت رسالة الى رؤساء سكرتارية تلك الولايات لينتبهوا لهذا الامر”.
واضاف ان ولايات هاريانة وبنجاب وجامو وكشمير ودلهي وغوجرات وراجستان واتراكند تحتاج الى عناية خاصة في هذا الشان.
وجه اخر للجهود الحكومية
لدى حكومات الولايات برامج تشجيعية مختلفة، ومنها المنح المالية للبنات في مراحل مختلفة، فمثلا تمنح حكومة راجستان 2500 روبية عند ولادة البنت، ومبلغا مماثلا بمناسبة عيد ميلادها الاول، كما تقدم منحة تعليمية بقيمة 5000 روبية مع نهاية الصف الخامس، و35 الفا مع نهاية التعليم الثانوي.
وفي بعض الولايات تمنح الحكومة مساعدة مالية بمناسبة زواج البنت، وتعقد حفلات زواج جماعية للاسر الفقيرة.
مشاكل وتحديات
هذا الخلل الديمغرافي يسبب مشاكل وتحديات اجتماعية، اهمها قلة العرائس، وهذه المشكلة بدات في بعض المجتمعات، مما ادى الى تعدد الازواج للزوجة الواحدة في بعض الولايات الهندية بسبب قلة الاناث، اضافة الى انتشار الجرائم الجنسية ضد الاناث.
كما ان الزواج عبر الاقاليم والزواج بين الديانات والمجتمعات ازداد في الاونة الاخيرة، خاصة في ولايتي هاريانا وراجستان، حيث ان الشاب المرفوض محليا يتوجه الى الولايات البعيدة مثل بنغال الغربية واسام واوديشا ليجد لنفسه “عروسا”.
ورغم ان هذا الزواج لا يطابق التقاليد الاجتماعية والدينية وقد يهدد الحياة الزوجية لاسباب معروفة فان هذا الوضع يؤثر على سن الزواج، خاصة عند الشباب الذين لا يجدون عرائس في مجتمعهم.
مواجهة المشكلة
الباحثة روكماني (من دلهي) -التي تحضر رسالة الدكتوراه في مركز “ساروجني نائيدو” للدراسات النسائية بجامعة ملية الاسلامية في نيودلهي- تقول ان “المشكلة ليست بسبب قلة التعليم او الفقر، وانما بسبب عقلية الناس وافكارهم السقيمة”.
اما السيدة شاغفته شاهنواز -التي تعمل في مركز “ساروجني نائيدو” وتدير منظمة غير حكومية- فتقول ان “الوضع الحالي يحتاج الى عناية الحكومة، كما يحتاج عامة الناس الى الوعي الشامل وتطبيق القانون في المجتمع، واي قصور في ذلك يحول دون حل المشكلة”.
وتضيف شاهنواز ان المشكلة متعددة الاسباب، وان الحلول تقتضي تضافر جهود جميع الجهات الحكومية والاجتماعية والقانونية والتوعوية.
المصدر : الجزيرةقرى خالية منهن.. “واد البنات” ظاهرة مستمرة في الهند