اعلى-من-حقبة-ما-بعد-الحربين-العالميتين.-ازدياد-نسبة-القلق-والاكتئاب-في-العالم

اعلى من حقبة ما بعد الحربين العالميتين.. ازدياد نسبة القلق والاكتئاب في العالم

اخبار اليوم الصحيفة, اعلى من حقبة اخبار اليوم الصحيفة, اعلى من حقبة

تبيّن تقارير صادرة من برنامج الامم المتحدة الانمائي وارقام منشورة من دراسات مختلفة ارتفاع مستوى القلق والاكتئاب العالميّ، وازدياد مؤشرات الخطر على جودة الصحة النفسية في اغلب الدول، مع انخفاض مستويات الثقة وازدياد الاضطرابات.
هنا بعض الارقام والمؤشرات التي تُبين كيف تغيّرت نظرة الناس الى انفسهم والعالم في السنوات الاخيرة، وكيف يؤثر ذلك على شكل حياتنا المعاصرة وطريقة تفاعلنا مع بعضنا البعض.
يصدر تقرير التنمية البشرية عن برنامج الامم المتحدة سنوياً منذ عام 1990، وتركّز فكرة مؤشر التنمية البشرية على تمثيل مستوى رفاهية الشعوب، وذلك بالتاكيد على ان الافراد وقدراتهم هي المعايير النهائية لتقيم تطور بلدٍ ما، وليس النموّ الاقتصادي وحده.
يغطّي تقرير 2022 جوانب واسعة ليحدد وضع التنمية البشرية العالمية، بما في ذلك مؤشر التنمية البشرية (HDI)، الذي تتناوله التغطية الاعلامية عادةً، ويشمل عوامل الصحة والمعرفة ومستوى المعيشة، ومن ثم المقياس نفسه موزّعاً على الجنسين.
وكذلك مؤشر التنمية الجنسانيّة، ومؤشر عدم المساواة بين الجنسين، ومؤشر الفقر متعدد الابعاد، ومؤشر التنمية المعدّل بحسب مستوى ضغوط الكوكب.
وبدراسة هذه الابعاد كلها يُحذّر تقرير التنمية البشرية باننا ننحدر عالمياً الى مستوى جديد من القلق واللايقين، وان المجتمع العالمي بات يترنّح من ازمة الى اخرى متجهاً نحو مزيدٍ من الحرمان والمظالم، وقد صدر التقرير نفسه تحت عنوان “زمن بلا يقين، حياة بلا استقرار: صياغة مستقبلنا في عالم يتحول”، فكيف يؤثر هذا على الصحة النفسية للجنس البشري؟ ولماذا يقرع التقرير ناقوس الخطر؟
العالم يفقد يقينه
“نحن نعيش في عالمٍ من القلق”، بهذه الجملة قُدّم تقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الامم المتحدة الانمائي لعام 2021-2022.
وخُلص التقرير ان ازمات القلق واللا استقرار وانعدام اليقين ليست بالشيء الجديد، لكن الامر بات ياخذ بابعادِه اشكالاً جديدة تُنذر بالسوء اليوم، حتى ان التقرير يحذّر من “عقدة لا يقين” بدات علامتها بالظهور.
يحيل التقرير هذا الحال لعوامل متعددة، فهناك جائحة كوفيد19 التي ما تزال مستمرّة حتى الان، وما انتجته من انتكاسات في التنمية البشرية في اغلب البلدان تقريباً، فقد انخفضت قيمة مؤشر التنمية البشرية العالمي لمدة عامين على التوالي اثر الجائحة.
لكن مشاعر انعدام الامن كانت مرتفعة اصلاً حتى قبل انتشار الوباء، في كل مكانٍ تقريباً، اذ يشعر الكثير من الناس بالغربة عن انظمتهم السياسية، مع تفاقم التراجع الديمقراطي وانتشار الاستقطاب.
زِد على ذلك، الحروب في اوكرانيا واماكن اخرى ما رفع من مستوى المعاناة الانسانية، بالاضافة الى درجات الحرارة، والحرائق، والعواصف والفيضانات التي حطّمت رقماً قياسياً، وما تبع ذلك من ارتفاع في تكلفة المعيشة.
ولهذه الامور مجتمعة يُخشى من ظهور عقدة لا يقين جديدة، وقد اوجز الامر مدير برنامج الامم المتحدة الانمائي اخيم شتاينر بان القلق كان موجوداً منذ زمن، لكن طبقات جديدة من عدم اليقين تتفاعل الان لتخلق عقدة لا يقين جديدة لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية.
النظرة السلبية للعالم تزداد والضائقة
يوضح التقرير بان مشاعر الضيق والجنوح نحو الاكتئاب امراً بات ينتشر في كل مكانٍ تقريباً، ويستشهد بدايةً بدراسةٍ حلّلت 14 مليون كتاب، نشروا على مدى 160 عاماً، واكتشفت ازدياد “الاراء السلبية” والارتفاع الحادّ بالتفكير الاكتئابي العامّ.
الدراسة ركّزت على الكتب المنشورة ما بين عاميّ 1855 و2019، باللغات الانجليزية والالمانية والاسبانية، للبحث عن الكلمات والعبارات التي تنطوي ضمن مخططات التشويه المعرفي (CDS)، اي الكلمات التي تعبّر عن عمليات التفكير السلبي مثل “التهويل” و”التفكير الثنائي” و”استبعاد الايجابي” وغيرها من تشوّهات تظهر في لغة المصابين بالاكتئاب واضطرابات نفسيّة اخرى.
ومثلما تتسلل انماط التشوه المعرفي للغة الشخص المصاب بالاكتئاب، فيبدا يفكّر بنفسه والعالم والمستقبل بطرق مفرطة في السلبية وغير دقيقة، تدلّ هذه النتائج على ان العملية نفسها تحدث مع المجتمعات، اذ ان تعرّض السكان العام لضغوط مثل الحروب والاضطرابات السياسية والانهيار الاقتصادي وانعدام الامن الغذائي وعدم المساواة والمرض قد يدفع المجتمعات لان تصير اكثر اكتئاباً بمرور الوقت.
وفي تقرير خاص سابق صادر عن برنامج الامم المتحدة الانمائي هذا العام ايضاً، رُصِد وجود مستويات مقلقة من الشعور بعدم الامان حتى من قبل الجائحة، فقد شعر 6 من كل 7 اشخاص بعدم الامان على مستوى العالم.
كما تتدهور مستويات الثقة الشخصية بمرور الوقت، وهي الثقة الاكثر عمومية التي يعطيها المرء للاخرين بالحدّ الاساسي، اي وجود التصور بانهم لن يفعلوا شيئاً يضر بمصلحتك، اذ اعتقد اقل من 30% من الناس بان بامكانهم “الوثوق بمعظم الناس”، وهي ادنى نسبة مسجلة حتى الان.
يشير تقرير الامم المتحدة ايضاً الى ارتفاع مستويات الاستقطاب السياسي في معظم دول العالم خلال العشر سنين الاخيرة، وهو امر ضار على اصعدةٍ عدة، اذ يقلل مستويات الثقة العامة ويقسم المجتمع الى “نحن” و”هم”، ويقوّض من قدرة المجتمع على مواجهة التهديدات الناشئة.
ويسجّل تقرير الامم المتحدة ملاحظته عن الصورة المحيرة التي يقدمها هذا المؤشر وغيره، بمفارقة الارتفاع التاريخي لمستويات الرفاهية الاجمالية في المجتمعات، بمقابل نظرة الناس وتصوراتهم عن حيواتهم ومجتمعاتهم المعاصرة.
ماذا يدلّنا على انحدار الصحة النفسية العام؟
يُفرد التقرير مساحةً كبيرة هذا العام للصحة النفسية وعلاقتها بمؤشرات التنمية البشرية، فحتى لو كانت دولة ذات مؤشر مرتفع في ترتيب التنمية البشرية الا ان الضائقة النفسية تعتبر معوّقاً امام الاستفادة من هذه الميزات.
وينوّه التقرير الى الاثر الضارّ على الاطفال خاصةً، اذ يمكن ان يتسبب بتكريس عدم المساواة وادامتها في دورات الاضطراب العقلي بين الاجيال والمصاعب الاجتماعية الاقتصادية، ومنع الافراد من تحقيق امكانياتهم.
ليس من اليسير قياس مستوى “الرفاه النفسي” من عامٍ الى عام، ويكمن التحدّي في المفهوم نفسه، فهو اوسع بكثير من مجرد غياب الاضطرابات النفسية، وليس كل من يعاني من ضائقة نفسية تتطور لديه لخلل نفسي، واضف الى ذلك الاعداد الهائلة للاشخاص الذين لا يطلبون مساعدة مهنية للوصمة المرافقة او لانهم غير قادرين على الحصول على هذه الخدمات ببساطة -من بين من يحتاجون تدخلاً خاصاً لاجل الصحة النفسية لا يتلقّاها الا حوالي 10%.
ومع ذلك، حتى مع قلة المعلومات وتشظّيها الا ان المؤشرات والارقام الموجودة في اليد تدلّ على عبء الضائقة وانواع الاضطرابات النفسية بالمجمل.
عانى 1 من كل 8 اشخاص من اضطراب في الصحة العقلية على مستوى العالم، اي 970 مليون شخص، وهذه الاحصائية تعود الى ما قبل جائحة كوفيد19.
اكثر من 700,000 شخص يموتون بالانتحار كل عام، ويعتبر الانتحار ثاني اعلى اسباب الوفاة لدى الشباب ممن تتراوح اعمارهم بين 15-29.
خلال العام الاول من الجائحة، زاد الانتشار العالمي للاكتئاب والقلق باكثر من 25%، وفي دراسة استقصائية عالميّة افاد 77% من المستطلعين بمعاناتهم من الاجهاد الحادّ وقلة النوم، 59% من اضطراب القلق (anxiety)، و33% من الاكتئاب (وفقط نسبة 18% سبق تشخيصها باضطراب ذهني).
وتضاف الان الى حيوات الناس انواع جديدة من الامور التي تستدعي القلق وتتسم بانعدام الامن واليقين، ويشمل ذلك اشكال العنف بين الجماعات والافراد، والتمييز والاستبعاد وانعدام الامن الاقتصادي، والتحولات المرتبطة بالتكنولوجيا الرقمية، وفضلاً عن كل ما سبق، التغير المناخي وكل ما يحمله من عواقب فعليّة على حياة الناس بالاضافة الى القلق وعدم اليقين المصاحب لحدوثه.
ينوّه التقرير ايضاً الى اثار الحروب والصراعات، فعلى سبيل المثال، حوالي 450 مليون طفل يعيشون حالياً في مناطق صراع، اي سدس الاطفال حول العالم، وهناك 37 مليون طفل نازح وهو اعلى رقم يسجل على الاطلاق في هذا المجال.
(عربي بوست)اعلى من حقبة ما بعد الحربين العالميتين.. ازدياد نسبة القلق والاكتئاب في العالم

Scroll to Top