المقالح_-بائسة-كلمات-الوداع

المقالح: بائسة كلمات الوداع

اخبار اليوم الصحيفة, المقالح: بائسة كلمات اخبار اليوم الصحيفة, المقالح: بائسة كلمات

في تابينه للشاعر الكبير سليمان العيسى الذي غادر عالمنا يوم 9 اغسطس 2003م، كتب الدكتور عبد العزيز المقالح:
ان الذي كان قبل الوفاة
حديث الملايين
سوف يظلّ حديث الملايين بعد الوفاة
وهذا المقطع ينطبق على المقالح نفسه، فما ان اعلن عن نبا وفاته، ظهر يوم الاثنين الموافق 28 نوفمبر الجاري، حتى تناقلت وسائل الاعلام العربية الخبر، وبثته الفضائيات في نشرات الاخبار، وضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بالمراثي، وكلمات الوداع، وصوره، والدعاء لروحه بالرحمة، ساعتها تذكّرتُ قول الشاعر ابي الحسن الانباري عندما رثى الوزير محمد بن بقية، رغم اختلاف الحالين:
علوّ في الحياة وفي المماتِ
لحقّ تلك احدى المعجزاتِ
فقد حجز الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح له مكانة عالية، كفيلة ببقاء اسمه ونتاجه، وتاثيره لاجيال قادمة، فسجلّه حافل بالكثير من النقاط المضيئة، ففي الشعر هو واحد من ابرز شعراء الحداثة العربية، ومن اوائل من كتب القصيدة الحديثة في منطقة الجزيرة العربية والخليج، وفي سوح النقد الادبي له صولات وجولات، وقد اسفرت جهوده عن الكثير من الدراسات والبحوث، مارس العمل الاكاديمي لسنوات طويلة، وكان يحرص على القاء محاضرات على طلبة البكالوريوس، والماجستير والدكتوراه في النقد الادبي رغم المنصب الذي يشغله باعتباره رئيسا لجامعة صنعاء، وكذلك كان يشرف ويناقش العديد من طلبة رسائل الماجستير والدكتوراه، وكان د. حاتم الصكر واحدا من الطلبة الذين اشرف على رسائلهم خلال دراسة الصكر في جامعة صنعاء، وكنت احضر جانبا من تلك الجلسات التي بين المقالح (استاذا) والصكر (طالبا، وباحثا)، وكثيرا ما كنت مع الصكر نعجب للكيفية التي ينظّم بها المقالح وقته، ويفي بالتزاماته الوظيفية وعمله بين الجامعة، وادارته لمركز الدراسات والبحوث اليمني، واشرافه على صفحة ثقافية في جريدة (26) سبتمبر، وله زاوية بها، ومقال اسبوعي في جريدة الحياة، واخر في جريدة «الثورة»، اضافة الى كتابته مقدمات دواوين الشعراء الشباب، وله مشاركات في برامج اذاعية وتلفزيونية، ويذكر له اليمنيون انه اذاع بيان ثورة (26) سبتمبر عام 1962، واعلان النظام الجمهوري، الى جانب كل ذلك اشرافه العام على مجلة (اصوات) وقد يقول قائل: ان تلك المناصب شرفية، وهو محقّ الّا في حالة المقالح، فقد كنت اراه في مجلسه الادبي، او في منزله، يراجع (بروفات) المواد مادة مادة، وكان يبدا صباحه في مكتبه بمركز الدراسات والبحوث، وكثيرا ما كنت ارى الفقراء والمحتاجين يقفون بباب مكتبه بانتظار خروجه ليلقي عليهم السلام، ثم يوزع عليهم ما جادت به يده، فيغادرون والسنتهم تلهج بالدعاء له، وبعد ان ينهي اعماله اليومية في المركز، ينتقل لمكتبه بجامعة صنعاء، وهناك يواصل عمله، ثم ينتقل في بعض الاوقات لمكتب ثالث له في مقر الجامعة القديمة، وبعد تناول وجبة غداء سريعة في البيت، يخرج مجدّدا ليتّجه الى (المقيل) ليستقبل ضيوف اليمن، وكان كل ضيف لابدّ له من زيارة المقالح، ويكون اما في مركز الدراسات، او في واحد من بيوت احد الاصدقاء المقرّبين منه، كالاستاذين: خالد الرويشان، او محمد عبدالسلام منصور وسواهما، من الاخوة، وظل محافظا على هذا البرنامج لسنوات عديدة، لم يسافر خلال حوالي نصف قرن، بل لم يغادر (صنعاء) التي يقول عن علاقته المشيمية بها:
حين جئت الى الارض
كانت معي
وكنت ارى في حليب الصباح
بياض ماذنها والقباب
ورغم تقدّمه في السن ودخوله العقد الثامن لم يتقاعد عن العمل، ولم يتوقّف عن مزاولة برنامجه اليومي المعتاد، وفي اشدّ ظروف الحرب قساوة، وضراوة لم ينقطع عن الكتابة، والنشر في الصحف والمجلات اليمنية والعربية، حتى حين اشتد عليه المرض، وتكالبت عليه المحن، من حرب اليمن، ووفاة زوجته، وضعف سمعه، ولم ينس ان يتفقّد اصدقاءه، في كلّ مناسبة، وحين ابلغته بتكريم النادي الثقافي له ليكون الشخصية الثقافية العربية، باتفاق مجلس ادارة النادي الذي يراسه الدكتور محمود بن مبارك السليمي، وكان اخر تكريم له في حياته، فرح كثيرا بالخبر، لكنه اعتذر عن حضور حفل التكريم، وهو امر كان متوقعا، نظرا لتوقفه عن السفر، وتدهور حالته الصحية، لكنه اناب صديقه المقرّب الشاعر محمد عبدالسلام منصور، الذي تسلم درع التكريم، وقدّم ورقة في الندوة المصاحبة لحفل التكريم الى جانب د. ابراهيم السعافين، ود. سعد محمد التميمي.
واليوم ونحن نودع المقالح نستدعي قوله:
اه، بائسة كلمات الوداع
ويابسة
سلب الحزن ما كان فيها من الاخضرار
وفي مائها من حياةالمقالح: بائسة كلمات الوداع

Scroll to Top