الدراما-اليمنية.-يبقى-غياب-الرؤية-الانتاجية-المنافسة-_ام-المشاكل_

الدراما اليمنية.. يبقى غياب الرؤية الانتاجية المنافسة “ام المشاكل”

اخبار اليوم الصحيفة, الدراما اليمنية.. يبقى اخبار اليوم الصحيفة, الدراما اليمنية.. يبقى

شهدت الدراما اليمنية في السنوات الاخيرة، تطورًا كميًا بالتوازي مع نوعية بسيطة لا تُذكر، والتي لم يختف معها القصور المضطرد والمتراكم، والمتمثل في الاغراق في تجسيد الشخصيات في علاقتها بالاحداث (زمان ومكان) والفكرة والبيئة الدرامية؛ وهو امر طبيعي نتيجة محدودية وبساطة القدرات الانتاجية، والتي يقف خلفها رؤية قاصرة للاسف؛ اذ لم يولد بعد منتج يمني يفكر بانتاج عمل درامي منافس؛ فجميع المنتجين او لنقل غالبهم؛ يحرصون على تحقيق وفرة مشاهدة محلية خلال رمضان باعتباره مناسبة للفوز بحصة اعلانية محلية مُربحة على حساب تفاصيل العمل الفني، الذي يخرج مفرغًا من الجمال الفني الابداعي.
وانطلاقا من هذا يتم الاشتغال، في الغالب، على المسلسلات في وقت متاخر وبميزانية لا يمكن قراءتها عربيًا؛ ويتم معه ما يسمى باللهجة اليمنية الدارجة «كلفتة» التفاصيل؛ وبالتالي استسهال التعامل مع عناصر العمل الفني تحت ضغط عاملي الزمن وغياب الرؤية الانتاجية والاخراجية الواضحة او تجاهلها بشكل ادق؛ بينما التفاصيل هي ما يصنع جودة العمل الفني.
على الرغم من الزيادة الكمية في انتاج الاعمال الدرامية في السنوات الاخيرة، الا ان النجاح لا يكاد يذكر في هذه الاعمال مقارنة بما حققته بعض الاعمال قبل الحرب تحديدا في التسعينيات والعقد الاول من الالفية، ما يؤكد تجاهل القائمين عليها لتراكم التجربة الدرامية المحلية، والاستفادة مما قدّمته في المراحل السابقة للاسف!
قد يستغرب البعض ان اجر الممثل اليمني في دور ثاني او ثالث لا يتجاوز مئتي دولار امريكي في الحلقة في احسن الاحوال واحيانًا اقل من مئة دولار، وهذا ليس غريبًا؛ فميزانية انتاج مسلسل يمني لا توازي احيانًا ميزانية انتاج حلقة او حلقتين في مسلسل عربي معروف، علاوة ان مدة تصوير المسلسل يتم اختصارها في وقت قياسي؛ وهو ما ينعكس على التصوير والمونتاج والمكساج وغيرها، وقبل ذلك تنعكس الميزانية والوقت المتاح على توفير عناصر البيئة الانتاجية، او ما تُعرف بتهيئة مواقع التصوير؛ ومعها تهيئة الديكور والمصورين والاضاءة والصوت والممثلين وغيرها من التفاصيل وقبل ذلك التعامل المرتجل مع النص، والتي يخرج معها المسلسل بمستوى فني غير قابل للبيع في سوق العرض العربي، مع احترامنا للتطور الذي نلمسه في بعض الاعمال، لكن لو وقفنا على التطور في مجمل الـ18 مسلسلا، التي تُعرض في رمضان هذا العام، فان مساحة التطور محدودة للغاية بالمقياس العربي؛ وقبل ذلك لا تلامس عنصرًا جوهريًا في بُنية العمل الدرامي، لان ام المشاكل في الرؤية الانتاجية التي تتجاوز الوقت الكافي والاعداد اللازم ولا تراعي عدم استمرارية الانتاج طوال السنة، واقتصارها على رمضان، ولا تمتلك في الاخير رؤية لتقديم عمل منافس علاوة على ان القائمين على الانتاج في الغالب لا علاقة لهم بالعمل الفني.
ماذا بعد هذه المشكلة؟
بالتاكيد سيخضع لها المنتج المنفذ والمخرج والكاتب والممثلون وجميع عناصر العمل الفني، لانهم ينتظرون هذه الاعمال طوال السنة في ظل ظروف مالية صعبة للغاية؛ وبالتالي لا يمكنهم في الغالب رفضها او فرض شروطهم على المنتج ممثلاً في القنوات الفضائية اليمنية او غيرها من الشركات، التي تعددت خلال الحرب، واصبحت تتنافس في تقديم اعمال درامية محلية رمضانية سنويًا؛ لكن المنافسة تبقى محلية، ولا علاقة لها بمعايير الجودة عربيا في الغالب.
من ابرز الاعمال التي تقدّمها القنوات اليمنية خلال رمضان هذا العام مسلسل «دكان جميلة» في قناة «المهرية» و«خارج التغطية» في قناة «السعيدة» و«العالية» و«ارزاق» في قناة «يمن شباب» و«سر الغراب» في قناة «اليمن» التي تبث من صنعاء، وغيرها من المسلسلات بمشاركة عدد كبير من نجوم الدراما في صنعاء وعدن وغيرها من المدن.
نقدر ان قناة «العربي الثانية» تعرض مسلسل «العالية» خلال هذا الموسم، والعرض العربي لمسلسل يمني يمثل خطوة للامام؛ لكن لا يمكن اعتباره منعطفًا في مسار تطور جوهري؛ لان المشكلة ما زالت قائمة؛ وهذا التطور، الذي لا ننكره، يتحقق ببطء. وتصور معي كم نحتاج من الوقت لنصل الى ان تشتري القنوات العربية عروض المسلسلات اليمنية بالنظر الى التراكم الذي حققته هذه الدراما منذ الثمانينات؟ وهو تراكم يُفترض انها استفادت منه، وحققت، من خلاله، مركزا متقدما اقليميًا.
“دكان جميلة”
على الرغم من التطور النسبي الذي ظهر عليه مسلسل «دكان جميلة» ومسلسل «العالية» وغيره؛ الا اننا نضع ايدينا هنا على واقع الدراما اليمنية عمومًا؛ ولا نتجاوز ما تثيره سنويًا هذه المسلسلات من جدل على مواقع التواصل الاجتماعي؛ وهو جدل لا يعيبها؛ ولا يمكن التعامل معه كنقد قابل للتعامل معه كادلة تدينها، لكننا نفهم من خلاله ان هذه الدراما لم تستطع صناعة مشاهد محلي يتعامل معها بتقدير؛ وهذه مشكلة يتحمل مسؤوليتها كثيرا المنتجون والمخرجون؛ نتيجة المبالغة في التجسيد الدرامي حد التهريج في الكوميديا والتهويل في التراجيديا.
على منصات التواصل الاجتماعي، كتب وضاح الرويشان في «فيسبوك» متسائلا: “لماذا لا يمكن للشخصيات ان تكون طبيعية وتقوم بادوار طبيعية دون القيام بحركات عجيبة؟! طبعاً هناك استثناءات وهناك ممثلون يقومون بادوار جميلة، لكنهم للاسف يغرقون في الجو العام للمسلسل ما تضيع معه جودة ادائهم واجتهادهم، وحتى المشاهد نفسه يتوه عن الاحداث بسبب هذا الاسلوب الذي لم تستطع الدراما اليمنية تجاوزه حتى في اكثر الاعمال تكلفة!”.
ونحن نبسط واقع الدراما اليمنية لا يمكن ان نتجاوز القول ان الواقع السياسي غير المستقر في البلد كان له تاثيره؛ لكن لا يمكن باي حال من الاحوال تحميله كامل المسؤولية على مدى اكثر من اربعة عقود من الانتاج الدرامي.
قيود تؤرق الدراما اليمنية
وليد العلفي مخرج يمنيّ شاب؛ اخرج عددًا من الاعمال الدرامية، واخرها مسلسل «العالية» الذي يعرض خلال رمضان هذا العام. يلقي وليد بالمشكلة على كاهل كتاب القصة والسيناريو، يقول لصحيفة “القدس العربي”: «في السنوات الاخيرة طرا تقدم ملموس في التقنية والمعدات المستخدمة في الانتاج الدرامي، وبدت الصورة في الاعمال الدرامية اكثر جمالية.. لكن مع الاسف لم يواكب هذا تطوراً على مستوى القصة والسيناريو. في اليمن لا توجد كليات للدراما ولا معاهد للسينما، واغلب مَن يمتهن المجال الفني تعلّمه بالمران والممارسة الميدانية».
واضاف: “كما ان من العوائق الاكثر ازعاجًا عدم منح جهات الانتاج الخاصة تراخيص التصوير في صنعاء وكل مناطق سيطرة الحوثيين. وهي المناطق الاكثر جمالية وملائمة للتصوير، وتمثل بيئة خصبة وملائمة للانتاج؛ ولهذا يتم اختيار مواقع تصوير بديلة، ومعالجة النصوص بحيث تلائم مواقع التصوير البديلة، وهذا دفع اغلب القنوات وجهات الانتاج للعمل خارج البلاد”.
ويؤكد العلفي ان “الاوضاع السياسية والاقتصادية للبلاد انعكست بديهيًا على صناعة الدراما، واجبرت جهات الانتاج على تخفيض موازناتها، والاستمرارية بالاعمال الموسمية الرمضانية، ولهذا لم يتحسن وضع الممثل ماديًا ولم يتطور اداؤه”.
ويرى انه «لن نشهد ذلك التطور الملموس في ظل الوضع السياسي القائم؛ فالدراما تحتاج مناخًا ملائمًا لا تعترضه قيود حرية التعبير، ولا القيود الناتجة عن شح الانتاج. استقرار الدولة وعودة القانون هو ما سيضمن تطور الدراما وكافة المجالات الفنية في اليمن».
النمطية والاستسهالّ
من جانبه، يقول المخرج السينمائي اليمني، عمرو جمال، الذي حققت افلامه نجاحات عالمية اخرها فوز فيلمه «المرهقون» بعدد من جوائز مهرجان برلين، ان ماهية مشكلة الدراما اليمنية في: “النمطية والاستسهالّ، وايضا هناك نوع من التلفزيون المحلي اضر قليلا بالذائقة الجماهيرية نوعا مًا، وايضا اضر بالممثلين قليلاً، حيث ان انجاز الاعمال التلفزيونية يكون في اوقات ضيقة للغاية، وتصويرها يتم حتى اخر لحظة في شهر رمضان، هذا لا يمنح الممثلين فرصة؛ لانهم والمخرجون لا يقومون بدراسة الشخصيات وتحليلها وانجاز كتابه افضل من اجل ان يخرج العمل بصورة جيدة.
واضاف “الكتابة تكون بسرعة كبيرة جداً، ولا يتم مراجعتها. الممثلون يمثلون مباشرة، احيانًا الحلقات توزع لهم في لحظتها، والمونتاج يتم احيانًا قبل ساعات قليلة من العرض”.
ومضى قائلا: “تمثيل نمطي ولا يوجد فيه عمق في الابداع مع اغراق العمل بالكوميديا، التي انتهت موضتها منذ سنوات طويلة، ولان الجمهور لا يجد امامه غير ما يُقدم فيتابع المتاح، وبالتالي يحقق العمل مشاهدات تجعل القنوات تستسهل وتُعيد انتاج العمل بنفس الالية، وهذا ما اضر بالممثل المحلي، وبالمنتج المحلي، وانا هنا اتكلم عن الحالة العامة الغالبة، وليس الجميع”.الدراما اليمنية.. يبقى غياب الرؤية الانتاجية المنافسة “ام المشاكل”

Scroll to Top