المراة-اليمنية-في-الدراما.-افكار-خجولة-واشتغالات-_مرتعشة_

المراة اليمنية في الدراما.. افكار خجولة واشتغالات “مرتعشة”

اخبار اليوم الصحيفة, المراة اليمنية في اخبار اليوم الصحيفة, المراة اليمنية في

ما زال حضور المراة اليمنية في الدراما المحلية (عمرها اكثر من اربعة عقود) خجولًا على صعيد التعاطي الموضوعي مع قضاياها؛ اذ ان ما تتناوله ما زال محصورا في افكار هامشية، وهو بقدر ما يؤكد غياب الجراة في التعاطي الموضوعي في قضاياها الملحة يؤكد ايضا مدى تدني وعي القائمين على الانتاج باهمية تقديم الواقع، بما فيه معاناة النساء، التي تكرّست خلال الحرب، ونحن هنا لا ندعو المنتجين للتعاطي مع القضايا المسكوت عنها كتابوهات كما قد يبدو لهم؛ بل للتعاطي مع القضايا التي يعايشها المجتمع بشكل يومي وواضح سواء في الريف او المدينة؛ وهي المعاناة التي تتكرس في محدودية حضور المراة في العمل الدرامي كتابة وغيابها ربما تصويرا وصوتا واضاءة واخراجا وادارة انتاج…الخ مقابل حضور مقبول نسبيًا كممثلة.
طرحت منصة (نسوان فويس) «المراة اليمنية في الدراما…الواقع والتحديات» عنوانا لنقاش، الخميس الفائت، عبر تطبيق زوم، الذي شارك فيه عدد من الاسماء قدموا مداخلاتهم في هذا السياق؛ وهي مداخلات في معظمها لم تلامس الابعاد الجوهرية لاشكالية المراة اليمنية في علاقتها بالعمل الابداعي والفني التمثيلي تحديدًا (حضورها كقضية ومشاركة في العمل) والذي يعاني من اشكالات عديدة تعوق تقدمه، وتحصر حضوره في هوامش محدودة؛ وخاصة الدراما التلفزيونية؛ وان كان ثمة مداخلات اقتربت من قعر المشكلة كمداخلتي الاكاديمية بلقيس علوان والفنانة امل اسماعيل.
تعاني الفنون في اليمن، وتحديدا التمثيل من مشاكل لا حصر لها، واهمها افتقادها لبنية تحتية ملائمة ابرزها العمل المؤسسي الذي يتعامل مع عناصر العمل التمثيلي بوعي يُنشد التجديد والتطوير والاشتغال الاحترافي (التنافسي) مع العناصر الفنية من كاتب وسينارست ومصور واضاءة وصوت وملابس واخراج وانتاج.
وبموازاة ذلك فكرة وقضية وسيناريو ورؤية انتاجية، وقبل ذلك تدريب وتاهيل، وهي كلها تتطلب اشتغال مدروس على الاداء التمثيلي الخاص بالشاشة الصغيرة، بما يعزز من حضور هذا الفن في اشتغاله على الواقع، وتطلعه للمنافسة عربيًا.
وفي هذه النقطة قد ينبري احدهم ليقول: ترتكز تلك المهمة بدرجة رئيسية على الكاتب. وهنا نوضح ان الرؤية الانتاجية تفرض نفسها في اختيار القضية، وطريقة الاشتغال واسلوب المعالجة، وهو ما يفرض نفسه على رؤية المخرج التي تمارس بعض سطوتها ايضًا على النص، وبالتالي يتم افراغ النص الذي تمت الموافقة عليه من مفاعيل قوته احيانًا. اذ ان نصوصا كثيرة لا يتم قبولها كونها تتعامل مع قضايا موجعة وتصطدم بثقافة المجتمع؛ وخاصة ما يتعلق بقضايا النساء، ما يكرّس من الحضور الخجول لقضايا المراة في الاشتغالات الموضوعية للدراما اليمنية؛ وهو ما اشارت اليه بلقيس علوان؛ اذ ان معاناة المراة اليمنية تزداد تعقيدا يومًا بعد اخر، وتتعدد عناوينها، حتى تكاد تتجاوز ما كان عليه واقع معاناتها في القرن الماضي بكثير، وهذا امر طبيعي مع تطور ما يحيط بالمجتمع وزيادة تعقيدات الحياة، اضافة الى ما انتجته الحرب من معاناة نجد فيها المراة اليمنية في مقدمة مَن يدفعن ثمن هذه المعاناة؛ باعتبارها الام والزوجة والابنة والاخت؛ فارتفعت مؤشرات النساء المعيلات للاسر؛ والزواج المبكر، والزواج بالاكراه، والحمل المبكر، والعنف الاسري والزوجي وغيرها من اشكال العنف، والتسرب من التعليم، والطلاق، والوفاة المبكرة نتيجة قصور الخدمات الصحية، والعجز عن الوصول اليها في ذات الوقت، وما يتعرضن له من اجحاف في توزيع الارث والحصول على الوظيفة والترقي الوظيفي، وغيرها من القضايا التي تتجلى بوضوح في ملفات الشرطة وسجلات المحاكم، التي يمكن من خلالها التعرف الى اي مدى صارت معاناة النساء في اليمن، وفي المقابل ما زالت المراة هناك على الرغم من كل ذلك تسطر قصص نجاح باصرار وتحدي منقطع النظير. هذا الواقع بشقيه يكاد يكون غائبًا في اشتغالات الدراما، التي ما زالت تقدم المراة (زوجة واخت وابنة وام) في مساحات محدودة وباساليب مرتعشة تمتنع معها من الاقتراب من المناطق الحيوية من قضاياهن، او كما قالت احدى المشاركات ان المنتجين يتجنبون قبول نصوص تتعامل مع قضايا النساء ذات العلاقة براهن المعاناة خوفًا من الاصطدام بتقاليد المجتمع؛ ولهذا يستمرون في تكريس حضور المراة في مساحات ليست محورية في سياق السيناريو، او كما قالت الممثلة امل اسماعيل؛ فالاعمال الدرامية اليمنية هي اعمال مناسباتية رمضانية، ومثل هذه الاعمال يحكمها تقليد او رؤية الفها المنتجون؛ وهي ان تكون هذه الاعمال كوميدية تُسلي الجمهور؛ وبالتالي يتردد المنتج في قبول اعمال تتناول قضايا اشكالية؛ وخاصة ذات العلاقة بالمراة، وتؤكد امل اسماعيل ان حضور المراة اليمنية في الدراما يكاد يكون معدومًا كقضية محورية للمسلسل، كما تعتقد ان الدراما اليمنية لم تقدم حتى الان، مسلسلًا يتمركز في بطولته وقضيته على امراة او قضية نسائية محورية، بما فيها قصص النجاح؛ «فجميع المسلسلات الرمضانية تتعامل مع قضايا المراة على استحياء» تقول.
في سياق مناقشتنا لهذه الاشكالية او لنقل محاولة الاقتراب من اهم اسبابها؛ متجاوزين مرحلة الحرب الراهنة الى ما قبلها، فربما سنركز على رؤية المنتج، التي تنحصر في اعمال رمضانية يرى انه من الضروري ان تكون مسلية وبسيطة، وبسيطة تعني بالنسبة لهم ان تكون خفيفة الوزن لا تثير اي ردود فعل اشكالية، ويستدعون في ذلك تجارب مختلفة تسببت فيها ثقافة المجتمع في ايقاف عرض بعض الاعمال كتكرار عرض مسلسل «حكايات دحباش» وايقاف عرض مسلسل «الطاهش» بعد الانتهاء من انتاجه، وغيرهما؛ وهي محاذير تكرّست خلال الحرب التي زادت معها الخطوط الحُمر.
كما يرتبط الامر بمدى وعي المنتج بمعاناة ومشاكل النساء وقصص نجاحهن؛ وهو وعي متدني لا يتيح له تمكين هذه المعاناة بوجوهها المختلفة من الظهور على الشاشة ولو باساليب ذكية؛ فالاصطفاف مع قضايا النساء يتطلب وعيا ليس بالهين؛ لانه يتجاوز ارثا ثقيلا من التقاليد البالية؛ وبالتالي من الطبيعي ان يبقى حضور النساء في الدراما اليمنية محدودًا، مع عدم انكار بعض التقدم البسيط، الذي كان قد تحقق في تجربة التلفزيون الحكومي، والذي قدم اعمالا تُحسب له على صعيد قضايا النساء مقارنة بمرحلته، ومن هذه الاعمال مثلا، مسلسل «المهر» عام 1989 ومسلسل «حكاية سعدية» عام 1994م، وغيرها من الاعمال التي يمكن القول انها تجاوزت بكثير ما قدّمه القطاع الخاص خلال العقدين الاخيرين؛ ربما لان رؤية المنتج تجاه النساء في الفترة الاخيرة ما زالت دون تمكينه من الاصطفاف معهن في مواجهة معاناتهن؛ فوعيه يجعله يتردد في مواجهة ما يعتبره تقاليد المجتمع، وربما خوفًا (مبالغ فيه) من اي رد فعل قاصر عن استيعاب ما وصلت اليه معاناة النساء في المجتمع اليمني؛ اذ اعتاد المجتمع على ابقاء النساء في الظل، وربما لا يعرف القائم بالانتاج ان الدراما تتحمل جزءا من مسؤولية تكريس هذا الوعي المجتمعي القاصر في علاقته بالنساء.
وهذا الوعي للاسف يسيطر على رؤية المنتج؛ الذي هو في الغالب يريد عملا يحقق عائدا اعلانيا مناسباتيًا مجزيا؛ وبالتالي تكرّست فكرة الاعمال الخفيفة المسلية؛ وان كانت ارتقت مؤخرا لتناوش بعض الافكار التراجيدية؛ لكنها لم تتجاوز الدائرة نفسها في علاقتها بالنساء.
كما ان حضور النساء في ادارة العمل الدرامي اخراجا وانتاجا وتصويرا وغيرها من العناصر ما زال محدودا ايضًا، على الرغم من الحضور المبكر للمراة اليمنية كممثلة في المسرح والتلفزيون منذ ثمانينيات القرن الماضي امثال زهرة طالب وغيرها؛ الا ان ذلك لم يمكنها من تعزيز حضورها خارج الخشبة والشاشة الصغيرة، مقابل الحضور الذكوري الطاغي.
على صعيد حضورها كممثلة فهي تعاني ايضًا من نفس الاشكالات التي يعاني منها الممثل عموما؛ الذي يقتصر عمله، في هذا المجال، على مسلسلات رمضان، ومن ثم يدخل في حالة بيات طوال العام، مشتغلا في اعمال اخرى ان توفرت له؛ ما يجعله ينتظر الاعمال الرمضانية، ليس باعتبارها تتيح له فرصة مواصلة تطوير موهبته؛ وانما لكونها تتيح له الحصول على عائد يساعده معيشيًا في وضع اقتصادي سيء يعيشه اليمنيون.
وكما تؤكد الفنانة امل اسماعيل؛ فان الاجور التي يتقاضونها في هذه الاعمال زهيدة للغاية؛ ولا تقابل، ولو النزر اليسير، مما يبذلونه من جهود في قراءة النص، وتجسيد الشخصية، وقضاء ايام بل اسابيع بعيدا عن عائلاتهم في التصوير…الخ؛ وهو ما يزيد من تعقيد الوضع في ظل محدودية مصادر التدريب الاحترافي الذي يفترض ان يلقاه الممثل طوال السنة؛ وهو امر تتجاهله الوزارة المعنية ومؤسسات الانتاج ايضًا؛ ولهذا ياتي الاداء التمثيلي قاصرا في تالفه مع الكاميرا.
الى ذلك تعتبر المحاضرة الجامعية، بلقيس علوان، ان الحرب ضاعفت من معاناة الدراما، وخاصة في اشتغالها على المراة؛ فزادت من المحاذير في الداخل؛ ما دفع شركات الانتاج للتصوير في الخارج، «وحتى في الخارج يجد العاملون انفسهم مكبلين بمحاذير من نوع خاص باعتبار ان القائمين على العمل سيعودون للداخل؛ وبالتالي لا يجدون مفرا من الالتزام بمحاذير من نوع اخر» تقول.
احمد الاغبريالمراة اليمنية في الدراما.. افكار خجولة واشتغالات “مرتعشة”

Scroll to Top