queenarwauni

“اليمن من الداخل”.. رحلات في امكنة التاريخ

اخبار اليوم الصحيفة, “اليمن من الداخل”.. اخبار اليوم الصحيفة, “اليمن من الداخل”..

يطوف الصحفي والناقد والكاتب المتخصص بالشان الثقافي اليمني، احمد الاغبري، بقارئه في مناطق شتى من اليمن ضمن كتابه الصادر حديثا “اليمن من الداخل.. المكان شاهدا” عن دار “عناوين بوكس” في القاهرة.
في 200 صفحة، تتوزع رحلات الاغبري على 20 مكانا؛ تبدا من مدينة اب وسط البلاد وتنتهي بشارع المطاعم الواقع في زاوية بميدان التحرير في قلب العاصمة صنعاء الذي يعد ملتقى للادباء والكتّاب والفنانين، حيث صخب الحياة اليومية وحزمة مطاعم تقدم وجبات شعبية يؤمها البسطاء في الاغلب.
يحاول الكتاب، تقديم قراءة مختلفة لليمن من داخله، كشهادة حية عن بلد يتصدر المكان واجهته الثقافية؛ حيث المكان هو اول الدروب الى ذاكرة الانسان، واهم شاهد على هُويته ومنجزه الثقافي، كما هو وسيلته للتعبير عن خصوصيته.
وتشمل الرحلة مدنا كصنعاء وعدن واب وشبام حضرموت وثِلاء والهجرين ودمت وتريم والطويلة، وهي مدن تتناثر جغرافيا من شمال البلاد مرورا بوسطها والى جنوبها، وجزيرة سُقطرى؛ حيث الطبيعة البكر وحديث الناس بلغتهم السقطرية المختلفة عن لغة اليمنيين المعتادة ولهجاتهم المنبثقة عنها.
“الزمردة الخضراء”
ويذهب الكاتب الى محمية عُتمة الواقعة في محافظة ذمار (وسط اليمن)، حيث ينبسط جمال الطبيعة ببذخ، يفترش الارض متموجا وصاعدا الى المرتفعات بمدرجاتها الساحرة وهابطا في الوديان المكسوة بالاخضرار معظم ايام السنة.
ويُطلِق الكاتب على محمية عُتمة اسم “الزمرّدة الخضراء”؛ نسبة الى تنوع خصوصياتها النباتية والحيوانية معتمدة على غطاء نباتي يمتد الى احراش وغابات جبلية يوفر مرعى للحيوانات الاليفة ومرتعا لحيوانات وطيور برية متنوعة.
ويحذر الكاتب من مخاطر التحطيب الجائر الذي تزايد في السنوات الاخيرة متسببا في استهلاك نحو 90% من الاشجار المعمرة في ظل ازمات انعدام وارتفاع اسعار غاز الطهي، كما يحذر من الحفر العشوائي المتزايد لابار المياه واتساع زراعة القات على حساب بؤر رئيسة في المحمية.
كبرياء واهمال
ويتوقف الكاتب امام شواهد المكان وخصوصيته في قرية “بيت بوس” الاثرية المنتصبة بكبرياء اسطوري على تل صخري جنوب غرب مدينة صنعاء، فيعدها شاهدا ليس فقط على خصوصية القيمة الحضارية للحصون والقلاع في التاريخ اليمني، وانما ايضا على فداحة ما يشير اليه بـ”الماساة التي ترتكبها المدينة الحديثة بعمقها التاريخي الحضاري لضواحيها وتداعيات اهمال الصيانة والترميم”.
ويذهب بعيدا الى قرية “حيد الجزيل” الواقعة غربي محافظة حضرموت؛ حيث يمر “وادي دوعن” الشهير وتجثم بيوت طينية على سطح جرف صخري ضخم يقع على ربوة تتوسط ملتقى واديين، في مشهد يتداخل فيه موقع الصخرة الفريد وبهاء المعمار الطيني الجميل، ومن حولهما خضرة الوادي وزهو الجبال وانفتها.
ومنتهيا من “جهة المدينة” او ما يقول عنه “الناصية الاولى” التي شملت 9 مدن، تتبعها قريتان ضمن طريقه “جهة القرية”، ثم الطريق الثالث “جهة المدرسة والقصر”، حيث يتوقف الكاتب في رحاب “المدرسة العامرية” في “رداع” وسط البلاد الشاهدة على فن الزخرفة، ومنها يتجه الكاتب (والقارئ معا) الى دهشة العمارة الطينية في “قصر سيئون” باقصى شرق البلاد الحضرميّ، ثم عودة الى “دار الحجر” القصر الذي شُيّد بروح قصيدة.
والطريق الرابع “جهة الجزر والمحميات” يطوف فيه الاغبري “جزيرة سُقطرى” البكر بطبيعيها المنفردة وبلغتها وطقوس وارث انسانها، وينتهي به الطريق عودة الى محمية “عتمة” غير القريبة تماما.
مقهى مدهش.. ملتقى الابداع
اما الجهة الاخيرة في تبويبات الكتاب فتتامل زوايا واحتشادات “شارع المطاعم” في قلب مدينة صنعاء، الذي لا يقتصر ارتياده على “المتعبين والمثقلين بالخسارات” من الفئة العمالية الكادحة وغيرهم، ولا فئة السياسيين من وزراء وسفراء ورجال اعمال وطلاب وموظفين.
غير ان الكاتب، يتوقف هناك ليقرا علاقة الشارع بالمبدعين والابداع عموما، فهؤلاء “وان كانت لهم خساراتهم وهمومهم ايضا”؛ فانهم اضافوا زخما اخر لهذا المكان، فقد صار “مقهى مُدهِش” -احد مقاهي شارع المطاعم- ملتقى يوميا يقصده كثير من الادباء والفنانين والصحفيين.
مشروع ثقافي يمتد منذ ربع قرن
يقول الكاتب احمد الاغبري للجزيرة نت ان كتاب “اليمن من الداخل” ياتي ضمن مشروع ثقافي يشتغل عليه منذ ربع قرن خلال عمله في الصحافة والكتابة، ويستهدف اعادة تقديم اليمن من زاوية غيّبتها السياسة والحرب والصراع على السلطة على مدى العقود الماضية؛ وهي زاوية القيمة الابداعية الجمالية لنتاج البلد الثقافي.
وينوه الاغبري الى ان الكتاب هو “نتاج 10 سنوات من التنقل بين مناطق اليمن والكتابة عنها، وقد ارتكز على المكان باعتباره الشاهد الاهم على عظمة الفن، الذي انتمى اليه اسلافنا، كهوية حمت تنوعهم”.
ويضيف ان الكتاب يمثل دعوة للاجيال الحالية من اليمنيين للعودة للانتماء للفن؛ الذي تتجلى عظمته بين ظهرانيهم، وتحديدا فيما قدمه الاجداد من تنوع وجمال، تفلسفه علاقتهم بالمكان، وتترجمه المدن والقرى والحصون والقلاع والمدارس والقصور.
وتابع “تنقل الكتاب بين الجهات الاربع لليمن على امتداد تنوعه: تفاصيل انطلقت من الجغرافيا، تعاملت مع التاريخ، واعتمدت ادب الرحلة، كتبتها بجوارحي كشهادة مرتبطة باسباب الحياة والنهضة في بلد تتزاحم فيه اخبار الموت والتخلف”.
وهذا الكتاب هو سرديات وصفية لرحلات مكانية مرتدية ثوب الادب ومتحدثة بلغة الفن؛ تقدم شهادة متخففة من اي تحيز عن بلد يتاكل حضوره الابداعي في وعي ابنائه: شهادات تروي سير الاجداد مع المنجز الحضاري، ودليل يرشد الى طريق النجاة واستئناف النهوض.
وهذه الطريق هي الانتماء للابداع والفن، حيث يتتبع الكتاب ملامح الفن في المكان في سياق التعرف الى الهوية من خلال ثنائية المكان والانسان؛ لقراءة ابرز ملامح شخصية هذا البلد.
ويفيد الاغبري بان هناك كتابين اخرين له يصبان في ذات الاتجاه، سيصدران لاحقا، الاول يُعيد الاعتبار لليمن في علاقته بالفن، لكن هذه المرة سينطلق من الحاضر، وتحديدا من ابرز تجليات الفن الحديث، وعلى وجه الخصوص الفن التشكيلي؛ وفيه يقدم قراءات في ابرز التجارب التشكيلية اليمنية. والكتاب الاخر يشتغل على تجربة اليمن مع فنون الاداء (المسرح والغناء والموسيقى والسينما والدراما).
20 نصا
من جهته، يلفت الروائي اليمني، وجدي الاهدل، الانتباه الى انه جرت العادة ان يكتب الرحالة العرب والمستشرقون الاجانب عن رحلاتهم واقامتهم في اليمن، ولكن الكاتب والصحفي اليمني احمد الاغبري كسر هذه القاعدة، وسخّر قلمه لوصف بلاده والتغزل بمحاسنها، فقد جاب اليمن من شرقها الى غربها، ومن جنوبها الى شمالها، وتنقل بين سهولها وشعابها وجزرها وسواحلها، ودوّن -خلال سنوات- ثروة من المعلومات والاوصاف؛ جامعا بين التاريخ والجغرافيا.
وقال الاهدل للجزيرة نت “اننا امام 20 نصا، كل نص يتحدث عن بقعة جغرافية او معلم تاريخي يتميز بفرادة وعراقة ضاربة في جذور التاريخ”.
وكان صدر للاغبري عام 2020 كتاب بعنوان “اجنحة الكلام وفضاء الاسئلة- مقاربات يمنية”، حيث يقدّم اليمن من خلال نتاجات سردية وشعرية على امتداد عقود؛ بما فيها التي صدرت خلال سني الحرب، متضمنا شهادة مغايرة ومنصفة عن بلد “يتحول الى مقبرة كبيرة لابنائه، ويعكس للاخر صورة ليست هي صورته المتاصلة في متن شخصيته”، على حد تعبير الكاتب الاغبري.“اليمن من الداخل”.. رحلات في امكنة التاريخ

Scroll to Top