اخبار اليوم الصحيفة, عبد اللطيف زغلول.. اخبار اليوم الصحيفة, عبد اللطيف زغلول..
ثمة شعراء فلسطينيون بارزون ساعدتهم موهبتهم وظروف حِراكهم والاعلام والاحداث الملتهبة في فلسطين على البروز والريادة، وشعراء اخرون غلبتهم الحياة والتعتيم رغم انهم عايشوا احداثاً كبيرة.
وبينما كنت ابحث عن الشعراء الذين واكبوا النهضات ولم يبرزوا فيها، اردت ان اكتب عن الشاعر المعروف لطفي زغلول (1938-2021)، الذي تزامن ظهوره مع عصبة شعراء المقاومة تحت الاحتلال (درويش والقاسم وراشد حسين وتوفيق زياد وسالم جبران وحنا ابو حنا)، غير انه لم يكن من نفس الخط الحزبي العقائدي الذي حملوه، ومثله الكثير من الشعراء الذين طمست سيرتهم التيارات السياسية.
غير ان البحث في حياة لطفي زغلول لا يمكن ان يمرّ من دون البحث عن تاثير والده عبد اللطيف زغلول، الذي كان مثل علي السرطاوي في مواكبة عصبة نهضة سابقة، هي عصبة الشعراء (ابراهيم طوقان وعبد الرحيم محمود وعبد الكريم الكرمي).. ولم ينل حظه من شهرتهم، لفقدانه الرعاية والتخصص الادبي والمهني، مع انه كان صديقاً لهم.
لذلك وجب ان نستكمل الشعراء الذين واكبوا النهضات ولم يحظوا بالشهرة التي يستحقونها رغم دورهم وتاثيرهم الذي كان كاثر الفراشة وانعكس في الاجيال التي جاءت بعدهم.
من هو شاعرنا؟
هو عبد اللطيف سعيد زغلول؛ شاعر فلسطيني ولد في احد احياء مدينة مدينة نابلس عام 1915، في اواخر سنوات الحكم العثماني.
تلقى دروسه الابتدائية في المدرسة الهاشمية، ثم انتقل بعد ذلك الى المدرسة الصالحية الثانوية. كان تلميذاً ذكياً ومجتهداً. حفظ القران الكريم، وكان مولعاً بالشعر العربي فحفظ الكثير منه. اهتم بالتاريخ العربي الاسلامي. ولكن حبه للغة العربية كان اقوى فاتقنها نحواً وصرفاً وشعراً ووزناً، نظم الشعر في سن مبكرة جداً. كما اتقن اللغة الانجليزية ايضاً.
ونظراً للظروف المعيشية القاسية انذاك، فقد انهى دراسته في المرحلة الثانوية من دون ان يستكمل دراسته الجامعية. وقدّم طلباً للعمل موظفاً في سلك البريد (بوسطة حيفا) في عهد حكومة الانتداب البريطاني. وفي بداية الاربعينيات انتقل الى بريد نابلس حيث عمل هناك حتى عام النكبة في 1948.
في العهد الاردني شغل عدة وظائف في سلك البريد، فعمل مراقباً لهاتف بريد نابلس، ثم انتدب لتاسيس دوائر بريد في كل من سلفيت ودير الغصون. في عام 1963 تولى ادارة بريد قلقيلية. في عام 1965 اصبح مساعداً لمدير بريد نابلس. في عام 1967 وقبل ثلاثة ايام من الاحتلال اُحيل على التقاعد.
كانت عائلة عبد اللطيف زغلول بسيطة. تزوج في عام 1937 من احدى قريباته التي كانت عائدة مع عائلتها من المهجر (الهندوراس)، ورزق منها بخمسة اولاد وبنت واحدة، هم: لطفي، هدى، نزار، محمد، عدنان، وعماد.
كتب الكثير من القصائد الوطنية والانسانية والاجتماعية والغزلية والدينية، ونشر بعضها انذاك. الا ان جزءاً من تراثه الشعري اختفى بسبب احتلال الضفة مرة، وبسبب مصادرة اوراقه على جسر الملك حسين مرة اخرى.
كان شاعرنا زاهداً بالشهرة، لم يسعَ الى تحقيق ذاته من خلال الشعر، مع انه كان معروفاً في الساحة الشعرية النابلسية وكان له مجلس ادبي ولغوي اشبه بالصالون يرتاده الكثيرون ممن يعشقون اللغة والادب والشعر. كان صديقاً لعائلة طوقان، وخصوصاً الشاعرة فدوى طوقان، وشقيقها الشاعر ابراهيم طوقان، وله معهما رسائل شعرية.
كان يكتب قصائده على قصاصات من الورق تعرضت في كثير من الاحيان للضياع او التلف، او انه كان يهديها لاصدقائه او اقربائه. لم يخطر في باله ان يحتفظ باشعاره الا متاخراً. فكان يضعها في صندوق في بيته. واوصى نجله الشاعر لطفي زغلول، باوراقه وقصاصاته ودفاتره، بان يجمعها بعد وفاته، فاصدرها في ديوان انيق، يحمل عنوان “نفح الذكرى”.
نُشرت له قصائد في الصحف والمجلات التي كانت تصدر في ذلك الوقت، كما انه شارك في امسيات شعرية، ومهرجانات ادبية كثيرة، وكان عضواً نشيطاً في عدة نوادٍ ومنتديات ادبية وفكرية، واذيعت له قصائد كثيرة عبر اذاعات عربية عدة.
في اواخر سنوات عمره عمل مستشاراً لغويا لبعض الجامعات العربية، في ما يخص شهادات الماجستير والدكتوراه.
شهيد القسطل
اِهناْ بِفَوزِكَ بِالمقامِ الاوَّلِ
..
بينَ الفَوارِسِ يا شَهيدَ القَسطلِ
نِلتَ الشَهادَةَ راغِباً في نَيلِها
..
والمَوتُ يُعشَقُ في ظِلالِ المُنصَلِ
لو تُفتَدى لَفداكَ كُلُّ مُناضِلٍ
..
مُتعطِّشٍ لورودِ ذَاكَ المَنهَلِ
هيّا القَ رَبَّكَ في الفَراديسِ العُلى
..
لَكَ في جِنانِ الخُلدِ ارفَعُ مَنزِلِ
سَنظلُّ نَذكرُ مِنكَ رَمزاً خالِداً
..
للتضحِياتِ منَ الطِرازِ الامثَلِ
ضحَّيتَ بِالنفسِ العَزيزَةِ راضياً
..
ولَحقتَ بالابرارِ لم تَتمهَّلِ
اعليتَ راياتِ الحِمى خَفّاقةً
..
باسمِ القضيَّةِ ظَافراً لم تُخذَلِ
هذي فلسطينُ انتَخَتكَ فَصُنتَها
..
من طعنةٍ غدَّارةٍ في المَقتَلِ
والقُدسُ قد نَادتكِ في صَلواتِها
..
فَحميتَها من شرِّ عَادٍ مُقبِلِ
اقسمتَ ان تَحمي الحِمى من شَرِّ هـ
..
ذا الغاصِبِ المُتطفِّلِ المُتسلِّلِ
كم ضَربَةٍ انزلتَها بِجموعِهِ
..
وسقيتَهُ كَاساً بِطعمِ الحَنضَلِ
وتَركتَ صِبيانَ الهَجَانا طُعمَةً
..
للموتِ بينَ مُمزَّقٍ ومُجندَلِ
وتَركتَ قَومَكَ واجمينَ منَ الاسَى
..
فُجِعوا بِفقدِ القائِدِ المُستَبسِلِ
ذَرفوا دُموعَ الكِبرياءِ لِفارسٍ
..
عن صَهوَةِ التَاريخِ لَم يَترجَّلِ
نَمْ في حِمى الاقصى شَهيدَ رِحابِهِ
..
فَحِماهُ للاحرارِ اخلدُ مَوئِلِ
جَسداً رحلتَ وانَّ رُوحَكَ حَيَّةٌ
..
فِينا على طُولِ المَدى لَم تَرحَلِ
سَتظلُّ في سِفرِ البُطولَةِ سِيرةً
..
وتَظلُّ كالاقمارِ عَرشُكَ في عَلِ
يا فَارِسَ الشُهداءِ بَعدَكَ هَل يَطولُ
..
الَّليلُ في جُنحِ الدُجى ام يَنجَلي
مَن للحِمى والغَدرُ بِالمرصادِ والـ
..
احقادُ في صَدرِ الاعادي تَغتَلي
هيَ ساعَةٌ مَحزونَةٌ ام نَكبةٌ
..
سَتحلُّ بالاوطانِ في المُستَقبَلِ
يَا اُمَّةَ العَرب
يَا اُمَّةَ العَربِ ارقُدي
..
غطّي بِنومِكِ واهمُدي
وتَدثَّري لا تَرفَعي
..
عَنكِ الغِطاءَ فَتبرُدي
وتفيَّاي ظِلَّ العَدوِّ
..
فَظلُّهُ رَطبٌ نَدي
فهوَ الوَصيُّ عَليكِ دو
..
نَ سِواهُ حتّى تَرشُدي
وتَمتَّعي في ظِلِّ نُعـ
..
ماهُ بِعيشٍ ارغَدِ
ادّي الولاءَ لَهُ ولا
..
تَخشَيْ مَلامَ الحُسَّدِ
لا تَرفعي الرَّاسَ الذي
..
طَاطاتِهِ للسَيِّدِ
فاللاّئمونَ مَصيرُهم
..
كَمصيرِ كُلِّ مُشرَّدِ
من ثَارَ ضِدَّ عَدوِّكمْ
..
فَجزاؤُهُ كَسرُ اليَدِ
وجعلتُمُ الاعداءَ ا
..
لهةً لكمْ في مَعبَدِ
هلاّ تَبصَّرتُم بِما
..
لعدوِّكم من مَقصِدِ
هلاّ جَمعتم امرَكم
..
بِتعاونٍ وتَوحُّدِ
هلاّ اخذتم حِذرَكم
..
مِن كُلِّ بَاغٍ مُعتَدِ
يا قَادةَ العَربِ اسمَعوا
..
صَوتَ النَّذيرِ المُوعِدِ
هلاّ رَفعتم صَوتَكم
..
كَهزيجِ رَعدٍ مُرعِدِ
صَحَتِ الشُّعوبُ وانتُمو
..
رَهنُ الظَّلامِ السَرمَدي
يا مسلمونَ اليسَ مِن
..
املٍ لَعودٍ اَحمدِ
يا نَائمونَ اليسَ مِن
..
فَجرٍ لِليلٍ اَسودِ
هَل هُنتُمو ورضيتُمو
..
بِالذُّلِ بَعدَ السُّؤدَدِ
فمَتى اراكم تَنفضونَ
..
غُبارَ عَيشٍ انكَدِ
يا امَّتي اينَ الاُباةُ
..
ذَوو التُّقى بِيضُ اليَدِ
ملكَ العَدوُّ رقابَكم
..
واقتادَكم بِالمِقوَدِ
كَقطيعِ بَهمٍ سَاقَهُ
..
راعٍ خَبيثُ المَقصِدِ
يا للهوانِ غَدوتُمو
..
للمُعتَدي كالاعبَدِ
*شاعر وناقد فلسطينيعبد اللطيف زغلول.. مسيرة شاعر فلسطيني من جيل الكبار المنسيين