حضور-خجول-للمسلسلات-الدينية-في-خارطة-رمضان

حضور خجول للمسلسلات الدينية في خارطة رمضان

اخبار اليوم الصحيفة, حضور خجول للمسلسلات اخبار اليوم الصحيفة, حضور خجول للمسلسلات

بينما توقع كثيرون ان يزدحم رمضان المرتقب بعدد معتبر من الاعمال الدينية التي تسعى للتنوير تزامنا مع الاهتمام المصري والعربي عموما بتجديد الخطاب الديني وتنقية العقول من شوائب التطرف العالقة في قصص التراث غير المسندة، جاءت النتائج مغايرة.
تكاد تخلو الشاشات في رمضان المقبل من هذه الاعمال، سوى من مسلسل ديني واحد بعنوان “قضاة عظماء” للمخرج السوري عبدالقادر الاطرش، وهو انتاج مشترك بين شركة صوت القاهرة والقطاع الخاص.
المسلسل الذي يتم تصويره في الوقت الحالي في الحي الاسلامي بمدينة الانتاج الاعلامي بمصر، يشارك في بطولته عدد كبير من الفنانين منهم اشرف عبدالغفور، احمد عبدالعزيز وحسن يوسف من مصر، والسوري ايمن زيدان.
يجسد كل نجم، شخصية “قاض” من عظماء القضاة في التاريخ الاسلامي، على مدار ثلاث حلقات، مثل شريك بن عبدالله، ابوبكر الانصاري، واياس بن معاوية، واحمد الكوراني، وابن عبدالدولة، وشريح بن الحارث وغيرهم.
ومن المقرر عرض المسلسل في رمضان المقبل على التلفزيون المصري وبعض القنوات الخاصة، علما بانها اول عودة الى انتاج هذا النوع من الدراما بعد حوالي اربع سنوات من الانقطاع غابت فيها المسلسلات الدينية عن شاشات رمضان.
اسباب جفاف الدراما الدينية في السنوات الاخيرة متعددة بحسب راي نقاد ومنتجين، لكن تتنوع الاسباب وتبقى النتيجة واحدة وهي التقلص المريب في حجم الاعمال الدينية على الفضائيات في رمضان، وهي مشكلة تتجدد سنويا منذ عشرة اعوام، لم تقدم خلالها سوى مسلسلات قليلة ابرزها “امام الدعاة”.
ضعف الميزانية
هناك من يحمّل الجهات الرسمية “كالعادة” المسؤولية، لانها توقفت عن انتاج اعمال دينية كثيرة مثل التي كانت تنتج في حقبتي الثمانينات والتسعينات في مصر من القرن الماضي، وتلقى نجاحا جماهيريا ونقديا هائلا.
الناقد محمد قناوي ارجع سبب نقص الدراما الدينية الى ان الدولة في مصر هي من تصدت لانتاج المسلسل الديني وليس القطاع الخاص، وبعد قيام ثورة 25 يناير 2011 لم تعد هناك ميزانية لقطاعات الانتاج الحكومية، وهو ما ساهم في تراجع المسلسل الديني.
غياب القطاع الخاص يجده قناوي مبررا، لانه يجد صعوبة في تسويق الاعمال الدينية للفضائيات، كما ان الاعمال التي تكتب حاليا ليست بنفس الجودة القديمة لغياب كبار الكتاب الذين كانت لديهم القدرة على كتابة هذه النوعيات الدرامية.
ولا يمكن التطرق الى المشكلة دون الحديث عن دور القطاع الخاص في تغذية الشاشات العربية بدراما دينية متميزة، بعيدا عن حسابات الربح والخسارة، حيث يرى البعض انه يمكن لكل شركة تقديم عمل واحد كل عدة سنوات، ولو على سبيل الزكاة على ارباحها.
المنتج جمال العدل ارجع تقاعس المنتجين عن الدراما الدينية الى تكلفتها المرتفعة، وعدم ضمان الحصول على ما انفقوه من اموال، ناهيك عن فكرة الربح التي هي اساس عمل اي شركة انتاج خاصة. هذا العزوف ارجعه المنتج الى تفضيل الفضائيات شراء الاعمال الكوميدية والمسابقات، بعكس الاعمال الدينية والتاريخية التي لا تفكر فيها، الاّ اذا تبقى لديها فائض في الميزانية.
الفنان حسن يوسف احد ابرز من شاركوا في الدراما الدينية منتجا وممثلا، وصف غيابها عن رمضان المقبل بانه “كارثة كبرى باعتبار رمضان الفرصة الوحيدة امام هذه الاعمال لرؤية النور، حيث تلقى تجاهلا بقية العام”.
ومع ذلك، اعترف انه شخصيا قرر عدم تقديم اعمال دينية بعد الخسائر المادية والمعنوية التي تكبدها من انتاج مسلسل عن شيخ الازهر الراحل عبدالحليم محمود عام 2008، وبخست الفضائيات المختلفة ثمنه ما اضطره لبيع المسلسل باقل من تكلفة انتاجه.
فريق اخر يرى ان المشكلة في رقابة الازهر الشريف التي تعطل “مراكب الدراما الدينية السائرة”، دون ان يقدم تفسيرا عن ان الرقابة نفسها لم تعطل الانتاج في عصور الازدهار الدرامي في الثمانينات والتسعينات.
الناقد الفني طارق الشناوي، اكد ان العزوف عن انتاج المسلسلات الدينية سببه تمسّك الازهر الشريف بقواعده الصارمة التي تحرِّم تجسيد الانبياء والصحابة والمبشرين بالجنة. واضاف ان الجمهور كان يتقبل الاكتفاء بصوت الصحابة فقط او ظهورهم ووجوههم مموهة بهالة نور، لكن بعد ان قدمت مجموعة “ام بي سي” مسلسل “عمر” وشاهد الناس كل الصحابة والمبشرين بالجنة ضمن احداث المسلسل، لم يعد مستساغا العودة بهم الى الوراء.
نفس الراي تبنته الناقدة ماجدة خيرالله التي جزمت بان تدخل المؤسسات الدينية وضرورة ابداء رايها في مضمون العمل يعوقان تنفيذ العديد من الاعمال الدينية، لذلك فان الامر يحتاج الى المزيد من الحرية وقدر مقبول من الدعم.
وقالت خيرالله “هناك مواقف اتخذها الازهر تحت فتوى تحريم تجسيد الانبياء والصحابة ليحرم المشاهدين من متابعة اعمال فنية تحمل قيمة وفكرا، ويمكن توظيفها للرد على المتشددين ودعاة (زمن الغفلة)”.
وساقت الناقدة نموذجا عما ذكرته بروايتي “الحسين ثائرا” و”الحسين شهيدا” للاديب المصري الراحل عبدالرحمن الشرقاوي اللتين رفض الازهر تحويلهما الى اعمال درامية، اضافة الى الجدل الكبير الذي اثير حول مسلسل “رجل الاقدار” الذي رصد حياة عمرو بن العاص.
تفسيرات مختلفة
كان مسلسل “الاسباط” الذي يتناول الدولة الاسلامية منذ القرن الهجري الاول، وتحديدا منذ بداية ظهور الدولة الاموية، اثار جدلا شديدا، ورفض عدد كبير من القبائل ذات الجذور العربية ظهور شخصيات مثل الحسن والحسين، كما هدد اخرون بالانتقام من صناع المسلسل الذي كان من المقرر ان تنتجه شركة كويتية، ويلعب بطولته الممثلان السوريان سامر المصري وباسم ياخور.
واشارت خيرالله الى ان القوة الانتاجية والدعم يدفعان الى ظهور اي عمل ديني، حتى وان كان مختلفا عليه مثلما فعلت شبكة “ام بي سي” التي انتجت مسلسل “عمر بن الخطاب”، رغم الاعتراض عليه لتجسيده لبعض الخلفاء الراشدين بشخوصهم في احداثه.
وللناقد الامير اباظة راي مختلف مفاده ان الدراما الدينية ليست مكلفة انتاجيا، لكن مشكلتها في ان تسويقها غير مجز للقائمين عليها، والحل حسب وجهة نظره يتمثل في عودة الدولة الى الانتاج مرة اخرى، لان هذه الاعمال من شانها تنمية الوعي والثقافة الاسلامية لدى الجمهور، كما انها تتماشى مع رغبة الدولة في التوعية الدينية التي لا يمكن ان يوجد افضل من الدراما كوسيلة للوصول الى الناس. وحذر اباظة من ان تقلص الدراما الدينية افقد مصر قوتها الناعمة في معظم الدول الاسلامية، مقارنة بفترة الثمانينات وبداية التسعينات التي شهدت رواجا كبيرا للمسلسل الديني المصري، وهي غاية يمكن ان تخصص ميزانية جيدة من اجل تحقيقها.
السياسة ليست بعيدة عن ازمة الدراما الدينية، حيث ربط البعض بين اختفائها في السنوات الاخيرة، وتحديدا عقب ثورة 25 يناير 2011، وصعود نجم جماعة الاخوان المسلمين السياسي، وهو ربط هدفه الاساءة للجماعة وعدم اهتمامها بالدين رغم عدم دقته فنيا.
وعزا اخرون كذلك تراجع الانتاج الى غياب المنافسة الفنية الايجابية مع سوريا التي تفوقت في الدراما التاريخية والدينية، وهو ما كان يحفز المصريين على تقديم افضل ما لديهم كتابة وانتاجا للمنافسة في السوق الخليجي.
وفي المقابل يرى شق اخر ان كتابة مسلسل ديني امر شاق يتجنبه اغلب كتاب السيناريو كونه يتطلب الكثير من البحث والتدقيق في الاحداث التاريخية، والاستعانة بالكثير من المراجع، وهو امر مرهق ومكلف، لكنه لا يحقق عائدا جيدا للكاتب الذي يستطيع الحصول على 10 اضعاف اجره في عمل كوميدي واحد لا يحتاج لكل ذاك العناء.حضور خجول للمسلسلات الدينية في خارطة رمضان

Scroll to Top