ماذا-تعرف-عن-الصابئة-اتباع-النبي-يحيى-بن-زكريا؟

ماذا تعرف عن الصابئة اتباع النبي يحيى بن زكريا؟

اخبار اليوم الصحيفة, ماذا تعرف عن اخبار اليوم الصحيفة, ماذا تعرف عن

على الرغم من ان “الصابئة” ذُكروا في القران الكريم صراحة وفي اكثر من موضع، فان الكثير من المسلمين لا يعرفون شيئًا عن هذا الدين التوحيدي ولا عن اتباعه او وجودهم في العالم العربي، رغم ان وكالات الانباء العالمية اشارت الى وجودهم في العراق بعد سقوط بعض مدنها في ايدي التنظيم الارهابي “داعش”، وطرد جنود التنظيم للمسيحين وقتل الصابئة والايزيدين، وسبيّ بناتهم ونسائهم وتشريد من تبقى من اطفالهم وكهولهم الى الجبال.
ماذا تعرف عن الصابئة المصطبغين بنور الحق والتوحيد؟
رجال دين صابئة
الدين الصابئي اقدم واول دين توحيدي حنيف عُرف على الارض، يتبع الصابئيون انبياء الله “ادم” ثم “شيتل بن ادم” و”نوح” و”سام بن نوح” و”ادريس” عليهم السلام، واخر انبيائهم “يحيى بن زكريا” عليه السلام، وكانوا في البداية منتشرين في بلاد الرافدين وفلسطين، ولا يزال بعض اتباع هذا الدين موجودين في العراق، كما ان هناك بعض الصابئة في الاحواز.
ويُطلق عليهم في اللهجة العراقية “الصبّة”، وكلمة الصابئة مشتقة من “صبا” والتي تعني باللغة المندائية “اصطبغ” او “غطس في الماء”، حيث ان الغطس في الماء/التعميد، احد اهم شعائرهم الدينية، حيث تعني الصابئة حسب معتقداتهم “المصطبغين بنور الحق والتوحيد والايمان”.
وبالنظر الى تعاليم هذه الديانة واركانها نكتشف انها اقرب الديانات الى الدين الاسلامي، حيث تدعو الديانة الصابئية للايمان بالله ووحدانيته ايمانًا مطلقًا، فلا شريك له واحدٌ احـد.
وتتكون اركان الديانة الصابئية والتي تُعرف ايضًا بـ”المِندائية” من 5 اركان اساسية هي:
1. التوحيد بالحي الازلي واحد احد (سهدوثا ادهيي) 2. الصباغة والتطهر او التعميد (مصبتا وطماشا) 3. الوضوء والصلاة (ارشاما وابراخا) 4. الصوم (صوما) 5. الصدقة والزكاة ( زدقا).
كما يُقدّس الصابئيون الكواكب والنجوم ويعظمونها باعتبارها مسكن للملائكة المعصومة، ويُعتبر الاتجاه نحو النجم القطبي والتعميد في المياه الجارية والصوم والصلاة من اهم شعائرهم الدينية.
الصابئة اول من اتبعوا ابا الانبياء الخليل ابراهيم
جانب من مراسم الاصطباغ بالماء عند الصابئة
امن الصابئة المندائيون بتعاليم الخليل ابراهيم عليه السلام، واحتفظوا بصحفه ومارسوا طقوس التعميد التي سنها لهم واستمروا عليها الى يومنا هذا، كما هاجرت مجموعة منهم معه الى حرّان، وبقت المجموعة الاخرى في العراق.
وقد عرفـوا فيما بعد بـ(ناصورايي اد كوشطا) اي حراس العهد، وهم الذين اسسوا بيوت النور والحكمة
فيما بعد على ضفاف الانهار في وادي الرافدين لعبادة (مار اد ربوثا) والذي يعني الله ـ رب العظمة، واتخذوا من الشمال الذي دعاه السومريون قبلة لهم لوجود عالم النور “الجنة”.
كما ارتبطت طقوسهم وبخاصة طقوس الغطس والاصطباغ “المصبتا” بمياه الرافدين، واعتبروا نهريها دجلة والفرات (ادگـلات وپـورانون) انهارًا مقدسة تطهر الارواح والاجساد فاصطبغوا فيها كي تنال نفوسهم النقاء والبهاء الذي يغمر عالم النور “الجنة” الذي يسعون له.
وكان مفهوم الاغتسال والتعميد في الماء قد ورد في العديد من النصوص المسمـارية، الامر الذي يدل على تاثر الاديان العراقية في زمان الحضارات البابلية والسومرية والاشورية بالديانة الصابئية المندائية، ودليل على كون الصابئية اقدم الاديان التوحيدية الحنيفة.
اهم فرقهم وشعائرهم الدينية وكتبهم المقدسة
الصابئة المندائية اكبر واهم الفرق الموجودة حاليًا من الصابئة، ثم ياتي بعدهم صابئة (حرّان) في شمالي العراق وسوريا، حيث كانوا يقيمون في القدس ثم طردوا منها بعد الميلاد، فهاجروا الى حرّان ثم الى جنوبي العراق وايران.
لهم اكثر من كتاب مقدس اهمها: (گـنزاربا المقدس) اي الكنز العظيم والذي يعتقد انه صحف ادم عليه السلام، وفيه موضوعات كثيرة عن نظام تكوين العالم وحساب الخليقة وادعية وقصص، وتوجد في خزانة المتحف العراقي نسخة كاملة منه، طبع في كوبنهاجن سنة 1815م، وطبع في لايبزيغ سنة 1867م.
ثم يليه كتاب (دراشة ايهيا) اي تعاليم يحيى عليه السلام، وهو المقصود في قوله تعالى في القران الكريم: {يَا يَحْيَى? خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ? وَاتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}، يليهما كتب (سدرة ادنشماثا) ويدور حول التعميد والدفن والحداد وانتقال الروح من الجسد الى الارض ومن ثم الى عالم الانوار، وفي خزانة المتحف العراقي نسخة حديثة منه مكتوبة باللغة المندائية، (الديونان) وفيه قصص وسير بعض الروحانيين مع صور لهم، (سفر ملواشه) اي سفر البروج وهو لمعرفة حوادث السنة المقبلة عن طريق علم الفلك والتنجيم، كتاب (النياني) اي الاناشيد والاذكار الدينية، وتوجد نسخة منه في المتحف العراقي، كتاب (قماها ذهي قل زيوا) والذي يتالف من 200 سطر وهو عبارة عن حجاب يعتقدون ان من يحمله لا يؤثر فيه سلاح او نار، تفسير (بغره) ويختص بعلم تشريح جسم الانسان وتركيبه والاطعمة المناسبة لكل طقس وما يجوز لابناء الطائفة تناوله.
ويتكلم الصابئة اللغة العربية والارامية والسيريانية القديمة، لكن كتبهم المقدسة مكتوبة باللغة العراقية الاصلية “المِندائية”، كما يفتتح الصابئة كلامهم بـ”ابْشوميهون اد هيي ربي” وتعني بالعربية بسم الله الحي العظيم.
ويُشترط في رجل الدين الصابئي ان يكون سليم الجسد والحواس، متزوج، منجب، غير مختون، له كلمة نافذة في شؤون الطائفة كحالات الولادة والتسمية والتعميد والزواج والصلاة والذبح والجنازة.
وهم على رتب: الحلالي ويسمى الشماس ايضًا، ويسير في الجنازات، ويقيم سنن الذبح للعامة، ولا يتزوج الا بكرًا، فاذا تزوج ثيبًا سقطت مرتبته ومنع من وظيفته الا اذا تعمد هو وزوجته 360 مرة في ماء النهر الجاري.
ثم الترميدة: وهو المرتبة الاعلى من الحلالي، فاذا فقه الحلالي الكتابين المقدّسين سدره انشماثا والنياني اي كتابي التعميد والاذكار، فانه يتعمد بالارتماس في الماء الموجود في المندي ويبقى بعدها سبعة ايام مستيقظًا لا تغمض له عين حتى لا يحتلم، ويترقى بعدها هذا الحلالي الى ترميدة، وتنحصر وظيفته في العقد على البنات الابكار.
ثم الابيسق: فالترميدة الذي يختص في العقد على الارامل يتحول الى ابيسق ولا ينتقل من مرتبته هذه.
ثم الكنزبرا: فالترميدة الفاضل الذي لم يعقد على الثيبات مطلقًا يمكنه ان ينتقل الى كنزبرا وذلك اذا حفظ كتاب الكنزاربا فيصبح حينئذٍ مفسرًا له، ويجوز له ما لا يجوز لغيره، فلو قَتل واحدًا من افراد الطائفة لا يُقتص منه لانه وكيل الرئيس الالهي عليها.
وياتي بعد ذلك ريش الامة: اي رئيس الامة، وهو صاحب الكلمة النافذة فيها ولا يوجد بين صابئة اليوم من بلغ هذه الدرجة لانها تحتاج الى علم وفير وقدرة فائقة.
واخيرًا الرباني ولم يصل اليها الا النبي يحيى بن زكريا عليهما السلام، كما انه لا يجوز ان يوجد شخصان من هذه الدرجة في وقت واحد، والرباني يرتفع ليسكن في عالم الانوار وينزل ليُبّلغ طائفته تعاليم الدين ثم يرتفع مرة اخرى الى عالمه الرباني النوراني.
ودور العبادة في الديانة الصابئية تسمى “المندي”، وفيه تُحفظ كتبهم المقدسة ويجري فيه تعميد رجال الدين، ويقام “المندي” على الضفاف اليُمنى من الانهار الجارية، ويكون له باب واحد يقابل الجنوب ليستقبل الداخل اليه نجم القطب الشمالي.
التطهير بالماء الجاري
اما الصلاة في الدين الصابئي فتؤدى 3 مرات في اليوم قبيل الشروق وعند زوال الشمس (الظهر) وقبيل الغروب، وتستحب ان تكون جماعة في ايام الاحاد والاعياد وهي من دون سجود.
وقد كان الصوم عند الصابئة على نوعين: الصوم الكبير: ويشمل الصوم عن كبائر الذنوب والاخلاق الرديئة، والصوم الصغير الذي يمتنعون فيه عن اكل اللحوم المباحة لهم لمدة 32 يومًا متفرقة على طول ايام السنة، وذكر ابن النديم المتوفى سنة 385هـ في فهرسته وابن العبري المتوفى سنة 685هـ في تاريخ مختصر الدول، ان الصيام كان مفروضًا عليهم لمدة 30 يومًا من كل سنة.
اما الطهارة فمفروضة على الذكر والانثى سواء بلا تمييز، وتكون في الماء الحي غير المنقطع عن مجراه الطبيعي، كما تحتاج الجنابة الى طهارة وذلك بالارتماس في الماء ثلاث دفعات مع استحضار نية الاغتسال من غير قراءة لانها لا تجوز على جُنب، وعقب الارتماس في الماء يجب الوضوء، وهو واجب لكل صلاة، حيث يتوضا الشخص وهو متجه الى نجم القطب، فيؤديه على هيئة تشبه وضوء المسلمين مصحوبًا بادعية خاصة، ومفسدات الوضوء هي: البول، الغائط، الريح، لمس الحائض والنفساء.
اما اعيادهم، فاشهرها عيد “البروانايا او البنجة” ويُعرف ايضًا بعيد الخليقة، وتتوافق هذه المناسبة المقدسة مع شهر مارس/اذار الميلادي وهو شهر الربيع والخصب والميلاد لدى العراقيين القدماء، و”البنجة” احتفال ديني اكثر مما هي عيد اذ تجري فيها احتفالية تعميد لكل الصابئة في الماء الجاري وتقام في هذه الايام الوجبات الطقسية “اللوفاني” على روح المتوفى وتشمل تقديم اللحم والسمك، وكذلك تقدم الصدقات للمحتاجين، ويعتبر الزواج والمعاشرة وشرب الخمر ولعب القمار من المحظورات في هذه الايام الطاهرة.
الاحتفال بعيد البنجة عند الصابئة على ضفاف نهر دجلة
وحسب معتقدات الصابئة، فان هذه الايام الـ5 البيضاء تجلى فيها الرب واعلن نفسه في الوجود وانبثقت صفاته واسمائه في تلك الايام، حيث انبثقت صفة الحياة في اليوم الاول والعظمة في اليوم الثاني والمعرفة والعلم في اليوم الثالث، اما اليوم الرابع فانبثقت واحدة من صفاته الا وهي الحق، وفي اليوم الخامس تفجرت المياه الجارية وهي سر من اسرار “هيي قدمايي” ومنها خلق الزمن والسنة المتكونة من 365 يومًا، وكذلك خُلقت عوالم النور من تلك المياه، فهي ايام طاهرة زكية لا تعد من الايام ولا تدخل في عداد الزمن لانها اسمى من ان تكون زمن يعد، انها 5 ايام كانها يوم واحد لا يشطره ليل، لا ظلام فيه.
ويجدد الصابئة فيها صبغتهم وينحروا ذبائحهم من اجل ان يقيموا الليافة لموتاهم وفيها ايضًا تكرس دور العبادة وتقام الملابس الطاهرة للموتى، ويسمى اليوم الاخير يوم التذكير.
ديانة مسالمة غير تبشيرية
الصابئة ديانة مسالمة وغير تبشيرية، لا يمكن دخول معتنق جديد لها، شعارها اللون الابيض وتحترم جميع رسل الله وتدعو لوحدانية الله، واعتبرهم مشايخ المسلمين من اهل الذمة لان جميع شروط واحكام اهل الذمة تنطبق عليهم، فهم اصحاب اول ديانة موحدة ولهم كتابهم السماوي وانبيائهم معروفة ومبجلة لدى كل الاديان السماوية، كما ذكروا في القران الكريم في قوله تعالى {اِنَّ الَّذِينَ امَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى? وَالصَّابِئِينَ مَنْ امَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْاخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ اَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} سورة البقرة، الاية ?62?.
{اِنَّ الَّذِينَ امَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى? مَنْ امَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْاخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} سورة المائدة، الاية ?69?.
{اِنَّ الَّذِينَ امَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى? وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ اَشْرَكُوا اِنَّ اللَّـهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
اِنَّ اللَّـهَ عَلَى? كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} سورة الحج، الاية ?17?.
ولكونهم ايضًا لم يخوضوا اي حروب طيلة تعايشهم مع الاديان الاخرى التي تلتهم بالتوحيد، فالامامان مالك وابو حنيفة جوّزا ماكلهم ومشاربهم والزواج من نسائهم، اي عاملوهم معاملة اليهود والنصارى، في حين اتخذ الامام الشافعي منهم موقفًا وسطًا، اذ وضع الصابئة والمجوس في مرتبة غير مرتبة اليهود والنصارى، وقال باخذ الجزية منهم ولم يجوز مؤاكلتهم والزواج منهم، بينما ذهب فقهاء الحنبلية وبينهم ابن قيم الجوزية على انهم من اهل الذمة، وجدير بالذكر ان الصحابي الجليل “سعد بن ابي وقاص” كان قد وعدهم بالامن والامان حين دخل العراق.
وامتاز الصابئيون ببراعتهم في الفلك والكيمياء والرياضيات، ومنحهم الرئيس العراقي صدام حسين وسام الطائفة الذهبية، واشهر العلماء الصابئيون ثابت بن قرة وسنان بن ثابت، اما في العصر الحديث فابرزهم عالم الفيزياء العراقي عبد الجبار عبد الله، اول رئيس لجامعة بغداد وعالم الفلك عبد العظيم السبتي، وايضًا الشاعرة لميعة عباس عمارة والشاعر عبد الرزاق عبد الواحد.
ويُقدّر عدد الصابئة في جميع انحاء العالم بـ50 الفًا كان معظمهم في العراق، ولكن بعد الغزو الامريكي عام 2003، تم تهجيرهم قسرًا الى المدن الايرانية المتاخمة للحدود العراقية، ولم يتبق غير 3000 صابئي موزعين بمدن العراق، اما بعد سقوط بعض مدن العراق في ايدي “داعش” في عام 2014، ومحاربتهم لاتباع الديانات الاخرى، فلا يُعرف على وجه الدقة عددهم الحالي.
تاثرهم وتاثيرهم في الحضارات والديانات الاخرى المجاورة لهم
احد معابد الصابئة في بغداد
سبق وان اشرنا اعلاه ان مفهوم الاغتسال والتعميد في الماء، قد ورد في العديد من النصوص المسمارية، الامر الذي يدل على تاثر الاديان العراقية في زمان الحضارات البابلية والسومرية والاشورية بالديانة الصابئية المندائية، كما اثبت التاريخ ان العرب كانوا يدينون بديانة قريبة الى الصابئة منذ القرون الاولى، وقد اتخذوا الهياكل وسموها البيوت، وجعلوها معابد يقدسونها ويدينون بها، ويدل على ذلك انهم كانوا يسمون انفسهم عبيدًا لها، كقولهم عبد شمس وعبد المشتري وغيرها.
وفي الحقيقة فان الصابئة المندائيين يرفضون عبادة الكواكب، وعندما نشر المؤلف “عبد الرزاق الحسني” كتابًا عن الصابئة المندائيين، معتبرًا اياهم عبدة كواكب، اثار ذلك حفيظة رجال الصابئين، وقدم الشيخ “دخيل” الى بغداد يحمل معه كتابهم المقدس الكنز العظيم “كنزاربا”، يتلو منه امام المحكمة بوجود مترجم يترجم امام الشهود من السفر المقدس نصًا يرفض عبادة الكواكب ويظهر انهم يعبدون الله الواحد الاحد.
الكتاب المقدس لدى الصابئة
واشار العديد من المؤرخين الى ان معتقدات الصابئة المندائية برزت لاول مرة في جنوب ما بين النهرين، وذهب هنري لايرد عالم الاثار البريطاني الذي اسهم في الكشف عن الاثار الاشورية الى ان الدين الاشوري في ايامه المبكرة الاولى وقبل ان تمسه التاثيرات الفارسية وغيرها امتداد للدين البابلي او الصابئي.
في حين يرى البعض ان الصابئة المندائية تمتد الى ما قبل ذلك وبالتحديد الى العهد السومري، وبالمقارنة بين الدين الصابئي والسومري، فكلا الديانتين تعظمان الماء وتضعانه في منزلة عظيمة، كما ان طغيان الماء في الشعائر والطقوس الصابئة المندائية يمثل تمسكًا قويًا باصل ديني بعيد يعود الى العهود السومرية، كما يعتقد الصابئة المندائيون ان الانسان عندما يموت تنقل نفسه الى العالم الاخر، حيث تحاسب النفس وتوزن اعمالها فاذا كانت الحسنات كثيرة تصعد الى عالم الانوار اما اذا كانت السيئات اكثر فانها تذهب الى “المطراثي”، وهي رحلة تمر بها النفس بـ7 محطات “عوالم الحساب”، الحالة نفسها التي نجدها عند السومريين، فهم يرون ان الانسان عندما يموت تذهب روحه الى العالم الاخر، وتجتاز هذه الروح البوابات السبعة ثم تذهب الى مستقرها في العالم الاسفل.
كما ان هناك تقليد ديني مندائي يتضمن اطلاق اسم ديني على الصابئي بالاضافة الى اسمه المعلن، ويستعمل هذا الاسم في طقس التعميد والمناسبات كالزواج والوفاة وغيرها، ويسمى بـ”الملواشة” وهو اسم ديني حيث ينسب الفرد الى امه.
الدرفش رمز الصابئة المندائية
نفس التقليد الموجود في السومرية، حيث كان يطلق اسماء على رجال الدين، حيث يعتقد ان ممارسة السحر الاسود او الضار يسري على الاسم الديني وليس على الاسم المعلن، وكان الكهنة يتحاشون الكشف عن اسمائهم الدينية لكي لا يتعرضوا الى اخطار السحرة والاعداء، كما ان الديانات الصابئة المندائية والبابلية تقدسان الشمس باعتبارها قوة للخير.
ويلتقي الصابئة المندائيون بالبابليين بلباس التعميد الابيض “الرستة” لدى المندائيين باللباس الابيض الذي كان يرتدونه الكهنة في بابل، ويحرم المندائيون حلق اللحى وشعر الراس كذلك البابليون، رغم ان عامة الصابئة لا يتقيدون بهذا التحريم اليوم، فان رجال الدين منهم ملتزمون تمامًا بهذا التحريم فيتركون لحاهم وشعر رؤوسهم.
اما في حالة الوفاة فيعتقد الصابئة ان نفس الميت لا تصعد الى السماء الا بعد مرور 3 ايام على الوفاة وخلال هذه الايام الثلاثة تظل النفس تحوم ما بين القبر وبيت الميت وبعد الايام الثلاث تاخذ سبيلها الى السماء، نفس الصورة نجدها لدى البابليين، فروح الميت عندهم تبقى تحوم 3 ايام بعد ايداع جثمانه القبر.
وذكرت الليدي دراور في كتابها “الصابئة المندائيين” ترجمة نعيم بدوي وغضبان رومي، ان الصابئيين لا يعبدون الاجرام السماوية، لكنهم يعتقدون ان النجوم والكواكب تحتوي على مخلوقات حية هي ارواح ثانوية تابعة لامر ملك النور “ملكا دنهورا”، وانها تتحكم في مصائر البشر، ويصاحب هذه الارواح الخيرة اضدادها من الارواح الشريرة، ففي فلك الشمس “شامش” ينتصب شامش الخير النافع رمز الخصب والخضرة، ومعه الروح الشريرة المهلك “ادوناي” مع ارواح نورانية حارسة اخرى.
فالصابئيون يوجهون دعاءهم للارواح الخيرة النورانية فقط وليس لتلك التي تخص عالم الظلام، ويقول المندائيان نعيم بدوي وغضبان رومي واللذان قاما بترجمة الكتاب، ان الصابئة طائفة عراقية قبل ان تكون اي شي اخر، بل اننا كما نشير طقوسها صلة الحاضر بالماضي البالي الاكدي والنبطي في العراق.ماذا تعرف عن الصابئة اتباع النبي يحيى بن زكريا؟

Scroll to Top