اخبار اليوم الصحيفة, يواجهون من اجله اخبار اليوم الصحيفة, يواجهون من اجله
اعتاد الناس ان العسل من الاطعمة الشهية، الغنية بالعديد من العناصر الغذائية المفيدة مثل مضادات الاكسدة والمعادن ويساهم في خفض ضغط الدم ،وتقليل نسب الكوليسترول في الدم وغير ذلك، ولكن رغم ذلك فانه مثل غيره من الاطعمة والنباتات الطبيعية قد يكون لبعض انواعها خصائص مختلفة في التاثير على الوظائف الحيوية للانسان، تمامًا مثل النباتات الطبيعية مثل القنب والخشخاش والافيون التي هي في الاصل نباتات طبيعية ولكن اثرها المخدر يصل بمن يتناولها الى الادمان والموت.
هذا النوع من انواع العسل الذي عُرف باسم «عسل الهلاوس» او «عسل الجنون» يسبب تناوله الشعور بالخدر وانخفاض ضغط الدم وتغيرًا في سرعة ضربات القلب، وتشوش الرؤية وحتى نوبات اغماء،
السائل الذهبي المائل للحمرة ينتجه نحل العسل الضخم المعروف علميًا باسم «ابيس دورساتا» Apis dorsata الذي يتواجد في بعض المناطق الوعرة والمتفرقة في جنوب اسيا مثل ماليزيا واندونيسيا والفلبين، وبعض الاماكن في جبال الهيمالايا وبعض ضواحي تركيا وينتج من رحيق بعض فصائل النباتات الزهرية المعروفة باسم «رودندرون» Rhododendron.
التاريخ والجغرافيا
يرجع موقع المزارع الحديث بداية ظهور «عسل الهلاوس» الى القرن السابع عشر حيث كان يتم تداوله تجاريًا من منطقة البحر الاسود الى قلب اوروبا حيث تم استخدامه في صناعة بعض انواع الخمور الفاخرة لزيادة اثر السَكْرة فيها بدرجة تفوق اثر الكحول نفسه، واليوم يتوفر في بعض المناطق في تركيا ونيبال ويقبل على تناوله عدد كبير من الناس الذين يؤمنون بان هذا النوع من العسل يشفي بعض امراض المعدة وداء السكري ويحسن من الاداء الجنسي للرجال.
هذا برغم ان هناك بالفعل عدة حالات مثبتة للتسمم نتيجة تناول هذا النوع من العسل منها 200 حالة تسمم لمواطنين وسائحين في تركيا، ومن ناحية اخرى جاء ذكر «عسل الهلاوس» تاريخيًا اثناء فترة حكم الملك «ميثرادتس» السادس احد ملوك الدولة البونتية «اسيا الصغرى» على سواحل البحر الاسود «تركيا الان» والذي اشتهر بتسميم اعدائه باستخدام نوع غامض من العسل تطابقت اوصافه مع «عسل الهلاوس».
المخاطر والربح
نظرًا لشهرته واقبال الكثير عليه رغم اخطاره المحتملة؛ اختار بعض المغامرين ان يبحثوا عن اماكن تواجد هذا العسل وان يجتازوا العديد من العقبات في سبيل الحصول عليه في احد اكثر الاماكن وعورة على سطح الارض وهي تلال وجبال «الهيمالايا» وتحديدًا في «نيبال».
عملية جني العسل معقدة جدًا، والتي تتمثل في تسلق ما يزيد عن 300 قدم – 91 مترًا تقريبًا – والتعلق في احبال ودعائم قوية من سيقان نبات «البامبو» حتى الوصول الى مستعمرات انتاج العسل ومواجهة لدغات الالاف من النحل الضخم الذي قد يصل حجمه الى ثلاثة سنتيمترات تقريبًا، والذي يقوم ببناء مستعمراته في اعلى نقطة ممكنة بشكل دفاعي يتيح للنحل ان يحمي مستعمراته التي قد يصل محتواها من العسل الى 33 رطلًا – 15 كيلوجرامًا تقريبًا – للمستعمرة الواحدة، ويتراوح سعر بيعه في الاسواق ما بين 60 الى 80 دولارًا امريكيًا للرطل الواحد.
الارواح سريعة الغضب
شعب «الكولونج» النيبالي استوطن المناطق والقرى القريبة من سفوح جبال الهيمالايا لالاف السنين وبحسب قول احد جامعي العسل النيباليين في احد الوثائقيات من انتاج «ناشيونال جيوجرافيك» ان جمع العسل الثمين هي مهنتهم وابائهم واجدادهم الوحيدة منذ قرون وانهم هم فقط القادرون على مواجهة المخاطر للوصول الى العسل والذي استخدموه في معالجة السعال ومضادًا لالتهاب الجروح وحتى الشمع المُستخرج يذهب الى العاصمة النيبالية «كاتماندو» ويستخدم في صناعة قوالب تماثيل الالهة.
المثير للاهتمام ان جامعي «عسل الهلاوس» من شعب «الكولونج» لا يستخدمون اي وسائل حديثة للوقاية من لدغات النحل واعتادوا ان يتحملوا المها بشكل عادي، وحتى الارتفاعات والتلال الوعرة لا يستخدمون في تسلقها اكثر من الحبال القوية، وبعض العصي المشتعلة التي يستخدمون الدخان المتصاعد منها في ابعاد النحل بطريقة تبدو عفوية لكي يتهيا لجامع العسل ان يلتقط اللوح الشمعي الغني بالعسل والذي قد يصل طوله الى ستة اقدام – 182 سنتيمترًا تقريبًا – بيديه العاريتين دون اي تراجع.
فقط يتمتم جامع النحل بتعاويذ من تراث «الكولونج» لابعاد النحل والارواح سريعة الغضب التي تحمي – بحسب معتقداتهم – السائل الثمين منذ ازمان بعيدة حيث يستمرون في ترتيل ما معناه: «يا روح الرانجاكيمي الحارسة نحن لسنا لصوصًا، نحن مع ابائنا، طِر بعيدًا ايها النحل، نحن لسنا سارقين، ارحل».
مشروع ام محرم؟
رغم الجدل الدائر حول هذا النوع من انواع العسل؛ الا ان العديد من راغبي المغامرة تساءلوا قبل خوض اي تجربة عما اذا كان هذا النوع من العسل «مشروعًا قانونيًا» ام لا، او اذا كان مجرّمًا بمثابة نوع من انواع المخدرات وبالبحث المبسط وجد ان «عسل الهلاوس» هو منتج قانوني تمامًا في كل البلاد تقريبًا وخاصة «تركيا» و«نيبال»، وحتى عبر الانترنت يمكنك ان تحصل عليه من موقع مخصص له مسمى باسمه الشهير «Mad honey».
قد يجد الكثير من السائحين والمغامرين حذرًا كبيرًا من قِبل السكان والتجار المحليين قبل بيع العسل نظرًا لان الجميع اصبح يدرك الان انه ليس من الامن على صحة الفرد تناول كميات كبيرة منه.
وقد حذر العديد من الخبراء والباحثين من تناوله لما قد يسببه من اخطار بجانب الاعراض العادية لتناوله نظرًا لكونه بالاساس مصنفًا نوعًا من انواع «السموم» المعروفة طبيًا باسم «Grayanotoxin» والتي وردت في احد ابحاث المركز القومي الامريكي لمعلومات التكنولوجيا الحيوية NCBI التي ذكرت اثار تناوله باكثر من تشويش الرؤية والشعور بالخدر، بل امتدت مثلها مثل انواع السموم التقليدية كالغثيان والقيء والاسهال وذكرت ايضًا ان نادرًا ما تكون حالات التسمم بمادة «Grayanotoxin» قاتلة ولكن البحث اكد على خطورتها وذكر ان اثرها «يكاد يكون القاتل» «Near Fatal» ولكن لها اثرًا سلبيًا على الجهاز العصبي المركزي بعد تجربتها على احد فئران التجارب، ويذكر الباحث انه تم ادراج اعراض تناول هذا العسل رسميًا تحت مسمى «مرض عسل الجنون» او «Mad Honey Disease».
له فوائد ايضًا
يذكر الباحث نفسه ان لهذا النوع من العسل بعض الخواص المفيدة والتي تم بالفعل اختبارها واظهرت نجاحًا بمثابة «مكافح لارتفاع ضغط الدم» «anti-hypertensive»، وبرغم ان اكتشاف الخواص العلاجية للمادة الفعالة «Grayanotoxin» في العسل لم يتم بشكل كامل؛ الا ان تجربتها على الفئران في بعض الامراض الاخرى مثل داء السكري اظهرت نتائج ايجابية منها انخفاض المعدلات الحيوية للكوليسترول والدهون الثلاثية.
كما اكد الباحث انه بالاطلاع على نتائج ابحاث اخرى للعقاقير المستخرجة من فصيلة نباتات Rhododendron وهي المحتوى الاساسي للرحيق الذي ينتج منه نحل الهيمالايا «عسل الجنون»؛ ثبت فاعليتها في العمل كمضادات حيوية من النوعين البكتيري والفيروسي.
ومع النتائج البحثية – وبرغم ثبوت وجود بعض الفوائد – نجد ان التوصية كانت دائمًا هي الابتعاد عن تناول العسل بشكل تام تجنبًا لاي اصابات او تطورات قد تحدث للشخص العادي نتيجة تناوله مهما بدت المغريات قوية وتعد بالكثير من النشوة التي قد تاتي على حساب اضرار اخرى.يواجهون من اجله الموت واللدغات القاتلة.. هل سمعت من قبل عن «عسل الهلاوس»؟