اخبار اليوم الصحيفة, تجند النجوم وتخترق اخبار اليوم الصحيفة, تجند النجوم وتخترق
ربما اشهر ما يعرفه عنها الكثير وابسطه انها ديانة ممثل هوليوود الشهير «توم كروز»، وانها ديانة غير ابراهيمية (سماوية) حديثة ظهرت في امريكا خلال الخمسينات، ولكن هذا ليس كل شيء، فهناك ما هو اكثر من ذلك بكثير عن ديانة «الساينتولوجي».
يعّرف موقع كنيسة «الساينتولوجي» الرسمي الايمان في الساينتولوجي بانه يتمحور حول الروح، وليس العقل والجسد، وُيبرز عدة مبادئ اساسية هي ان الانسان «روح» ابدية، وان خبرته وحياته تمتد الى اكثر من حياة واحدة وجسد واحد –ما يُعرف بتناسخ الارواح- وان قدراته تمتد الى ابعد مما يعتقد بكثير، وان لم يُدركها.
ومن ثم تهدف الديانة للوصول بالفرد الى حالة كاملة من الصفاء والنقاء يعود فيها الى اصله «الروحاني» الابدي، ويكون في تناغم وتواصل تام مع العالم الروحاني بصفته «كائن اعلى» او Supreme being، ويكون الوصول الى ذلك من خلال الممارسات الدينية والمعرفية الخاصة بالساينتولوجي، هذا المُلخص المُبسط للديانة جاء في تعريف مؤسسها، الكاتب المثير للجدل «ل. رون هوبارد».
رجل بمخيلة واسعة وزي عسكري
مؤسس ديانة الساينتولوجي هو «لافاييت رون هوبارد» كاتب امريكي ولد عام 1911 في ولاية نبراسكا، ودرس الهندسة مدة عامين في جامعة «جورج واشنطن»، ولكسب عيشه بدا في الثلاثينيات كتابة قصص الفانتازيا والخيال العلمي بشكل غزير في مجلات متخصصة في هذا النوع من الكتابات عُرفت اشهرها باسم «خيال علمي مذهل» او astounding since fiction -كتب لها كاتب الخيال العلمي الشهير «ايزاك ازيموف» ايضًا- ثم التحق بالبحرية الامريكية عام 1941 بعد اعلان الحرب العالمية الثانية عقب قصف «بيرل هاربور» الشهير.
صورة لهوبارد في مكتبه اثناء ممارسة الكتابة- مصدر الصورة freedommag.or
وبعد فترة اقل من عام قضاها «هوبارد» وسط البحر قبالة سواحل استراليا تم اعفاؤه من خدمته الميدانية اثر خلافات بينه وبين احد قواده، نظرًا الى مخالفته الاوامر التي تم تقييم ادائه خلالها «بغير المُرضي»، اُرسل بعدها الى احدى الكليات البحرية لدراسة تقنيات معارك الغواصات، بعدها قضى فترة قرابة الاعوام الثلاثة يقصف بشكل منتظم ما اعتقد انه غواصات يابانية معادية قرب ساحل ولاية اوريجون الامريكية، دون الرجوع للقيادة، والتي اتضح لها عدم وجود اية غواصات يابانية في منطقة الهدف.
كان الهدف الذي يصر هوبارد على قصفه ليس الا حقلًا مغناطيسيًّا طبيعيًّا ومعروفًا للرصيف البحري، تم نقل هوبارد اثر ذلك الى الخدمة غير الميدانية، وفي عام 1950 استقال من البحرية وبدا في كتابة ونشر احد اهم اعماله، الذي كان بمثابة الوحي الاكبر الذي بُنيت عليه لاحقًا ديانة الساينتولوجي باكملها.
صورة لهوبارد اثناء خدمته العسكرية من موقع business insider نقلًا عن الوثائقي «going clear»
في البدء كان «الديانتيكس»
عام 1950 نشر «هوبارد» كتابًا اسماه «الديانتيكس» Dianetics، والذي تفسره الساينتولوجي اليوم بانه اشتق من اللفظتين اليونانيتين: dia اي «من خلال»، و nous اي «العقل»، وظل تعريفه في قاموس «كامبريدج» انه لفظ اصيل يُعرف بمجموعة افكار خاصة بمؤلفها «هوبارد».
الاسم الكامل للكتاب هو «الديانتيكس: العلم الحديث للصحة العقلية»، وتناول من خلاله «هوبارد» تعريفات خاصة به لا تنتمي الى علم بعينه مثل علم النفس، والفلسفة، ولكن المبدا الاساسي للكتاب يتناول تعريف «هوبارد» لعقل الانسان بانه ينقسم الى شقين هما: «العقل التحليلي» analytical mind والعقل الرد فعلي/ التفاعلي reactive mind.
ويرى «هوبارد» ان كل المدخلات السلبية العقلية تمر عبر العقل التحليلي، وتذهب لتُسَجل في العقل الرد فعلي لدى الانسان في شكل «انجرامات engrams» تسبب الازعاج والاضطراب في تفكير الانسان، وتلك الانجرامات لا يمكن التخلص منها باي شكل سوى ما يسمى بالعلاج الديناميكي عن طريق عملية «تدقيق» auditing، ويقوم بها «مدقق» auditor متخصص في استخلاص تلك الافكار والتخلص منها من عقل الشخص بغية الوصول الى الحالة القصوى اي «الصفاء clear».
يتم ذلك من خلال جلسة استجواب واستحضار الذكريات السلبية بين المدقق والشخص اثناء توصيل هذا الاخير بجهاز ابتكره «هوبارد» يسمى اي-ميتر E-meter اختصارًا لمصطلح electrophsycometer يشبه في طبيعة عمله جهاز كشف الكذب، ويقيس من خلاله المدقق مشاعر وتفاعلات الشخص، ويقيّم من خلال قراءات الجهاز مدى تخلصه من «الانجرامات» السلبية التي تشوش على صفاء روحه.
طُرح الكتاب وجذب انتباه الكثير من الناس في دوائر العلم، وتعاملوا معه وقتها على انه كتاب تطوير ذاتي وليس علمًا مُعترفًا به، بل وحذر البعض منه مثل الطبيب النفسي «مارتن جامبرت» الذي قال عام 1951 لجريدة new republic:
«ليس من الغريب ان يشعر الشخص بانه حصل على المساعدة والراحة اثر تلقيه الحلول السريعة والسهلة التي تقدمها «اشباه العلم pseudoscience»، وربما يثبت ان الثقة في مثل هذا الكتاب الخطر قد تكون قاتلة».
سارة نورثرب.. قطعة الاحجية المفقودة
نجح كتاب «هوبارد» بشكل كبير وتصدر قوائم الاكثر مبيعًا في الولايات المتحدة عدة اشهر؛ بل وانتشر في الكثير من الدول ايضًا، وبدا «هوبارد» في المحاضرة عن كتابه بشكل مُنظم سرعان ما جذب الكثير من الناس في فترة وجيزة، وحقق من خلالها «هوبارد» مكاسب كبيرة ساهمت في صعود نجمه في المجتمع الامريكي.
صورة سارة نورثرب او سارة هوبارد من موقع alchetron
في احد اهم الكتب –تحول الى وثائقي عام 2015- التي نشرت عن الساينتولوجي عام 2013 «الصفو: الساينتولوجي وسجن المعتقد» للكاتب الكندي والمنشق عن الديانة «لورانس رايت» ذكرت «سارة نورثرب» زوجة «هوبارد» الثانية -والتي تنفي كنيسة الساينتولوجي اية علاقة لها بـ«هوبارد» من الاساس- ان زوجها هوبارد كان غريب الاطوار، وانه ذات مرة تعدى عليها بالضرب لانها ابتسمت اثناء نومها اعتقادًا منه بانها تحلم بشخص اخر، وذكرت «نورثرب» ايضًا انها انجبت طفلة من «هوبارد» اسمها «اليكسيس».
صورة لـ«هوبارد» وزوجته سارة وابنتهما اليكسيس من موقع business insider نقلًا عن الوثائقي «going clear»
وروت انه كذب عليها بتزييف بطولات وميداليات حربية حصل عليها بصفته «بطل حرب»، وهو ما ثبت عدم صحته عندما نُشر سجل «هوبارد» العسكري كاملًا فيما بعد، وقالت انه بعد نجاح كتابه بدا في التصرف بغرابة، والاعتقاد بانه مبعوث الهي، وراودته افكار متطرفة نصحته «سارة» على اثرها بالعلاج النفسي، ولكنه عارض ذلك، ورد بان اختطف ابنتهم «اليكسيس» وسافر بها الى كوبا وتركها برفقة عائلة كوبية فقيرة احتجزتها في قفص حيوانات واخبرها انه قتلها بطريقة عنيفة، ثم عاد ليخبرها انه لم يفعل ذلك.
عام 1951 قاضت «سارة نورثرب» زوجها هوبارد الذي وافق على الطلاق، واحتفظت بحق الوصاية على ابنتها «اليكسيس»، ومن بين اعترافات «سارة» ان «هوبارد» كان دائمًا ما يقول لها ان الطريقة الوحيدة لكسب اموال حقيقية هي ان تحصل على ديانة، وهو ما حاول فعله هوبارد من خلال كتابه الديانتيكس؛ لان المؤسسات الدينية يعتبرها الدستور الامريكي خارج الحسابات الضريبة، ولا يمكن فرض ضرائب على ممتلكاتها وثروتها، ووقتها لن تستطيع الحكومة الاقتطاع من امواله.
من الديانتيكس الى الساينتولوجي.. الصفو ليس مجانيًّا
اكثر ما يثير فضول الاشخاص لمعرفة المزيد عن الساينتولوجي هو ان محتواها ليس علنيًّا للممارس بالكامل، بحسب تعاليم الساينتولوجي هناك ما يسمي بـ«الجسر الى الحرية الكُلية»، وهو الخطة الكاملة لمستويات المعرفة الساينتولوجية، وهو اشبه بجدول يحتوي على خطة دراسية، ويتالف من شقين هما: «التدريب»، و«التشغيل»، ويعتبر التشغيل هو الجزء الاهم، ولا يمكن للشخص ان يصل الى مستوى الا باجتياز ما يسبقه من مستويات عبر جلسات «التدقيق» غير المجانية.
صورة لجسر الوصول الى الحرية الكلية من موقع business insider نقلًا عن الوثائقي «going clear»
بعبارات اوضح، معتنق الساينتولوجي يجب ان يدفع المال -ما يسميه الساينتولوجي رسوم لجلسات التدقيق بهدف دعم العقيدة- للوصول الى المعرفة القصوى وهي مرحلة «الصفو»، وهي المرتبة الاولى بين 15 مستوى يرمز لها بالرمز OT XV، وهو اختصار لـOperating thetan 15، ومصطلح «Thetan» ويعني «كائن روحاني».
طبقًا لما جاء في كتاب «المُخلص عاري الوجه: القصة الحقيقية لـ ل. رون هوبارد» للكاتب «راسل ميلر» ان ما فعله «هوبارد» تحديدًا هو جعل مبدا الاستفادة والارتقاء مقابل المال، اي انها ليست ديانة مجانية، واسرارها ليست متاحة لاول راغب في الخلاص و«الصفو»؛ بل هي المعرفة بقدر «الاستطاعة»، وهي ما بداه «هوبارد» بمثابة نواة للديانة في غرفة بها 38 شخصًا فقط عام 1952.
هوبارد اثناء محاضرة عن الديانتيكس من موقع business insider نقلًا عن الوثائقي «going clear»
ولذلك قلة من معتنقي الساينتولوجي هم فقط من وصلوا الى المستوى النهائي من المعرفة او «الصفو»، حتى مع وجود الكثير من الميسورين والاثرياء فان تكلفة ذلك تصل الى مبالغ كبيرة جدًا بحسب المنشقين عن الديانة الذين كان لهم دور كبير فيما بعد في افشاء تلك الاسرار، اهمهم على الاطلاق هو «مايك ريندر» والذي كان بمثابة الرجل الثاني في كنيسة الساينتولوجي نفسها بعد وفاة هوبارد، والمتحدث الرسمي باسمها منذ 1982 الى 2007.
التهرب الضريبي والفرار الى البحر
في عام 1961، بدات المؤسسة الرسمية الامريكية لخدمات الدخل IRS المختصة في شؤون المحاسبات الضريبية بالتحقيق في شان «هوبارد» بتهمة التهرب الضريبي، باعتبار ان انشطته كلها «تجارية» قانونًا، وتخضع للاقتطاع الضريبي، هنا قرر «هوبارد» استغلال خبراته السابقة في العمل البحري، وفرّ الى البحار دون وجهة محددة وبرفقته مجموعة من اتباعه المخلصين، وهناك انشا الكيان الرسمي لكنيسة الساينتولوجي ومنظمة تابعة لها اسماها «منظمة البحر sea org» ووضع لها مجموعة من القواعد المنظمة لتكون بمثابة ذراع يمنى للكنيسة.
تلك القواعد تضمنت عقد التزام وتعهد بالولاء لخدمة الساينتولوجي مدة بليون سنة -وهو تقليد سائد الى اليوم- اثناء تلك الحياة، وفي الحيوات القادمة -باعتبار ابدية الروح والتناسخ- واقرّ عدة قوانين صارمة تقضي بمعاقبة الافراد المخالفين والعُصاة بالقائهم في البحر، وبعد قضاء فترة طويلة جاب فيها العديد من المواني حول العالم كان قد تم الحكم عليه في قضية التهرب الضريبي، وصار غير مرحب به في العديد من المواني في العالم بصفته مطلوبًا للعدالة.
هوبارد يهاجم.. العملية «سنووايت»
بحلول عام 1970 لم يستطع «هوبارد» البقاء بعيدًا عن وطنه، وما اعتبره «معركته» ضد مؤسسات الدولة المالية، وتسلل عائدًا الى امريكا عبر احد شواطئ ولاية «فلوريدا» دون ان يتم القبض عليه، وعاش مختبئًا متهربًا من سلطة الضرائب –طيلة حياته- وادار الكنيسة في الظل من خلال شبكة من معاونيه وزوجته الثالثة «ماري سو هوبارد»، وهنا قرر «هوبارد» العمل باحد اهم المبادئ التي وضعها وهو مبدا «اللعبة العادلة Fair game» والذي يتلخص في «الهجوم» بشراسة على كل من يحاول ان يهاجم الكنيسة، وعدم انتظار «الدفاع».
باعترافات «مايك ريندر» -المتحدث الرسمي السابق للساينتولوجي والمنشق عنها حاليًا- فان «هوبارد» كان يقول ان مبدا اللعبة العادلة انه لا يجب ان نكون ضعفاء؛ بل يجب ان تهاجم دائمًا وتكون شرسًا ولا تابه حتى لدمار افراد وسقوطهم، او مؤسسات بعينها، وانه في سبيل النصر يجب «معاقبة» اي شخص يعادي الكنيسة، او يحاول تدميرها، ومن ثم جاءت العملية «سنووايت»، وقام فيها هوبارد عن طريق معاونيه بوضع خطة تستهدف كلًّا من: الحكومة، والصحافة، والمهن الطبية، واي جهة اخرى قد تعادي كنيسة الساينتولوجي.
في عام 1979، قامت المباحث الفيدرالية بحملات مداهمة لمقرات «الساينتولوجي» وتحريز كافة الاوراق والمستندات بها، وعلى اثرها تم اكتشاف وثائق اثبتت تجسس افراد من الساينتولوجي على ادارة خدمات الضرائب، ووزارة العدل، وبعض الوثائق الخاصة بخطط التجسس على وكالة المخابرات المركزية CIA، وقُبض على 11 فردًا من الساينتولوجي والتابعين لهم، ومن بينهم «ماري سو هوبارد» زوجة «رون هوبارد» نفسها، وتم محاكمتهم وسجنهم مدة خمس سنوات؛ بينما ظل رون هوبارد نفسه مختبئًا داخل امريكا.
نهاية هوبارد لا تعني نهاية الحرب
في عام 1986، توفي هوبارد اثر سكتة دماغية مفاجئة عن عمر يناهز 74 عامًا، حينها كانت قد وصلت ديانة الساينتولوجي الى قمة صراعاتها مع المجتمع الامريكي، والمؤسسات الحكومية. ومن دون اية توصيات بالخلافة تقلد زمام الامور رجل الساينتولوجي الاول بعد «هوبارد»، وهو رئيس كنيسة الساينتولوجي الحالي «ديفيد ميسكافدج» الذي قضى عمره كله تقريبًا في خدمة هوبارد والساينتولوجي، وبدا في الاستعداد لاستكمال الحرب التي بداها هوبارد بكل قوة، وبدا في تجنيد قواه لخوض الصراع ضد مؤسسة الضرائب الامريكية لحسم الجدل، وتوصيف الساينتولوجي بانها «ديانة» وليست مؤسسة ربحية؛ بينما على الجانب الاخر اهتم «ميسكافدج» اهتمامًا غير عادي بضم الرموز الشهيرة الى ديانة الساينتولوجي بهدف تكوين صورة ايجابية وجاذبة لها.
في احد اهم التحقيقات التي نشرتها جريدة «لوس انجليس تايمز» عام 1997 ورد ان كنيسة الساينتولوجي جندت العديد من الافراد والمحققين الخاصين بهدف شن حرب نفسية وقانونية عنيفة على افراد ادارة الضرائب الامريكية IRS عن طريق مراقبتهم، ورفع دعاوى مدنية ضدهم وبشكل مستمر مدة خمس سنوات حتى اذعنت في النهاية ادارة الضرائب ووافقت في عام 1993 على تسوية كل القضايا لصالح الساينتولوجي، وتم اعتبارها «مؤسسة دينية غير ربحية» بشكل رسمي؛ مما يكفل لها الاعفاء الضريبي التام مقابل الالتزام ببعض الخدمات الخيرية.
الانتصار على الدولة ومؤسساتها
في المحفل الرسمي السنوي لكنيسة الساينتولوجي عام 1993، وقف «ديفيد ميسكافدج» امام الاف الحاضرين من اعضاء الساينتولوجي، وقال كلمته الشهيرة: «لقد ربحنا الحرب» وادى تحية عسكرية لصورة المؤسس «ل. رون هوبارد»، وقال: «سيدي، لقد تَم».
وكانت تلك واحدة من اهم اللحظات في تاريخ ديانة الساينتولوجي القصير نسبيًّا، والتي قامت بعدها بالعديد من الخطوات التي حفزها هذا النصر، كان من بينها اتمام اعلان حقوق الملكية الفكرية لجميع محتوى ديانة الساينتولوجي وجميع اعمال هوبارد الكتابية، والتي لا يجوز تناولها في اي مكان، او عبر اي منصة اعلامية تحت اي ظرف دون موافقة الكنيسة، ومن ثم صارت هي المسئول الرسمي عن تعليم محتوى الديانة والتبشير، وكذلك حقها في عدم الافصاح عن اي دخل مادي او رسوم او تبرعات ترد الى الكنيسة من قبل الاعضاء، او التابعين.
الحرب من جديد.. الانشقاق وكشف الاسرار
عبر السنوات التي تلت استقلالها بوصفها مؤسسة دينية، قامت كنيسة الساينتولوجي بالهجوم بقوة على كل من يحاول اقتحام خزانة اسرارها، او محاولة تناول اسم الساينتولوجي بشكل نقدي سواء كان محايدًا، او مهاجمًا، لكن الاعترافات الغريبة والمثيرة للجدل قد انهالت عندما انشق عن الكنيسة واحد من اكبر رجالها «مارتي راثبن» الذي كان «مدققًا» مهمًا، ثم صار كبير التنفيذيين في الكنيسة حتى تركها عام 2004، واصدر مدونته الشهيرة لانتقاد الديانة والتي تلقى على اثر ما نشره فيها التهديد والمضايقات والتحرش والمراقبة طبقًا لما قاله لاحقًا في وثائقي Going clear، واتهم الكنيسة بابتزاز المنشقين باستغلال اكثر اعترافاتهم حساسية -المُسجلة دون علمهم او التي يقال لبعضهم انها بغرض التدريب- اثناء «التدقيق».
احتدت حرب كنيسة الساينتولوجي عندما جاءت ضربة كبرى من احد اهم رجالها والمتحدث الرسمي السابق لها «مايك ريندر» بانشقاقه عن الكنيسة عام 2007، الى ان صار بعدها احد الدّ اعداء الكنيسة واكبر منتقديها، وافشى اكبر اسرارها، ومن ثم تلاه العديد من الشخصيات المعروفة في اوساط الساينتولوجي ومشاهير هوليوود مثل الممثل الامريكي «جيسون بيجي»، والممثلة «ليا ريميني»، والتي تتخذ من حربها مع كنيسة الساينتولوجي حاليًا مسارًا مهنيًّا من خلال سلسلة وثائقية باسم «الساينتولوجي وما بعد الحرب» تفضح فيها اسرار الساينتولوجي وجرائمها، بحسب وصفها.
عواقب الانشقاق.. المقاطعة والعزلة والتوبيخ
بحسب اعترافات افراد الساينتولوجي السابقين في «الساينتولوجي وما بعد الحرب» ، ومن بينهم «مايك ريندر وايمي سكوبي» من خلال الوثائقي «الساينتولوجي وما بعد الحرب» فان احد اقوى ادوات كنيسة الساينتولوجي لضمان عدم الخروج عليها هو مبدا يعرف بـ«قطع الاتصال» Disconnection، ويعلن فيها ان المنشق هو شخص «قمعي» Suppressive person -تعادل مفهوم «الكافر» في الديانات اخرى- ثم منع الاتصالات منعًا باتًا بين المنشق وكل فرد من افراد اسرته وعائلته الساينتولوجيين لدرجة تصل لارغام افراد الاسرة وتهديدهم بعواقب الاقصاء من الديانة ان لم يذعنوا للقطيعة.
الممثلة ليا ريميني المنشقة عن كنيسة الساينتولوجي
يروي «ريندر» في الوثائقي «بانوراما: اسرار الساينتولوجي» انه بعد ترك الساينتولوجي حاول زيارة زوجته وابنائه، لكنه فوجئ بهم يهاجمونه، ويوبخونه، ويتشاجرون معه ويتهمونه بالخيانة، والدونية، وقامت زوجته بتقديم بلاغ ضده اتهمته فيه بالاعتداء البدني عليها، وهو ما حُكم فيه لصالحه بعد ان ثبتت براءته، بالاضافة الى المزيد من الحالات المُشابهة للعديد من المنشقين، والتي تُصر الكنيسة دائمًا وحيال اي استجواب انها «خطوة تطوعية» وتتم بمحض ارادة اسر المنشقين.
اعترف «مايك ريندر» ايضًا في «الساينتولوجي وما بعد الحرب»، انه شهد شخصيًّا العديد من المواقف التي ضرب فيها رئيس الكنيسة الحالي «ديفيد ميسكافدج» بعض المسؤولين في الكنيسة؛ بل واتهم «ميسكافدج» بضربه شخصيًّا، وكذلك «مارتي راثبن» قال انه تعرض للضرب ايضًا، واكدت «ايمي سكوبي» الرئيسة السابقة لمركز المشاهير التابع للكنيسة صحة وقائع مشابهة، ولكن بالطبع نفت الكنيسة ذلك خاصة وان كل تلك الادعاءات لا يوجد عليها اية دلائل؛ بينما الشهود كانوا هم انفسهم او بعض رجال الكنيسة الذين لا يزالون داخل الكنيسة ولن يشهدوا لصالحهم بالطبع.
السر الاكبر.. الاله «زينو»
في الوثائقي «الصفو: الساينتولوجي وسجن المعتقد» يروي «بول هاجيس»، المخرج والمؤلف الفائز بالاوسكار عام 2004 وتارك الساينتولوجي، احد اسرار الساينتولوجي التي لا يعرفها كل معتنقي الديانة؛ بل من يصل الى المستويات العليا فقط من المعرفة ويحصل عليه منسوخ بخط «هوبارد» شخصيًّا، وهو قصة بدء الكون، وهي باختصار تروي ان هناك الهًا مجرّيًا Galactic overlord يدعى «زينو» كان يحكم الكون منذ ملايين السنين وان هناك كانت كائنات تعيش في عالم مشابه الى حد كبير لعالمنا الحالي.
لكن «زينو» واجهته مشاكل تتمثل في تعدد شرور الكائنات التي كان يحكمها، فجمع منهم من استطاع وقام بتجميدهم اصطناعيًّا، وارسلهم الى كوكب الارض بمثابة منفى، ثم امر مركباته بالقائهم في فوهات البراكين التي كانت على الارض ليتحولون الى رماد وتتناثر اشلاؤهم على تراب الكوكب.
ثم بمرور الزمن اختلط رمادهم باجساد الانسان الحالي. واختلطوا باجسام البشر حتى اليوم وهم السر في بقائنا كائنات ضعيفة ومشوشة، وان «تدقيق» الافكار في الساينتولوجي هو ما يحرر ذواتنا «الاصلية»، ونصير كائنات روحانية Thetans، وهو ما يسمى «الصفو Going clear»، اكدت ايضًا الرواية ذاتها «هانا وايتفيلد» وهي احد الاعضاء التنفيذيين المنشقين عن منظمة البحر التابعة لكنيسة الساينتولوجي في اعترافاتها في الوثائقي «الصفو: الساينتولوجي وسجن المعتقد».
بطريقة ما لم تنف او تؤكد كنيسة الساينتولوجي تلك القصة حتى اليوم، ولكن بدلًا من ذلك يجيب دائمًا ممثلو الكنيسة بعدوانية شديدة، اذ يعتبر ممثلو كنيسة الساينتولوجي ان خوض غير المؤمنين بالديانة في اصل القصة من الاصل يعتبر اهانة لديانة الساينتولوجي نفسها ومعتنقيها، وانه لا يجب ابدًا ان نسال الناس عما يؤمنون به، وان الساينتولوجي مثلها مثل اية ديانة تحتفظ بالحق في اخفاء نصوص بعينها كما الحال في ارشيف الفاتيكان، وعلى من يرغب في معرفة الحقيقة ان يدرس الديانة ليعرف الحقيقة عبر رحلة تنوير كاملة بنفسه.
لماذا مشاهير هوليوود تحديدًا؟
الممثلة «ليا ريميني» ظلت داخل عقيدة الساينتولوجي مدة 30 عامًا، ثم تركت الديانة عام 2013 اثر عدة خلافات واتهامات بينها وبين قادة الكنيسة، بعدها صرحت انها تركت الساينتولوجي لاسباب تتعلق بـ«فساد السلطة» داخل الكنيسة، وبعدها نشرت كتاب «صانعة المشاكل»، اوردت فيه الكثير من الاسرار غير المعروفة للناس خارج الساينتولوجي، وبعدها انتجت وشاركت في تقديم الوثائقي المسلسل «الساينتولوجي وما بعد الحرب»، والذي ذكرت فيه ان السبب الرئيسي لاهتمام «الساينتولوجي» بنجوم هوليوود هو التسويق والدعاية لها.
الممثل توم كروز اشهر معتنق للساينتولوجي في العالم
تقول «ريميني»: «الساينتولوجي هو عمل، واي عمل يفكر في الدعاية ماذا يريد؟ نعم يريد نجم كبير يروج له»، واكدت ان كنيسة الساينتولوجي «تهتم اهتمامًا كبيرًا يفوق الوصف بنجوم هوليوود وخاصة (توم كروز)»
مركز مشاهير هوليوود الخاص بكنيسة الساينتولوجي- مصدر الصورة dailymail
فالمشاهير يحظون بمعاملة «ملكية» في ظل الساينتولوجي مقابل الترويج لها واعطاء انطباع طيب عنها في وسائل الاعلام للمقربين، تلك بمثابة اقوى دعاية للديانة، وتقول «ليا ريميني»: «كانت تخصص لنا غرفنا الخاصة، في اجزاء متفرقة عن المباني الرئيسية، واي شكوى لدينا من العالم الخارجي كانت تُقابل بموافقة فورية، كانت تتم خدمتنا بشكل مختلف»، وصرحت انها انفقت ملايين الدولارات على الساينتولوجي اثناء تبعيتها للكنيسة وطالبت «ريميني» برد مليون ونصف دولار منهم لها بعدما تلقت خطابات هجوم حاد ضدها من الكنيسة.
رغم كل الجدل الدائر حول ديانة الساينتولوجي الا انها اليوم لا زالت واحدة من الديانات المعروفة في امريكا والعالم، وصار لهوبارد شارع باسمه في لوس انجلوس بولاية كاليفورنيا، ومؤسسة دينية غير ربحية تعمل من خلال ثماني كنائس كبرى في ثماني ولايات امريكية، وفي كل من: انجلترا، واسبانيا، والمانيا، وبلجيكا والمكسيك، وجنوب افريقيا.
وفي عام 2012، نشر موقع business insider مقالًا يتضمن ارقامًا خاصة بالساينتولوجي اورد فيها ان عدد اعضاء الساينتولوجي يقدر بحوالي 8- 12 مليون شخص في العالم، ويصل متوسط رسوم جلسة التدقيق الواحدة فيها الى 500 دولار، وهناك اليوم حوالي 10 الاف مركز استشاري وكنيسة تابعة للساينتولوجي، ويصل قيمة راس مال كنيسة الساينتولوجي الى 500 مليون دولار، بين تبرعات خاصة، وانشطة تابعة للكنيسة.
شارع هوبارد في ولاية كاليفورنيا
ولا تزال كنيسة الساينتولوجي الى اليوم في حرب قانونية واعلامية مع اكبر منتقديها، والمنشقين عنها، وابرزهم «ليا ريميني» و«مايك ريندر» بصفتهما كانا من اهم افرادها والمدافعين عنها قبل ان يتخذ كلاهما القرار باعلان الحرب بدورهما باطلاق موسم ثانٍ من السلسلة الوثائقية «الساينتولوجي وما بعد الحرب» بدا عرضه في اغسطس (اب) 2017، ويستمر عرضه حتى لحظة كتابة هذه السطور ديسمبر (كانون الاول) 2017.تجند النجوم وتخترق المؤسسات.. تعرف الى ديانة الساينتولوجي التي يعتنقها الملايين