اخبار اليوم الصحيفة, لست مجنونا ما اخبار اليوم الصحيفة, لست مجنونا ما
مقدمة المترجمة
تتحدث مع نفسك كثيرا وتخجل ان سمعك او راك احدهم؟ لا تقلق لست وحدك، تعرض كاتبة المقال الاتي دراسات حديثة في علم النفس تمنحك نظرة مختلفة لحديثك مع نفسك، بل وبعض التوجيهات لتخرج باكبر استفادة من هذا السلوك، استمع لصوت عقلك واقرا المقال التالي.
نص المقال
ذات يوم في ربيع 2010 كان عالم النفس ايثان كروس يقود سيارته عندما كسر اشارة حمراء، وفورا هتف لنفسه قائلا “ايثان ايها الغبي!” وتعهد ان يقود بحذر في ما تبقى من الطريق، ثم لكونه عالم نفس توقف ليفكر في ما قاله. فهو لم يقل انا غبي! بل اشار الى نفسه باسمه “ايثان”، فما السبب؟
بعد بضعة اشهر، كان ليبرون جيمس، لاعب كرة السلة الشهير في مقابلة على شاشة التلفزيون يناقش قراره بمغادرة فريق كليفلاند كافالييرز الى ميامي هيت. وكان بضعة مشجعين في كليفلاند يحرقون قميصه، الا ان جيمس اوضح ان قراره كان منطقيا. وقال: “لم ارد ان اتخذ قرارا عاطفيا، واردت ان افعل ما هو افضل لليبرون جيمس، وان افعل ما يجعل ليبرون جيمس سعيدا”. شكك الكثيرون في سلامته العقلية وربما حكم كروس نفسه على هذه اللغة باعتبارها نرجسية المشاهير المعتادة، لولا انه تذكر ذلك الموقف الذي يخصه.
بعد ذلك، سمع كروس ناشطة التعليم الباكستانية مالالا يوسفزاي، اصغر فائزة بجائزة نوبل،
تتحدث في برنامج “ذي ديلي شو”، وتحكي عن تعاملها مع طالبان، وتقول انها كانت تفكر “اذا اتت طالبان ماذا ستفعلين يا مالالا؟”،
واوضحت انها قالت حينها: “سارد على نفسي قائلة مالالا، فقط امسكي بحذاء واضربيه”. وقد حفز ذلك كروس على العمل، كان يعلم ان الناس يتحدثون بطبيعة الحال مع انفسهم، لكنه لم يعرف ما اذا كانت الثرثرة تصل الى حد كبير او ما اذا كانت الكلمات التي استخدموها ذات اهمية. لذلك قرر ان يبحث في الامر. وفي سلسلة من التجارب الرائدة، وجد كروس ان لطريقة خوض الناس حواراتهم الداخلية تاثير هائل على نجاحهم في الحياة. فاذا تحدثت الى نفسك مستخدما الضمير “انا”، من المحتمل ان يسوء اداؤك تحت الضغوط، اما اذا خاطبت نفسك باسمك فترتفع فرص تفوقك في اداء المهام فجاة.
بجانب معالجته لمجموعة من البحوث التي قام بها الاخرون، ادخل كروس منظورا جديدا تماما على ما تم تجاهله او التغافل عنه فترة طويلة في علم النفس، وذلك هو استخدام الحديث مع النفس لتعزيز الثقة، حيث يرتقي عمله بالحديث مع النفس الى شيء اكثر اهمية بكثير، انه اداة قوية للوعي. وعندما تستخدم هذه الاداة بطرق محددة جدا في اوقات محددة، تحرر الدماغ للاداء الافضل على الاطلاق، وعن طريق تبديل الطريقة التي نخاطب بها ذاتنا -ضمير المتكلم ام المخاطب- فكاننا نضغط على زر في القشرة الدماغية، ومركز الفكر، واخر في اللوزة الدماغية، ومركز الخوف، والانتقال اقرب او ابعد من شعورنا بذاتنا وشدته العاطفية. يمكننا اكتساب المسافة النفسية من ضبط النفس، مما يسمح لنا بالتفكير بوضوح، وان نؤدي بكفاءة، ويقلل مفتاح اللغة من اجترار الافكار والشعور بالقلق والاكتئاب، بعد ان نكمل المهمة، كما اننا اذا تحررنا من الافكار السلبية نكتسب منظورا جديدا للحياة، ونركز بعمق ونخطط للمستقبل.
يقول العلماء الذين يدرسون الصوت الداخلي انه ياخذ شكله في مرحلة الطفولة المبكرة ويستمر مدى الحياة كرفيق للانسان ومصدر الهام خلاق له، وهو وثيق جدا وثابت جدا، وفقا لعالم النفس البريطاني تشارلز فيرنيهوغ، حتى انه يمكن اعتباره فكرا في حد ذاته. ويوضح: “عندما سال ثياتيتوس سقراط عن تعريف الفكر، قال سقراط: هو الحديث الذي تخوضه الروح مع نفسها”.
وقد يساء استخدام هذا الكلام ليصبح مصدرا للاجترار الفكري المؤلم او حتى مرض الذهان، الا انه يمكن ان يجعلنا مراقبين مستقلين لحياتنا. فالحديث الداخلي هو واحد من الادوات المتاحة الاكثر فعالية، والاقل استخداما لضبط زمام النفس وتعزيز النجاح.
عندما كنا صغارا
يبدا الحديث الذاتي مسموعا خلال سنوات الطفولة المبكرة. ويتحدث الاطفال مع انفسهم بصوت عال كنوع من دليل التعليمات، وخريطة طريق ولدت ذاتيا سعيا للاتقان، يوجهك صوتك لبناء المنازل بالمكعبات، ونطق الكلمات والجمل في كتب التعليم.
وهذا هو ما بدا عندما تم تسجيل تمتمة صبي صغير يقوم بتوجيه نفسه لبناء شاحنة لعبة، “العجلات توضع هنا، العجلات توضع هنا. اوه علينا ان نبدا من جديد، علينا اغلاقه، انظر، انه يغلق، ها نحن نبدا من جديد “. يقول فيرنيهو: “ان الحديث الذاتي في سن مبكر بصوت عال يغير المهمة المعنية كما يحول استخدام المفك مهمة التجميع الى مهمة اسهل، كذلك وضع افكارنا في كلمات يعطيها شكلا ملموسا، مما يجعلها اسهل للاستخدام”.
وليس الحديث الداخلي ميكانيكي فحسب، كما يقول” فيجوتسكي” فهو العمل الاجتماعي الاسمى، بل هو جمع واعادة تفسير التعليمات التي التقطت من الكبار ذوي المعرفة، ودفعها مرة اخرى عبر كلمات الطفل. وكلما كانت المهمة اكثر صعوبة كان الحديث اكثر وضوحا، وكان ذلك افضل لمساعدة الاطفال في السيطرة على افعالهم وسلوكهم. ان التحدث مع النفس هو الوسيلة التي يتنقل بها الطفل مما يسميه فيجوتسكي باسم “منطقة التنمية القريبة” الى مجال التحديات الابعد من المتناول، والاكثر تعقيدا من قدرة الطفل على اتقانها وحده.
?قوم الاطفال ببناء شرا?ات تعل?م?ة مع البالغ?ن لا?تساب م?ارات ومن ثم ينطلقون بمفردهم، ويتحدثون مع انفسهم خلال الم?مة بصوت عال. ومع الاتقان، يتم استيعاب الحديث الذاتي حتى يصبح في اغلبه صامتا، ويظل جزءا من الحوار المستمر مع النفس، الا انه يصبح اكثر حميمية وغير معلن.
امضى جيل من علماء نفس الطفولة، بقيادة لورا بيرك في جامعة “جنوب الينوي”، عقودا لتوثيق الفروق الدقيقة؛ وخلصوا الى انه في افضل الظروف، يقوم المعلم الصبور او مقدم الرعاية المتفهم بتعليم الاطفال اللغة المنطقية المفيدة خطوة بخطوة لاتقان اي مهمة. ويستخدم الاطفال بدورهم هذه اللغة في حديثهم الخاص لتعليم انفسهم اشياء اخرى. قد يقول الطفل الذي تلقى توجيها جيدا لنفسه “يمكنك ان تفعلها، حاول مرة اخرى”، ليوجه نفسه عبر اكثر المشاكل تحديا، باستخدام عبارة منطقية تلو الاخرى.
وعلى النقيض من ذلك، يمكن للمعلم الغاضب كثير الانفعال ونافد الصبر ان يورث الاطفال نمطا دائما من الحديث الهدام مع انفسهم. والاطفال الذين يتعرضون لمثل هؤلاء الموجهين يتعلمون لغة الاحباط، ويصبحون غير قادرين على التوجيه الذاتي، فيغضبون على انفسهم في اللحظة التي يشعرون فيها بالارتباك. قد يقول طفل لنفسه “ايها الغبي انك لا تُحسن فعل شيء” ويقذف كتابه بعيدا، بالاضافة الى انه سيفشل في اداء المهمة.
يعد الحديث الخاص في مرحلة الطفولة وقودا للخيال كذلك، كما وجدت بيرك. كان يتطلب تظاهر الطفل بان يكون “جيمس بوند” تعقيدات تنسيقية، مثل تجهيز “معدات التجسس”، والعثور على مخبا في برشلونة (تحت الدرج)، واحباط العدو على متن قاربه (حوض الاستحمام)، وتجهيز وثائق الهوية المزيفة لركوب الطائرة (سريره). وكل ذلك يعتمد على وظائف تنفيذية للدماغ؛ السيطرة على الاهتمام، وقمع الانفعالات لصالح الاستجابات المناسبة للموقف، وجمع الانواع المختلفة من المعلومات في الذاكرة على المدى الطويل، وكذلك التخطيط والتنظيم والتفكير بمرونة، وهي المهارات ذاتها التي تكمن وراء النجاح الاكاديمي في وقت لاحق. وعبر حديثهم مع انفسهم يرسم الاطفال شخصياتهم التي يتقمصونها، وكلما زاد حديث الاطفال مع انفسهم اثناء لعبة التظاهر زادت احتمالية اتباعهم هذه الاستراتيجية عند سن البلوغ، وفقا لبيرك، وهو ما يعد مسرحا من الانتباه المركب والتنظيم طوال العمر.
تقول بيرك: “ان القول بان الاطفال الذين يملكون اصدقاء خياليين هم اطفال مضطربون لهو بالتاكيد خرافة، فمن يفعل ذلك ينخرط في المزيد من الحديث مع النفس عندما يكبر وهذا يجعله اكثر سيطرة ذاتيا”. ان لعبة التظاهر المرتبطة ارتباطا جوهريا بالحديث مع النفس، تمنح الاطفال مسافة نفسية عن حياتهم اليومية، وتوفر هذه المسافة المجال النفسي الذي يحتاجون اليه للسيطرة على انفعالاتهم الخاصة. اذا كان الحديث الذاتي هو احد الانجازات العظيمة للانسانية، وهدية من اسلافنا والقائمين على رعايتنا، اولئك الذين اثارونا وقاموا بتهدئتنا بالكلمات، فهو بدوره واحد من الدوافع عميقة الجذور للتطور البشري.
الان وقد كبرنا
ان اسس الحديث مع النفس التي يقدمها لنا القائمون على رعايتنا والتي تراكمت خلال سنوات من لعب التقمص، ترشد حديثنا مع انفسنا عندما نكبر كذلك. وتمدد الكلمات المربوطة بدماغنا في السنوات المبكرة نفوذها خارج مراكز اللغة في قشرة التفكير الى الدماغ المستقر في اللوزة الدماغية، حيث تاخذ الذكريات العاطفية شكلها وحيث يمكن للمخاوف ان تقيدنا بالمؤكد والمعروف. وعندما تصل كلمات الحديث مع النفس الى اللوزة الدماغية، فانها اما تملؤنا بالقلق او تحررنا من قيودها، مما يسمح لنا بممارسة مستويات عالية من الانضباط الذاتي في جميع انواع الظروف الصعبة (التنافس الرياضي او الحديث علنا).
في دراسته الاولية عن الحديث مع النفس، التي اجريت في مختبر العاطفة والتحكم الذاتي في جامعة ميشيغان، وجد ايثان كروس ان استخدام المرء لاسمه يقلل من القلق الاجتماعي، والخوف من التقييم في سياق اجتماعي وهو سبب كره العديد من الناس للحديث امام جمهور؛ فهو يلغي القلق الاجتماعي ليس قبل الحدث المسبب للقلق فحسب، بل وبعده كذلك عندما يميل الناس الى مراجعة ادائهم والبحث عن نواقصهم، وهو ما يسميه العلماء بـ “معالجة ما بعد الحدث”.
طلب كروس من 89 رجلا وامراة القاء كلمة عن سبب اهليتهم تماما لبلوغ وظيفة احلامهم. واعطي كل مشارك خمس دقائق للتحضير، وطلب من نصفهم استخدام الضمائر فقط لوصف انفسهم، وطُلب من النصف الاخر استخدام اسمائهم. ولاولئك الذين كانوا في مجموعة استخدام الضمير ترسخ الشعور بالقلق واعتقدوا ان المهمة مستحيلة. وكان تعليقهم: “كيف يمكنني كتابة خطاب في خمس دقائق” اما من استخدموا اسماءهم شعروا بقلق اقل واتموا المهمة وشعروا بثقة كبيرة. وكان التحفيز قولا مثل “يمكنك فعل ذلك يا ايثان” تحفيزا نموذجيا في الفترة التي تسبق الخطاب.
غير ان الاختبار الحقيقي كان ما جاء بعد ذلك، فاولئك الذين استخدموا اسماءهم قاموا باداء افضل على المسرح واختبروا اجترار افكار اقل بعد ذلك؛ كما اختبروا اكتئابا اقل وشعروا بخجل اقل كذلك. في دراسات اخرى، وجد كروس ان استخدام الاسم يمكّن المشاركين من مواجهة التحديات، ولذا فان ما يعتبره الاخرون تهديدا يعتبرونه هم تحديا. اما عند القاء الخطاب فقد شعر المتطوعون الذين يستخدمون ضمير “انا” بعدم ملاءمتهم للمهمة.
يقول كروس “عند التعامل مع المشاعر القوية، يمكن لاتخاذ خطوة الى الوراء والتحول لمراقب منفصل عن الحدث ان يساعد، فمن السهل جدا على الناس تقديم النصح لاصدقائهم، ولكن عندما يتعلق الامر بانفسهم، يواجهون مشكلة كبيرة، الا ان من يستخدمون اسمهم يفصلون انفسهم عن النفس ما يساعدهم على الاداء الافضل”.
هون على دماغك!
يخفف الحديث مع النفس العبء القائم على الدماغ وفقا لجيسون موسر، عالم الاعصاب وعلم النفس الاكلينيكي في جامعة ولاية ميشيغان، الذي قام بقياس النشاط الكهربائي في الدماغ اثناء انخراط المبحوثين في انواع مختلفة من الحديث مع النفس.
عرض موسر على مجموعتين من النساء صورا فوتوغرافية لرجل ملثم يحمل سكينا ويضعه على عنق امراة. وكانت احدى المجموعتين عرضة للقلق المزمن، والاخرى كانت طبيعية نفسيا. ثم طلب من كل مجموعة ان تتحدث مع نفسها عن نتيجة ايجابية بينما يقيس النشاط الكهربائي في فصوص القشرة الامامية وفي منطقة الجهاز الحوفي. ووجد انه عندما تستخدم النساء بشكل طبيعي ضمير”انا” في الحديث مع النفس، كان على المجموعة القلقة ان تجتهد اكثر من المجموعة الطبيعية في الحديث مع انفسهم والاقتناع بوجهة نظر ايجابية، وحتى مع تحقيق ذلك فشلت النساء في تلك المجموعة في تهدئة انفسهن. وظلت تساورهن مخاوف من ان المراة التي تعرضت للهجوم قد ماتت.
كلما اشتد عمل الفصوص الامامية عندهن زاد القلق وادخلتهن المهمة في حلقة مفرغة من اجترار الافكار والقلق، وطلب من النساء انفسهن تكرار ممارسة الحديث مع النفس، الا انه هذه المرة كان عليهن استخدام اسمائهن عمدا بدلا من الضمائر الشخصية. فنتج انخفاض كبير في مستويات القلق، والتقطت الاقطاب الكهربائية التحسن النفسي عن طريق توثيق انخفاض كبير في الطاقة المستهلكة من الفص الجبهي. بل ان الموجات العالية لنشاط اللوزة الدماغية هبطت كذلك وقل نشاطها بمقدار النصف تقريبا. وقل القلق لدى النساء العرضة للتوتر، كما اتضح في رسوم النشاط الدماغي لهن.
وتشير النتائج الى ان النهج العلاجي للحد من القلق -العلاج بالتعرض- قد يكون كله خاطئا، حيث عادة ما يطلب معالجو علم النفس السلوكي والمعرفي من المرضى الدفع بعدم عقلانية مخاوفهم من خلال وضع انفسهم في الوضع الذي يثير القلق واكتشاف ان لا شيء سيحدث. اتخاف من السير على جسر عال؟؟ سر على هذا الجسر مرارا وتكرارا حتى يختفي خوفك. يقول موسر: “غالبا ما لا يلتزم الناس بهذه العلاجات لانها مؤلمة للغاية”. ولذلك قد يكون هذا العذاب غير ضروري، وقد يحقق تغيير اللغة اكثر بكثير واسرع بكثير من هذه العلاجات. ان تغيير الطريقة التي يتحدث بها الناس الى انفسهم -وهو تحول بسيط من الضمير الشخصي الى الاسم- قد يوفر طريقة ادوم واقل ايلاما للقضاء على القلق.
اتخافين من المصاعد الكهربائية؟ يمكنك قهر ذلك بقولك “حسنا، عزيزتي بام، عليكِ دخول على المصعد وضغط على رقم 6”. تغيير كلمة واحدة يغير طريقة عمل الدماغ، ويفسر موسر قائلا: “كما هو الحال مع التبديل التلقائي الذي يشغل فيه الدماغ النفس ويغلقها، فان ذلك مبرمج بداخلنا تبعا للتطور الذي بني فينا عبر تطور اللغة، ورغم انها ليست الطريقة التي كنا نحاول فيها تهدئة انفسنا في الماضي، تبين الدراسات انه ليس من الضروري ان نعذب الدماغ بالتعرض الاجباري، فتغيير بسيط في اللغة يخلق المسافة الحقيقية المطلوبة”.
الحكمة في ايّ سن
يؤكد كروس ان المسافة النفسية المكتسبة باستخدام اسم الشخص تمنح المرء الحكمة. يتعامل الناس بحكمة مع المشاكل الاجتماعية للاخرين اكثر مما يفعلونه مع مشاكلهم الخاصة، ويغير الحديث مع النفس بالاسم التركيز وياخذه بعيدا عن النفس، ويسمح للناس بتجاوز النزعة المتمركزة الكامنة بداخلهم. ما يجعلهم اذكياء في التفكير لانفسهم بقدر ذكائهم في التفكير نيابة عن الاخرين.
في سلسلة من الدراسات التي ذكرت مؤخرا في مجلة “سايكولوجيكال ساينس” طلب كروس من مشاركين طلاب النظر في كيفية تاثير ركود عام 2008 على مهمة البحث عن وظيفة من منظور شخصي (سواء كان ذلك يحدث لهم) او من وجهة نظر بعيدة (يحدث لشخص اخر). كما طلب كروس منهم مناقشة المستقبل في حال خسر مرشحهم السياسي المفضل الانتخابات الرئاسية في تلك السنة. وفي كل تجربة، كان لاصحاب وجهة النظر الخارجية المزيد من التواضع الفكري وكانوا اكثر اتساقا مع التغيرات المستقبلية، واكثر مرونة وانفتاحا على وجهات نظر متنوعة. كانوا بشكل عام اكثر قدرة على التفكير في الامور بطريقة حكيمة معيارية.
يقول كروس: “سمح منظور المساحة النفسية للناس بتخطي وجهات نظرهم ذات الحكم الذاتي وان ينظروا للصورة الكاملة، ونحن بحاجة الى ما يشبه الالية، او الخدعة للخروج من راسنا”.
وخلال عملهما معا توصل موسر وكروس مؤخرا الى ادلة من المسح الدماغي ان وضعية المساحة النفسية خلال الحديث مع النفس تزيد المرء حكمة. فقد وجهوا المتطوعين الطلاب الى الحديث مع انفسهم في حين رصدوا ادمغتهم باستخدام الة الرنين المغناطيسي الوظيفي. ومن بين الاشخاص الذين تحدثوا الى انفسهم بضمير المخاطب، كانت عمليات مسح الدماغ تشبه تلك في حالة قيام الطلاب الاخرين باعطاء النصائح للاصدقاء، ولم يحدث ذلك للمجموعة التي تستخدم الضمير “انا”.
تنطبق النتائج على مجموعة كاملة من العلاقات الاجتماعية، كما يزعم كروس، لان الناس يفضلون التعامل مع مشكلات الاخرين بدلا من مشاكلهم الخاصة. ويعتقد انه يمكن لابعاد النفس ان يحقق الوضوح في التفكير في الصراعات الاجتماعية، سواء في مجال الاعمال التجارية او الرومانسية.
التيار اللامحدود
نحمل جميعنا “مونولوجا” داخليا ونخوض في حديث مع انفسنا، ونحافظ على تيار من الوعي والتعليق المستمر على انفسنا وعلى العالم، وهو تيار يدوم مدى الحياة، وكثير منه صامت ومختزل. واتضح انه مهم لمجموعة واسعة من العمليات العقلية. ولكن بقدر ما يمكنه تعزيز التنظيم الذاتي واطلاق العنان للقدرة المعرفية، لا يخلو الحديث مع النفس من الجانب المظلم.
يشير فيرنيهوغ الى ان بعض الخلل في استيعاب خطاب الطفل مع نفسه قد يكمن وراء الهلوسة السمعية لدى البالغين. كما يمكن للناس استخدام الابعاد الذاتي في الحديث مع النفس لتفادي مشاعرهم، وفقا لكروس. غير ان المعلومات حول الحديث مع النفس ما تزال في بدايتها، وقد تكون هناك كلمات محددة يمكنها اخذنا اعلى واسرع وابعد من هذا. وتنتظر هذه الامكانية الدراسة والبحث.
وفي الوقت الحالي، يشير الحديث مع النفس الى جذور عميقة من اللغة وتاثيرها القوي على الاجزاء الاكثر بدائية من الدماغ، ووضعها مكابح لتلك المشاعر التي تقيد قدراتنا، ومن خلال تعليم الناس كيفية التحدث مع انفسهم بشكل فعال، يقول كروس: “يمكننا الوصول الى تلك الاعماق بتدخلات سهلة للغاية، وهو امر كبير الاهمية”.
كيف تتحدث مع نفسك عند مواجهة التحدي؟
اذا ما استخدمت اللغة الداخلية بشكل صحيح، يمكنها ان تركز التفكير، وتعزز التخطيط، وتمنع سمية الاجترار لاحقا.
“جنيفر (1)، مم تقلقين؟ ليس هذا هو اول موعد غرامي لك، وانا اعلم ان هذا الرجل يعجبك، ولكن تمهلي (2)، وحافظي على هدوئك. وحتى لو لم يسر الامر كما تمنيت فلن تكون نهاية العالم، انت قادرة وذكية وجميلة (3). ابذلي جهدك ودعي الامر يجري كما هو مقدر له يا جينفر”.
1 – ابعدت جنيفر نفسها عن توتر الموعد الاول من خلال التعامل مع نفسها بالاسم، ورؤية نفسها كما لو كانت صديقتها. فالمسافة تمنح الحكمة والثقة والهدوء، وهو ما لن تصل اليه ان استخدمت انا.
2- كما انها تستخدم انواع الاستراتيجيات التي يستخدمها الاطفال عند الانخراط في انشطة مثل بناء بالمكعبات، وهي الان توجه نفسها لان تصبح هادئة.
3- تخفف جنيفر من خطورة الوضع مع بعض التاكيدات الذاتية، مما يتيح لها رؤية الموعد الغرامي في سياق كلي، لذا لن تنهار او تحزن تماما على التجربة اذا لم تنجح.
الافعال التاكيدية
لا شك ان التاكيد فعال، ولكن ليس كما تعتقد فليس التبديل من استخدام الضمائر الى الاسماء هو الطريق الوحيد لتكوين وجهة نظر حكيمة. فهناك نوع من الحديث مع النفس كان ينظر اليه منذ فترة طويلة كما
لو كان سخيفا، وهو التاكيدات الذاتية، والتصريحات ايجابية (انت رائعة، انت جميلة)
ذلك الحديث الذي يبدو وكانه عبارات عن الثقة بالنفس.
الا ان الباحثين قد وجدوا انها تؤدي الغرض ذاته؛ تملك مثل هذه التاكيدات القدرة على نزع فتيل التهديدات ومنح منظور مختلف. ووجد عالما النفس كلايتون كريتشر وديفيد دانينغ من جامعة كاليفورنيا في بيركلي ان مثل هذه المعززات للانا يمكن ان تقوض الانتقادات، وتوفر حماية من قسوة العالم. ويمكن ان تساعدنا على مواجهة التهديدات الخارجية والمثابرة في المفاوضات وفي الوظائف الصعبة وفي مواجهة المشاكل الصحية. وهي لا تعمل عبر اغرائنا بان نشعر اننا رائعون، بل توسع من نظرتنا لانفسنا، وتساعد على تخفيف الضربات السيئة، وتخفيف حدة الدفاعية، كما لو كانت موسعات معرفية.
ولتحديد ما تقوم به هذه التاكيدات، نظر الفريق من زاوية اخرى، الى التهديدات التي قد تواجهها التاكيدات. وافترضوا ان التهديدات تعطينا رؤية ضيقة، وتحدد تركيزنا على وجه واحد من الذات بحيث نرى فقط النصف الفارغ من الكوب.
في احدى الدراسات، صمم الباحثون اختبارا يفشل فيه الطلاب، وصدرت عن بعض منهم تاكيدات مثل “اشعر بالفخر” و “انا اشعر الان بالثقة”. وبعدما فشل الجميع في الاختبار المزيف، ابلغ من لديهم هذه التاكيدات ان لديهم شعورا افضل تجاه ذاتهم رغم ان التاكيدات لم يكن لها علاقة بذكائهم. وقال الفريق “ان التاكيدات الذاتية توسع المنظور، وتعزز الذات من خلال التراجع عن منظور مقيد خلاف ذلك تحت التهديد”.
ومنح الفريق في دراسة اخرى الطلاب اختبار شخصية زائفة، ثم سلموا 36 كلمة لتقييمهم، 24 منها كانت سلبية وكان لاولئك الممنوحين تاكيدات ايجابية قدرة على قضاء وقت اطول في تجاهل الاراء السلبية، وعلامة على كونهم اقل دفاعية، ووضع اولئك الذين لم يمنحوا تاكيدات قبل الاختبار نتائج الشخصية جانبا بسرعة، ولم يرغبوا في النظر اليها.
تعد التاكيدات الايجابية اجهزة ضبط فعالة جدا وتساعدنا على تجنب الرؤية الضيقة التي تشجعها التهديدات، وبدعم من تاكيد او اثنين، يمكننا ان نتجاوز التهديد بسهولة ونرى انفسنا بوجه اكمل.
=============================================
المقال مترجم عن: (سيكولوجي توداي)لست مجنونا ما دمت تكلم نفسك!