اخبار اليوم الصحيفة, لماذا يقترح عليك اخبار اليوم الصحيفة, لماذا يقترح عليك
من بين جميع مقاطع الفيديو المنشورة على موقع “يوتيوب” (YouTube)، هناك مقطع فيديو يقترحه الموقع اكثر من اي فيديو اخر حاليا، وذلك وفقا لدراسة اجراها مركز “بيو” للابحاث ونُشِرت يوم الاربعاء الماضي. هذا المقطع يسمى “Bath Song | +More Nursery Rhymes & Kids Songs – Cocomelon ABCkidTV”. وقد اوصى الموقع بهذا المقطع 650 مرة من بين 696468 مُقتَرَحا تعقّبها مركز “بيو”، متفوقا بشكل كبير على المقطع الذي يحتل المركز الثاني، الا وهي اغنية “Girls Like You” من فرقة “Maroon 5” بالاشتراك مع المغنية “Cardi B”.
اخذت الدراسة الجديدة 147117 جولة عشوائية عبر عوالِم “يوتيوب” (YouTube). واستخدَمَت برنامجا يُولِّد مئات الالاف من الاقتراحات عبر اختيار مقطع فيديو بشكل عشوائي، ومن ثمّ اختيار المقطع التالي بشكل الي من بين اعلى 5 مقاطع يقترحها الموقع بعد مشاهدة المقطع. وقع الاختيار على مقطع مُقتَرَح اربع مرات متتالية لكل جولة على “يوتيوب” (YouTube). هذه المنهجية مذهلة، ان لم تكن مثالية، لاستكشاف احد اهم انظمة الخوارزميات في العالم، والتي ظلت غامضة الى حد كبير بالنسبة للباحثين، ناهيك بالمستخدمين العاديين.
هيمنت مقاطع الفيديو المخصصة للاطفال على اعلى 10 مقترحات موصى بها من قِبَل الموقع. فبجانب “Bath Song”، هناك ايضا:
(Learn Colors with Spiderman 3D w Trucks Cars Surprise Toys Play Doh for Children)
(Wheels on the Bus | +More Nursery Rhymes & Kids Songs – Cocomelon (ABCkidTV))
(Learn Shapes with Police Truck – Rectangle Tyres Assemby – Cartoon Animation for Children).
جميع هذه المقاطع تحوي ضمن عناوينها كلمات مفتاحية (Keywords) تبدو منطقية لنظام الخوارزمية، حتى وان بدَت مبهمة بالنسبة للاباء. ولكن عند القاء نظرة عن كثب، تبدو هذه المقترحات غريبة. لماذا تُفضِّل الخوارزمية مقاطع الفيديو هذه دونا عن سائر مقاطع الاطفال على الموقع؟
ولكن عند النظر الى الامر من زاوية اوسع، تلك الزاوية التي -على الارجح- يُوليها “يوتيوب” (YouTube) اهتمامَه، تبدو الامور في سياقها الطبيعي. فمن بين اعلى 50 فيديو مقترحا، كان 43 منها عبارة عن مقاطع فيديو موسيقية (14)، ومقاطع فيديو للاطفال (11)، ومسابقات تلفزيونية (11)، ومقاطع عن المهارات الحياتية (7).
يريد “يوتيوب” (YouTube) اقتراح المقاطع التي سيحبها الناس، واوضحُ مؤشرٍ على ذلك هو ما اذا كان قد احبها اشخاص اخرون ام لا. وجد مركز “بيو” في دراسته ان 64% من الاقتراحات كانت لمقاطع فيديو تحتوي على اكثر من مليون مشاهدة. اما اعلى 50 مقطع فيديو يقترحها الموقع، فيكون متوسط نسبة المشاهدات فيها 456 مليون مشاهدة للمقطع الواحد. الشُهرة تولِّد الشُهرة، وهذا على الاقل من منظور المستخدمين (او برامج التتبع bots، كما هو الحال هنا) الذي لا يعرف موقع “يوتيوب” (YouTube) الكثير عنه.
من ناحية اخرى، صرّح “يوتيوب” (YouTube) في عمل سابق يصف الخوارزمية المستخدَمة لديه بان المستخدمين يُحبون المحتوى الجديد، بافتراض ان جميع العوامل الاخرى متساوية. ولكن الامر يستغرق وقتا حتى يستطيع مقطع ما تحصيل عدد كبير من المشاهدات وارسال اشارة للخوارزمية بان هذا المقطع يستحق ان يكون ضمن الاقتراحات. لذلك، يكمن التحدي في كيفية التوصية بـ “مقاطع فيديو جديدة يرغب المستخدمون في مشاهدتها” بينما تكون هذه المقاطع مستجدة على النظام وتحوي عددَ مشاهدات صغير. (وقد كتب الباحثون لدى “يوتيوب” (YouTube) ان العثور على مقاطع فيديو جديدة وجذابة امر مهم “لنشر وترويج المحتويات سريعة الانتشار viral”).
كشفت دراسة “بيو” ان نحو 5% من المقترحات هي لمقاطع فيديو تحوي عدد مشاهدات اقل من 50 الفا. يستطيع النظام ان يميِّز الاداء المبكر لمقاطع الفيديو (اي مدى تحصيلها للمشاهدات خلال فترة ما)، واذا كان اداؤها جيدا، فقد تزداد اعداد المشاهدات بشكل متسارع. في احدى الحالات، كان عدد المشاهدات لفيديو مقترح مخصص للاطفال 34,000 عندما دخله مركز “بيو” للمرة الاولى في يوليو/تموز، ليرتفع العدد ويُصبح 30 مليونا في اغسطس/اب.
كان سلوك النظام قابلا للتفسير بعدة طرق اخرى ايضا، وبخاصة مع تكيُّفه مع ازدياد عدد النقرات (اختيارات الفيديو) داخل نظام “يوتيوب” (YouTube). اولا: كلما استمرّ البرنامج الذي استخدمه مركز “بيو” في اختيار المقاطع، حدَّد له النظام في المقترحات مقاطعَ بمدة زمنية اطول. يبدو الامر كما لو ان برنامج “يوتيوب” (YouTube) استطاع ادراك ان المستخدِم (برنامج “بيو” في هذه الحالة) سيتصفّح الموقع لفترة طويلة، ومن ثم يبدا في عرض مقترحات لمقاطع ذات فترة زمنية اطول. ثانيا: بدا الموقع في التوصية بمقاطع الفيديو المشهورة، بصرف النظر عن مدى شهرة اول مقطع تم تشغيله.
من المؤكّد تقريبا ان هذه الشروط لم تكن ضمن الية اتخاذ القرار لدى الخوارزمية. ومثل معظم شركات “غوغل” (Google) الشقيقة، فان “يوتيوب” (YouTube) تستخدم شبكات عصبية للتعلُّم العميق (Deep-Learning)، وهي نوع من البرامج التي تُعيد تشكيل مخرجاتها استنادا الى البيانات التي تُغذّيها. ليس الامر وكان مهندسا لدى “يوتيوب” (YouTube) يُصدِر الاوامر قائلا: “فليقترِح الموقع على المستخدمين مقاطع فيديو للاطفال، ولتكن طويلة وذات شعبية”، ولكن بالاحرى يستنتج النظام احصائيا ان هذه المقاطع هي الاكثر مُلاءمة من جميع الابعاد التي يريدها “يوتيوب” (YouTube).
الّا ان دراسة مركز “بيو” بها بعض جوانب القصور المهمة. يعتمد “يوتيوب” (YouTube) بشكل كبير في تخصيصه للمقترحات على سِجِل المُستخدِم (History)، والذي يستحيل محاكاته عبر الموقع. لكن ما قام مركز “بيو” باختباره هو المقترحات التي يخصصها “يوتيوب” (YouTube) لمُستخدِم مجهول. غير ان معظم مستخدمي “يوتيوب” (YouTube) يكونون مسَجَّلين ضمن الموقع، ومن ثم تُخصص المقترحات استنادا الى سِجِل مشاهداتهم. يقول نِك سيفر، عالِم انثروبولوجيا يَدرس انظمة المقترحات في جامعة تافتس، ان الدراسة تفترض ان مستخدِما مجهولا يولِّد نوعا من “البيانات المبدئية” التي لن يقوم نظام التخصيص بتعديلها ومعالجتها الا بشكل طفيف للغاية. ويستطرد سيفر قائلا: “لا اعتقد ان هذا افتراض معقول لتُبنى عليه الدراسة، وذلك نظرا لطبيعة عمل نظام التخصيص”.
ثانيا، ظهر اكثر من 70% من مقاطع الفيديو المقترحة في القائمة لمرة واحدة فقط. من المستحيل فحص كيفية اتصال مئات الالاف من مقاطع الفيديو بكل مقطع عشوائي اولي دون توفُّر بيانات كافية حول كل مقطع. لذا فان دراسة مركز “بيو” تترك بعض الاسئلة الجوهرية دون اجابة. يرغب الناس في معرفة ما اذا كان “يوتيوب” (YouTube) يدفع الى التطرف بشكل منتظِم بسبب مقترحاته، حسبما تشير الباحثة زينب توفكجي. تقترح هذه الدراسة ان “يوتيوب” (YouTube) يدفع بالمستخدم المجهول نحو المحتوى الاكثر شعبية، لا الهامشيّ. ولكن، على حد قول سيفر، قد لا ينطبق الامر ذاته على مستخدم معتاد ذي سِجِل مشاهدة حقيقي.
يقول سيفر: “لا تدحض هذه الدراسة باي حال من الاحوال حجة زينب توفكجي حول التطرف، حتى وان كانت تُظهِر الانتقال من المحتوى المهمّش الى الشعبي، لان هذا بالضبط ما يُتوَقَّع ان يقوم به نظام التخصيص”. على سبيل المثال، اظهرت تغريدة شهيرة على “تويتر” (Twitter) قبل عدة اسابيع لمضيف قناة “MSNBC”، كريس هايز، ما قد يحدث اذا بحثتَ في “يوتيوب” (YouTube) عن معلومات حول الاحتياطي الفيدرالي.
تجعل طبيعة نظام التخصيص لدى “يوتيوب” (YouTube) من عملية تتبع المقترحات بشكل كمّي امرا صعبا للغاية. بالطبع فان امكانية انجرافك الى احدى زوايا الموقع المجنونة امر محتمل، ولكن كم عدد المرات التي يقودك فيها الموقع عمدا الى احدى تلك الزوايا؟ لا يزال هذا السؤال محل جدل حادّ.
اما بالنسبة للاطفال، فيتمحور السؤال حول كم مرة ينقل فيها “يوتيوب” (YouTube) طفلا من مشاهدة مقاطع للاطفال كالموجودة بقناة “PBS” الى محتوى غير لائق. قال 80% من الاباء لمركز “بيو” انهم يسمحون لاطفالهم بتصفح “يوتيوب” (YouTube) في بعض الاحيان على الاقل، وقال اكثر من 60% منهم ان اطفالهم “شاهدوا محتوى على “يوتيوب” (YouTube) يشعرون بانه غير مناسب للاطفال”.
اما بالنسبة لمقالي لعدد شهر نوفمبر/تشرين الثاني من مجلة “ذا اتلانتيك” (The Atlantic) حول “يوتيوب” (YouTube) للاطفال، فقد كان رد الشركة على هذه الانواع من الاقتراحات المثيرة للقلق هو ان “يوتيوب” (YouTube) ليس للاطفال. اخبروني انه ينبغي للاطفال استخدام تطبيق “يوتيوب كيدز” (YouTube Kids) فقط، والذي اُنشِئ خصيصا كمساحة تصفُّح امنة لهم. وقد اصرّوا على رايهم هذا بعد دراسة مركز “بيو”، قائلين: “حماية الاطفال والعائلات كانت دائما على راس اولوياتنا. ونظرا لان “يوتيوب” (YouTube) غير مخصص للاطفال، فقد استثمرنا بشكل كبير في انشاء تطبيق “يوتيوب كيدز” (YouTube Kids) لتوفير بديل مصمم خصيصا للاطفال”.
وكان “يوتيوب” (YouTube) علّق لافتة كُتِب عليها: “ممنوع دخول الاطفال” عند باب حانة، مشيرة الى ملعب في الجوار، ولكنهم في كل الاحوال يقدمون الخدمة لاي شخص يدخل الحانة. وبالنظر الى قلة معرفتنا بطريقة عمل نظام الموقع، فهل هذا امر كافٍ؟ وحتى اذا قررنا، كمجتمع، ان هذا الامر ليس كافيا، يبقى السؤال: مَن الذي يستطيع جعل “يوتيوب” (YouTube) يقوم ببذل جهد اكبر لابقاء الاطفال بعيدا؟لماذا يقترح عليك يوتيوب فيديو دون اخر.. هل للامر علاقة بالتجسس؟