اخبار اليوم الصحيفة, عبقرية الفيلم الديني اخبار اليوم الصحيفة, عبقرية الفيلم الديني
يزيد عدد الافلام الدينية والتاريخية على سبعة افلام فقط لا غير، ومعظمها تم انتاجه في فترة الخمسينيات والستينيات، وتولى اخراج غالبيتها المخرج ابراهيم عمارة، ذلك انه كان مهتماً بتوثيق المراحل المهمة في التاريخ الاسلامي. ولان السينما المصرية في مراحلها المُبكرة كانت تقوم على الافكار التقليدية والفطرية فقد نشطت صناعة الفيلم الديني اعتماداً على الرغبة الجماهيرية في مشاهدة تلك النوعية من المُصنفات الدينية، خاصة التي تتناول مراحل انتشار الدعوة الاسلامية والفتوحات والانتصارات، ولان بعض الدول المهتمة بهذه القضية كانت مُفتقدة لمقومات الصناعة السينمائية فقد لجات الى دعم الافلام الدينية والتاريخية التي تُنتج في مصر.
وبحسب نجاح كل فيلم ومستوى الاقبال علية يتم التفكير في انتاج فيلم اخر، اي ان الصناعة كانت بالطلب تقريباً فما ان يُحقق الفيلم النجاح المرجو ويصل الى النتيجة المُستهدفة حتى تتكرر التجربة في موضوع اخر مماثل لا يخرج عن الاطار المرسوم للفكرة الخاصة ببداية ظهور الاسلام وانتشار الدعوة، او قصة الهجرة من مكة الى المدينة او تناول سيرة احد الصحابة او غيرها من البطولات والفتوحات.
ولان كتابة الفيلم الديني او التاريخي تحتاج الى جهد في جمع المعلومات والبحث عن طريقة خاصة واسلوب معين للمعالجة فعادة ما كان كُتاب السيناريو والمخرجون يتهربون من مسؤولية الفيلم النوعي الحامل لهذه المواصفات، لذا قلت نسبة الافلام الدينية بشكل ملحوظ واصبحت بمقاييس الافلام التجارية الاخرى لا تمثل اكثر من مجرد هامش صغير في دفتر احوال السينما المصرية صاحبة التاريخ الطويل والتي بدات مسيرتها قبل مئة عام ويزيد!
والافلام المُسجلة في الارشيف والمُعتد بها من حيث المستوى الفني والضمني والتاريخي تعد على اصابع اليد الواحدة فهي اقل من العدد المذكور، ولا تزيد عن كونها افلام يتم عرضها تلفزيونياً في المواسم الدينية والاعياد، وكلها كما اسلفنا انتجت في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ولو شئنا الدقة وتحديد الفترة الزمنية بالضبط سنجد انها نشطت في فترة الخمسينيات على وجه التحديد قبل ان تضاف اليها نوعيات سينمائية تاريخية في مراحل زمنية تالية كفيلم «الرسالة» على سبيل المثال للمخرج مصطفى العقاد وهو انتاج حديث نسبياً، وقد تم تصويره بالالوان الطبيعية واخذ وقتاً طويلاً ممنوعاً من العرض في مصر لاسباب رقابية الى ان وافق الازهر الشريف على عرضة بعد انتاجه بنحو عشرين عاماً على الاقل لظهور شخصية سيدنا حمزة عم الرسول ضمن الابطال الرئيسيين بخلاف ظهور ناقة الرسول لاول مرة على الشاشة، الامر الذي مثل خلافاً كبيراً بين الفقهاء والائمة والرقباء ايضاً.
ويعد فيلم «الرسالة» نموذجاً متطوراً للتناول الديني الخاص لهجرة الرسول والمسلمين الى يثرب-المدينة من حيث الكتابة المُدققة في السيناريو وطريقة الاداء التمثيلي للنجوم والاسلوب الاخراجي للمخرج السوري الكبير، فضلاً عن المشاركة العربية لعدد من الممثلين الكبار، وهو الدعم الذكي للفكرة بتعميمها عربياً بدلاً من اقتصارها على النجوم المصريين فقط، بالاضافة الى عمل نسخة اجنبية من الفيلم ذاته ليتمكن المشاهد غير العربي من متابعة الاحداث والاحاطة بجوانب القصة وملابساتها لتسهيل فهم المحتوى الديني والتاريخي على المشاهد العالمي الذي لا يجيد اللغة العربية ولا يحيط علماً بالثقافة الاسلامية وتفاصيلها وابعادها.
وفي هذا الفيلم عمل العقاد على تعظيم الفكرة الرمزية للدين الاسلامي والشخصيات البطولية التاريخية، اذ اعتبر ان شخصية سيدنا حمزة هي الرمز الفدائي للمُقاتل الجسور، بيد انه لم يتوقف عندها فقط، ولكنة استعرض بطولات اخرى لشخصيات مهمة كي لا يُصبح حمزة حالة فردية في تاريخ الفروسية والبطولات الاسلامية، وهو المعنى المُتضمن في سياق الاحداث والطرح الفلسفي غير التقليدي المُختلف عن بقية الافلام السابقة في الانتاج كـ»ظهور الاسلام» و»الشيماء» و»فجر الاسلام» و»هجرة الرسول» و»بلال مؤذن الرسول» وغيرها من النماذج القديمة لسينما الابيض والاسود التي كرست لصورة نمطية اعتمدت على التاثير الشكلي ولعبت على الحس الوجداني للجمهور من دون ان تطرح الرؤية الواقعية بكل ابعادها بعيداً عن الصورة المثالية للاحداث. فعلى سبيل المثال تم تصنيف الممثلين وفق الشكل فمن يرتدون الزى الابيض هم المسلمون ومن يرتدون الزي الاسود وياكلون بشراهة ويتصرفون بهمجية ويتبنون العنف هم الكفار، وهي صورة تم توظيفها للاشارة الى المُتغير السلوكي والحضاري والشكلي الذي يطرا على من يعتنقون الاسلام فيصيرون اكثر رقياً وتحضراً وهو امر ايجابي مفهوم، ولكن المشكلة تكمن في تلك المبالغات غير المنطقية لتحقير النموذج الكافر، وهو اسلوب لم يتبعه مصطفى العقاد في تدليله على تميز الشخصية المُسلمة وانما جعل الجوهر الداخلي للشخصية الاسلامية هو الاهم والاكثر جذباً.
وبالنظر لشخصية هند بنت عُتبة قبل وبعد الاسلام نجد انها لم تختلف كثيراً من حيث الشكل في الصورة السينمائية عند مصطفى العقاد، وانما ما تغير وشعر به المشاهد هو التفاعل الداخلي للشخصية الدرامية التي تاملت وفكرت واختارت بناءً على قناعاتها الجديدة برغم تازمها الشديد وحزنها لمقتل زوجها واخيها وعمها وانتقامها من حمزة.
وهذا الملمح يعد من اهم علامات تميز الفكر السينمائي المتطور عند المخرج العربي الكبير مصطفى العقاد في تعامله مع الشخصية الدرامية، الرئيسية او الثانوية بمواصفاتها الانسانية من دون الحاجة الى الرتوش الشكلية الاصطناعية لتحديد هويتها ومرجعيتها ودرجتها الثقافية، سواء كانت مؤمنة او كافرة، حيث تتحدد المواصفات كلها بما ينضح به المحتوى الداخلي، وهذا هو الفارق المُعتبر بين صياغة العقاد السينمائية العبقرية الناضجة وبين الصياغات الاخرى البدائية.
نقلاً عن “القدس العربي”عبقرية الفيلم الديني حقوق التميز محفوظة لمصطفى العقاد