اخبار اليوم الصحيفة, معركة عين جالوت.. اخبار اليوم الصحيفة, معركة عين جالوت..
قبل معركة عين جالوت، لم تتعرض دولة الاسلام لاوقات عصيبة وعواصف منذرة ورياح مرعبة مثلما تعرضت في القرن السابع الهجري، حين دمرت جيوش المغول بقيادة جنكيز خان حواضر الاسلام الكبرى في المشرق الاسلامي، وسفكت دماء المسلمين، واتت على معالم الحضارة والمدنية، ولم تستطع قوة اسلامية ان توقف هذا الزحف الكاسح، وانهارت الجيوش الاسلامية وتوالت هزائمها، وتتابع سقوط الدول والمدن الاسلامية كاوراق الشجر في موسم الخريف. واطمع ضعف المسلمين وخور عزائمهم المغول في ان يتطلعوا الى مواصلة الزحف تجاه الغرب، واسقاط الخلافة العباسية وتقويض دعائمها، ولم تكن الخلافة في وقت من الاوقات اضعف مما كانت عليه وقت الغزو المغولي، فخرج هولاكو سنة 651 هجرية (1253 ميلادية) على راس حملة جرارة، تضم 120 الف جندي من خيرة جنود المغول، المدربين تدريبا عاليا على فنون القتال والنزال، والمزودين باسلحة الحرب وادوات الحصار، تسبقهم شهرتهم المرعبة في القتل وسفك الدماء، ومهارتهم الفائقة في الحرب، وشجاعتهم وقوة باسهم في ميادين القتال (ماذا تعرف عن معركة عين جالوت، اسلام اونلاين).
وقعت معركة عين جالوت يوم 25 رمضان سنة 658، الموافق الثالث من سبتمبر/ايلول 1260 ميلادية، حيث استطاع فيها الجيش المسلم انهاء الخطر المغولي الذي هدد العالم عشرات السنين. اذ تعرضت دولة الاسلام لاوقات عصيبة في القرن السابع الهجري حين دمرت جيوش التتار بقيادة جنكيز خان حواضر الاسلام الكبرى في المشرق الاسلامي، وسفكت دماء المسلمين وهدموا المساجد ومزقوا المصاحف وذبحوا الشيوخ وقتلوا الاطفال وعبثوا بالاعراض، حيث سقطت الدولة الخوارزمية بيد التتار ثم تبعها سقوط بغداد بعد حصار دام اياما فاستبيحت المدينة وقتل الخليفة المستعصم بالله فسقطت معه الخلافة العباسية، ثم تبع ذلك سقوط جميع مدن الشام وفلسطين وخضعت لهولاكو.
كان السلطان المملوكي سيف الدين قطز (محمود بن ممدود الخوارزمي) قد استلم حكم مصر بعد عدة صراعات دموية بين نهاية الايوبيين وبداية المماليك، انتهت بانتزاع الحكم من نور الدين وريث السلطان المعز عز الدين ايبك، اذ كان حينها الوريث الجديد لا يزال يلعب مع الصبية في حين كانت الاخطار محيطة بالدولة من كل اتجاه.
وكانت الدولة قد ضاقت بضعفها بعد سلسلة الخيانات والنزاعات وبعد حكم الصبي الذي دمر ولم يصلح، ومع كل خبر جديد عن وحشية التتار كانت الاحوال تزاد اضطرابا وقلقا، خاصة بعد وصول اخبار سقوط بغداد والدولة الخوارزمية وماحل بهما وبسلاطينهما، وحاول الايوبيون وعلى راسهم الناصر حاكم دمشق الاتفاق مع هولاكو ضد قطز من اجل السيطرة على مصر والدخول تحت راية هولاكو وفشل في ذلك، وسُلمت الشام بذُل وخوف للمغول، وهرب الناصر الى ظل قطز، لكنه لم يدخل مصر بل عاد الى سيناء، ثم الى الكرك، ثم تم اسره واقتياده الى التتار.
جمع قطز الامراء واتفقوا على قتل رسل التتار، فقُبض عليهم، وامر بقتلهم وتعليقهم على ابواب القاهرة، واُشيع الخبر بين الناس من اجل رفع روحهم المعنوية، وردّ على هولاكو بخطاب اقوى واشد بلاغة
رسالة هولاكو للسلطان قطز والرد عليها
بدا قطز بتجهيز الجيش والتمهيد للاهالي بالحرب فقد لاقى كثيرا من الرفض والخوف من الحرب مع التتار بعد ما وصل الى مسامعهم، وهنا كان قد وصل مكتوب هولاكو الى قطز يهدده ويطلب منه الاستسلام وتسليم مصر، وقال فيه: “من ملك الملوك شرقا وغربا القان الاعظم، باسمك اللهم باسط الارض ورافع السماء يعلم الملك المظفر قطز، الذي هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا الى هذا الاقليم، يتنعمون بانعامه، ويقتلون من كان بسلطانه بعد ذلك، يعلم الملك المظفر قطز، وسائر امراء دولته واهل مملكته، بالديار المصرية وما حولها من الاعمال، انا نحن جند الله في ارضه، خلقنا من سخطه، وسلطنا على من حل به غضبه. فلكم بجميع البلاد معتبر، وعن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم واسلموا لنا امركم، قبل ان ينكشف الغطاء، فتندموا ويعود عليكم الخطا، فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرق لمن اشتكى، وقد سمعتم اننا قد فتحنا البلاد، وطهرنا الارض من الفساد، وقتلنا معظم العباد، فعليكم بالهرب، وعلينا بالطلب، فاي ارض تاويكم، واي طريق تنجيكم، واي بلاد تحميكم؟ فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا مناص، فخيولنا سوابق، وسهامنا خوارق، وسيوفنا صواعق، وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال، فالحصون لدينا لا تمنع، والعساكر لقتالنا لا تنفع… الخ فلا تطيلوا الخطاب، واسرعوا برد الجواب، قبل ان تضرم الحرب نارها، وترمي نحوكم شرارها، فلا تجدون منا جاها ولا عزا، ولا كافيا ولا حرزا، وتدهون منا باعظم داهية، وتصبح بلادكم منكم خالية، فقد انصفنا اذ راسلناكم، وايقظناكم اذ حذرناكم، فما بقي لنا مقصد سواكم، والسلام علينا وعليكم، وعلى من اطاع الهدى، وخشي عواقب الردى، واطاع الملك الاعلى”، وختم تهديده بشعر:
الا قل لمصر ها هولاكو قد اتى.. بحد سيوف تنتضى وبواتر
يصير اعز القوم منا اذلة.. ويلحق اطفالا لهم بالاكابر
جمع قطز الامراء واتفقوا على قتل رسل التتار، فقُبض عليهم، وامر بقتلهم وتعليقهم على ابواب القاهرة، واُشيع الخبر بين الناس من اجل رفع روحهم المعنوية، وردّ على هولاكو بخطاب اقوى واشد بلاغة يخبره فيه: “اننا لا نستسلم ابدا وسنخوض الحرب معكم، وان عشنا فسعيدا، وان متنا فشهيدا، الا ان حزب الله هم الغالبون”.
تم اللقاء على ارض المعركة صباح يوم 26 رمضان 658هـ، امتلا الوادي بالجنود والناس الذين كانوا قد توافدوا متطوعين من اجل الشهادة من كل بلاد الشام
بداية المعركة
خرج السلطان المظفر قطز بجيشه يوم 25 رمضان 658هـ (الثالث من سبتمبر/ايلول 1260م)، وبصحبته الملك المنصور ملك حماة، وكان قد امر الامير ركن الدين بيبرس ان يقود عساكره ليكونوا في مقدمه الجيش الى غزة كي يعرف اخبار العدو، بالاضافة لايهام العدو بالعدد القليل للجيش، ثم حدثت معركة في غزة وتم القضاء على التتار الموجودين بها ولحق به قطز مع القسم الاكبر من الجيش واخذ بيبرس يناوش ويراوغ قوات التتار ليخفي وجود الجيش الكبير، ثم انضمت قوات الجيش الاستطلاعية الى القوات الكبيرة في الشام في منطقة عين جالوت، وهي قرية صغيرة تقع بين بيسان ونابلس في فلسطين.
كان كتبغا نويان نائب هولاكو موجودا في الشام، وجمع جيشه ليواجه المسلمين، واستشار صاحب حمص بالدخول او انتظار الامداد من هولاكو وجيشه، ولكنه قرر الدخول في الحرب وكان جيش المسلمين قد اكتمل وتجمع عدد كبير من الشام والعراق وباقي الدولة الخوارزمية والترك وغيرهم الذين خرجوا من اجل الجهاد في سبيل الله.
وتم اللقاء على ارض المعركة صباح يوم 26 رمضان 658هـ، امتلا الوادي بالجنود والناس الذين كانوا قد توافدوا متطوعين من اجل الشهادة من كل بلاد الشام.
القي السلطان بخوذته على الارض تعبيرا عن اشتياقه للشهادة وعدم خوفه من الموت واطلق صيحته الشهيرة التي تتردد حتى الان (وااسلاماه وااسلاماه)
حينما احاطت قوات المسلمين بالتتار احاطة السوار بالمعصم في عين جالوت، وتم حصار قوات التتار داخل السهل، اظهرت ميمنة التتار قوة وتفوقا وبدات تضغط على الجناح الايسر للقوات الاسلامية، وبدات قوات المسلمين تتراجع تحت الضغط الرهيب للتتار، وبدا التتار يخترقون الميسرة الاسلامية والشهداء يتساقطون في ارض الموقعة، ولو اكمل التتار اختراقهم للميسرة لاستطاعوا الالتفاف حول الجيش الاسلامي وبذلك تتعادل الكفتان.
وكان قطز يرى المعاناة التي تعيشها ميسرة المسلمين فدفع اليها بقوات احتياطية، ولكن الضغط التتري استمر وشهداء المسلمين يتساقطون، وبدا بعضهم يشك بالنصر، لم لا؟ فالكل يعرف ان التتار جيش لا يهزم، فلم يجد السلطان قطز في هذه اللحظة الا حلا واحدا لا بديل عنه، الا وهو ان ينزل الى المعركة بنفسه في هذا الوقت، اذ لا بد له ان يثبّت اقدام جنوده بالطريقة التي اعتادها معهم، وهي طريقة القدوة، وبها يوضح لجنوده الجهاد في سبيل الله والموت من اجل رفع راية الاسلام “نحن نريد الاخرة وهم يريدون الدنيا، وشتان بين الفريقين”.
القي السلطان بخوذته على الارض تعبيرا عن اشتياقه للشهادة وعدم خوفه من الموت واطلق صيحته الشهيرة التي تتردد حتى الان “وااسلاماه وااسلاماه”، والتي قلبت موازين المعركة، حيث القى قطز بنفسه وسط الامواج المتلاطمة من البشر وفوجئ الجنود بوجود السلطان المظفر وسطهم يعاني ما يعانون ويشعر بما يشعرون ويقاتل كما يقاتلون، هنا التهب حماس الجنود وهانت عليهم جيوش التتار وحملوا عليهم وانطلقوا في جسارة نادرة يصدون الهجمة التترية البشعة، واشتعل القتال في سهل عين جالوت وعلت الاصوات بالتكبير، ولجا المسلمون الى ربهم في هذا اليوم الذي لن ينسى في تاريخ البشر الى قيام الساعة.
وقاتل قطز قتالا عجيبا، ثم صوب احد التتار سهمه نحو قطز فاخطاه، ولكنه اصاب الفرس فمات، فترجل السلطان وظل يقاتل على الارض، وقاتل ماشيا لا خيل له، وما تردد لحظة، وما نكص على عقبيه، وما حرص على حياته، وراه احد الامراء وهو يقاتل ماشيا فجاء اليه مسرعا، وتنازل له عنه فرسه الا ان قطز رفض ذلك، وقال: ما كنت لاحرم المسلمين نفعك!! وظل رحمه الله يقاتل ماشيا الى ان اتوه بفرس من الخيول الاحتياطية، وقد لامه بعض الامراء على ذلك، وقالوا له: لم لم تركب فرس فلان؟ فلو ان بعض الاعداء راك لقتلك وهلك الاسلام بسببك. قال السلطان رحمه الله: “اما انا فكنت اروح الى الجنة، واما الاسلام فله رب لا يضيعه، قد قتل فلان وفلان وفلان، حتى عد خلقا من الملوك، فاقام للاسلام من يحفظه غيرهم، ولم يضيع الاسلام”.
وكانت هذه المعركة من ابرز المعارك الفاصلة في التاريخ الاسلامي هي الاولى التي خسر فيها التتار، وبهذه الخسارة الفادحة تم ضم وتوحيد العالم الاسلامي تحت حكم المماليك لاكثر من 270 عاما، فقد كان لمعركة عين جالوت اثر عظيم في تغيير موازين القوة بين القوى العظمى المتصارعة في منطقة الشام، فقد تسببت خسارة التتار في المعركة من تحجيم قوتهم، فلم يستطع القائد التتاري هولاكو الذي كان مستقرا في تبريز من التفكير في اعادة احتلال الشام مرة اخرى، وكان اقصى ما فعله ردا على هزيمة قائده كتبغا هو ارسال حملة انتقامية اغارت على حلب.
وقف زحف التمدد المغولي في غرب العالم سواء في شمال افريقيا والمغرب او في اوروبا، وهذا ما اقرته بعض المصادر الغربية
ماذا بعد الانتصار؟
عودة ديار الشام الى السيادة الاسلامية وكسـر اسطورة المغول في نفوس المسلمين، بعد ان يئست بعض القلوب من النصر على التتار لاستيلائهم على معظم بلاد المسلمين، ولانهم ما قصدوا اقليما الا فتحوه ولا عسكرا الا هزموه.
اقرار شرعية المماليك في الشام فامتد سلطانهم من نهر الفرات شرقا الى برقة غربا، ومن حلب شمالا الى تخوم بلاد النوبة جنوبا، وتحولت الشام الى ولايات او نيابات كبرى كلها خاضعة لسلطانهم.
انتهاء الدولة الايوبية وخضوع من تبقى منهم للسيادة المملوكية مثل الملك المنصور في حماة وابنائه من بعده حتى النصف الاول من القرن الثامن الهجري، والاشرف موسى الذي رجع عن تحالفه مع المغول واقره المماليك على ولاية حمص.
وقف زحف التمدد المغولي في غرب العالم سواء في شمال افريقيا والمغرب او في اوروبا، وهذا ما اقرته بعض المصادر الغربية.
توطد العلاقات بين المماليك ومغول القفجاق المسلمين في شمال بحر قزوين، وتحالف الفريقين ضد عدوهما المشترك المتمثل في اسرة هولاكو بايران والعراق.
ادت هزيمة المغول في عين جالوت الى فشل سياسة الصليبيين في الشـرق الادنى القاضية بالتحالف مع المغول ضد المسلمين، والى تعجيل زوال الامارات الصليبية في بلاد الشام في ما بعد. (ايوب، عين جالوت معركة حطمت اسطورة المغول، مدونات الجزيرة، 2017).
المصادر والمراجع
د. علي محمد الصلابي، السلطان سيف الدين قطز ومعركة عين جالوت، مؤسسة اقرا، القاهرة، 1430-2009، ص 121.
السيوطي، تاريخ الخلفاء، وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية – قطر، ط2، 1434-2013، 1/ 403.
شوقي ابو خليل، عين جالوت بقيادة الملك المظفر قطز، دار الفكر، دمشق، 2005، ص 89.
الصفدي، الوافي بالوفيات، دار احياء التراث العربي، بيروت، 1420-2000، ص 64.
ابن كثير، البداية والنهاية، مكتبة المعارف، بيروت، 1410-1990، 13/ 222.
المقريزي، السلوك لمعرفة دول الملوك، دار الكتب العلمية، بيروت، 1997، 1/ 514-515.
موقع اسلام اونلاين، ماذا تعرف عن معركة عين جالوت.معركة عين جالوت.. النصر الرمضاني الذي حطم الاسطورة المغولية