اخبار اليوم الصحيفة, من اجل ان اخبار اليوم الصحيفة, من اجل ان
لا يخفي اليمنيون رغبتهم بوقف الحرب العبثية التي فرضت عليهم منذ اكثر من ست سنوات، والتحلل من اعبائها، لكنهم يريدون فهم جدوى اطلاق مبادرة من طرف واحد، ومن دون وقف العلميات العسكرية، ومن دون معالجة اوضاع اليمنيين تحت وطاة الحرب والجوع والحصار، فالتحالف الذي يقاتل على الارض باليمنيين، المتنازعين فيما بينهم، او بمرتزقةٍ يجلبهم من الخارج، لا يخسر سوى السلاح، مستخدما ايادي الغير، لتنفيذ خططه، مثل التدمير الممنهج جوا، بخبراتٍ خارجيةٍ، تطاول كل قدرات اليمن الاقتصادية والاجتماعية والتاريخية، وقتل الاف الشباب اليمني واخفائهم في السجون السرّية، بيد اتباعه من المليشيات المحلية التي سلّحها، وتاليب الفرقاء ضد بعضهم في مواجهاتٍ لا تتوقف، كي يشغلهم عن وقف طموحاته، ويضمن مزيدا من الثارات في اليمن.
وبهذا الاسلوب، تم تدمير جيلٍ كاملٍ في حربٍ تتسع داخليا يوما بعد اخر، لتمكينه من السيطرة على اهم المواقع الجغرافية الامنة، وشفط ثروات النفط والغاز بطرقٍ غير مشروعة، وغلق مناطق الثروات المعدنية، تحت مبرّر مناطق عسكرية محظورة، كي يستخرج الثروات ويشحنها بحرا الى الدول المجاورة، من دون ان يعترضه احد، واغلاق مناطق الصيد الساحلية وتجريف الثروة البحرية وتهجير الصيادين من مناطق الصيد الى سواحل دول القرن الافريقي المجاورة وسجونها، حتى الالياف الضوئية البحرية، لم تسلم من الاعتداء واعادة تشغيل الاتصالات لليمنيين بثمن مجحف، انطلاقا من دول الجوار، كي تسهل السيطرة على كل وسائل التواصل بين اليمن والخارج.
بعد ست سنوات عجاف من الحرب والدمار والقتل، يبرز من يتبنّى اخراجا مسرحيا لنهاية هذه المغامرة العسكرية، بالتسليم بان ما حدث كان امرا عابرا
وعلى الرغم مما يعانونه من ويلات الحرب والنهب المنظم لثرواتهم، والقتل المتواصل لابنائهم، ينتظر اليمنيون السلام بشوق، حفاظا على ما تبقى من ارواح واعراض واموال وانسان، ويتطلعون الى مساراتٍ جديدةٍ، تؤمّن لهم السلام القائم على العدل الذي لا يقود الى حرب جديدة، ويتدارسون محاولات تحقيق السلام من طرف واحد من دون موافقة بقية الاطراف، ويبحثون عمّن سيقف معهم لاحلال السلام العادل لبلادهم وللمنطقة، وهم تحت حصارٍ لا يناصرهم فيه احد سوى بعض المتعاطفين الذين لا يملكون قرارا امام تنمّر كثيرين من المستفيدين من استمرار الحرب، الذين ليس في مصلحتهم التاسيس لسلامٍ دائمٍ ومنصفٍ في اليمن، ولا ايقاف الحرب!
ومع كل ما تركته المبادرة السعودية لوقف اطلاق النار في اليمن من لغط، فان المتصفّح بنودها وتوقيتها سيجدها تفتقر لرؤية متكاملة لكيفية معالجة الاثار المترتبة على حربٍ لا تزال مستمرة، وخاليةً من اي ضماناتٍ مستقبليةٍ لتحقيق استقرار دائم، ولا تمنح اليمنيين فرصة المشاركة في وضعها او الدفاع عن قضيتهم فيها. ولا تضمن الغاء الهيمنة الخارجية من دول الجوار التي تتحكّم بالارض والانسان! فمع اطالة عمر الحرب، وما ترتب عليها من ماسٍ انسانية واجتماعية من تجويع وتفقير ممنهج للانسان اليمني، فان اولويات اليمنيين المهملة في المبادرة هي: معالجة اثار الحرب الكارثية على مجتمعهم، واتاحة الفرصة لجميع الاطراف للمشاركة في وضع الية تضمن للجميع خروجا امنا من هذه الحرب، ووقف تكوين المليشيات وتسليحها، وضبط انتشار السلاح الثقيل في اوساط القرى والمدن بيد معارضين ومؤيدين بشكل مخيف.
ولكن في حال فرض اية مبادرة لوقف اطلاق النار، ومن دون ضوابط، قد يتم التنصّل من جرائم الحرب، ويتم الاتجاه نحو سلامٍ شكليٍّ، يترك المواطن تحت رحمة هذا السلاح المنفلت. وبذلك لا يمكن ان تتحقق ابسط مبادئ العدالة والانصاف للضحايا، ولن تكون هناك اهمية لاعلان مبادرات سلام غير واقعية، ان لم يكن الهدف الحقيقي منها تحقيق سلام دائم وعادل، بضماناتٍ دوليةٍ تنهي المشكلة من جذورها، وفقا لقوانين الحرب والسلام.
تفتقر المبادرة السعودية لوقف اطلاق النار في اليمن لرؤية متكاملة لكيفية معالجة الاثار المترتبة على حربٍ لا تزال مستمرة
والمؤسف انه، وبعد ست سنوات عجاف من الحرب والدمار والقتل، يبرز من يتبنّى اخراجا مسرحيا لنهاية هذه المغامرة العسكرية، بالتسليم بان ما حدث كان امرا عابرا. ويكفي، في نظره، ان من اشعل الحرب قد ابدى رغبته في انهائها، معتقدا ان الرغبة وحدها كافيةٌ لان تكون محل تفاوض وترضية. ولكن من الواضح ان تجارب العالم في مواجهة مثل هذه الكوارث تؤكّد ان كل مبادرة سلام لا تعالج ما احدثته من دمار، وبضماناتٍ يدعمها راي عالمي واقليمي ضاغط يكون مصيرها الفشل، ففي البداية، تورّط صانع قرار الحرب في اشعالها، ثم ورّط مجلس الامن في الموافقة عليها من دون حسابٍ لكلفتها ولا لنتائجها. وتمكّن من تمرير القرار بامكاناته المهولة من داخل اروقة الامم المتحدة، من دون ذكر الغرض الحقيقي من الحرب. واليوم، يتاكّد للعالم ان طبيعة الرغبة المفاجئة باطفائها على هذه العجالة ليست سوى محاولة لتصوير الكارثة وكانها ليست الا مشكلة عابرة، سببها اليمنيون انفسهم، حتى يتم التغاضي عن الدمار الهائل والهروب من استحقاقاته.
وقد وضعت المصالح المشتركة الجميع دعاة حرب في نظر العالم، وفي نظر القانون الانساني الدولي، حربٍ اجبرت اليمنيين على دفع الغالي والنفيس من ارواح واموال وممتلكات. وبالتالي، لم يعد في مقدور احد ان يدافع عن مرتكبيها، ولا التغاضي عن كل من تسبّب فيها من اللاعبين الاساسيين، كالدول المشاركة بالدعم اللوجيستي وتوفير السلاح، والتي حصلت على رخصةٍ دائمةٍ لانعاش اقتصادياتها على حساب الماساة اليمنية، ببيع السلاح الذي يقتل الشعب اليمني، وتزييف الحقائق امام العالم، حرصا على مكتسباتها المالية. ومثل الامم المتحدة التي انضمت الى شبكة مصالح التحالف، واسهمت، بمواقفها المتخاذلة، في خذلان اليمنيين، وتجاهل ما يدور في بلادهم من انتهاكاتٍ واسعةٍ لحقوق الانسان من تجويع وحصار لهم، ومن جامعة عربية ارادت ان تدعي النوم، فلا ترى ولا تسمع!
ولعل اكثر ما يخشاه المراقبون ان تجيّر مثل هذه المبادرة لصالح طرف واحد، او تستخدم حجّةً لانشاء واقع جديد لطرفٍ قد استفاد من الحرب في غفلةٍ من الزمن، ولم يتبق للعالم سوى مباركته، في ظل زخم اعلامي واسع لتزييف الحقائق، ما قد يدفع اليمنيين نحو مزيدٍ من التنازلات، خصوصا مع وجود شرعيةٍ عاجزةٍ وفاسدةٍ ومقيدة، او يدفع بهم نحو مزيدٍ من التطرّف لخوض مزيدٍ من الحرب التي سوف تستنزف ما تبقى من قدرات الشعب اليمني وامكاناته. وقد يشجّع ذلك بعض اطراف الحرب على استغلال رغبة الشعب اليمني بالسلام، وتجييره بناء على مصالحها هي، وليس بناء على مصالح اليمن، خصوصا مع وجود مبعوثين صديقين للتحالف، لا يهمهما سوى ما سيحصلان عليه من مقابل اتمام هذه الصفقة.
ينبغي للقوى المتصارعة داخليا ان تتهيا لايقاف الحرب، وان تتجه نحو المصالحة، من دون استقواء اي منها بالخارج، وبدون فرض الارادات على بعضها بعضا
اذا كان الجميع يعترفون بان لا جدوى ولا مصلحة من استمرار هذه الحرب في اليمن، فان من غير المجدي ايضا ايقافها بمبادرة غير عادلة ولا توافقية من اي طرف، حتى لا تُقطع الطريق على المجتمع الدولي، باطلاق مبادرة سلام حقيقية، تكون محل قبول من جميع الاطراف، وتستطيع ان تسهم في وقفٍ شاملٍ للحرب، ومعالجة اثارها الانسانية، انطلاقا من مبادئ القانون الدولي والمسؤولية القانونية والاخلاقية التي ٌتلزم جميع اطراف الحرب احترام حق اليمنيين في الحياة الكريمة.
من هنا اصبح من الضروري ايقاف حرب اليمن بقرار دولي، بناء على طلب اممي، يصدره مجلس الامن الذي منح شرعية اطلاق هذه الحرب. وقد يكون هذا هو المخرج الحقيقي الذي يمكن ان يقترحه المجتمع الدولي لليمن، ويدعو التحالف اليه، والذي يمنح اليمنيين فرصة صياغة المقترح والتوافق عليه. ويرافق ذلك الدعوة الى المصالحة الوطنية وتحقيق العدالة الانتقالية بين اليمنيين، بضماناتٍ دوليةٍ كافيةٍ تمنع نزيف الدم مستقبلا، وان تحتكم بنود اية مبادرة الى القانون الدولي الانساني لمحاسبة المتورّطين في الجرائم المرتكبة ضد الانسانية، سواء صدرت عن يمنيين او عن غيرهم، وان تدفع التعويضات للمتضرّرين عن المعاناة الناتجة عن هذه الحرب.
كما اصبح من الضروري التقاط جميع مبادرات منظمات المجتمع المدني والمفكرين والاطراف السياسية اليمنية لاحلال السلام في اليمن بدون استثناء واعتبارها من المرتكزات الرئيسية لاي سلام قادم، وان يتم استخلاص مبادرة واقعية شاملة تلبي طموح الجميع بحيث تكون سندا لاية مبادرة دولية يتفق عليها المجتمع الدولي لتقريب وجهات النظر واتمام المصالحة الوطنية وهي النقطة الاهم في اية مبادرة وطنية او دولية قادمة لليمن، اذ من الصعب قبول مبادرة لا تتفق عليها جميع الاطراف ولا تعبر عن طموحات الشعب اليمني وتتجاهل بعض اطراف النزاع. ولا يمكن ان تحظى اي مبادرة بالاجماع، ما لم تقدم حلولا جذرية لسلام دائم بين كل مكونات المجتمع اليمني، وازالة التباين بين دول الجوار واليمن، وقد وسّعت هذه الحرب رقعة هذا التباين.
اذا كان الجميع يعترف بان لا جدوى من استمرار الحرب، فمن غير المجدي ايضاً ايقافها بمبادرة غير عادلة ولا توافقية من اي طرف
واية مبادرة لا تحمل في طياتها طريق سلام واضحا يبدا بوقف الحرب ورفع الحصار وازالة اسم اليمن من قرار مجلس الامن تحت البند السابع، وانسحاب كل القوى العسكرية الاجنبية من الاراضي اليمنية كافة، ويطالب السعودية بدفع التعويضات الناتجة عمّا احدثته حربها على اليمن من دمار في كل مناحي الحياة، اي مبادرة لا تشتمل على هذا كله لن تكون مقبولة لاي طرف يمني، حتى اولئك الذين دخل التحالف باسمهم اليمن.
ينبغي لجميع القوى المتصارعة داخليا ان تتهيا لايقاف الحرب، وان تتجه نحو المصالحة، من دون استقواء اي منها بالخارج، وبدون فرض الارادات على بعضها بعضا بعد كل هذا الدمار، لان ذلك سيكون انصافا للباطل الذي قامت عليه هذه الحرب، واعترافا بعدم استحقاق هذا الشعب السلام. وعليهم ان يقدّموا الوطن على انفسهم، فلا يوجد من هو احق بالحكم الا من يختاره الشعب بارادته. ولا يوجد “نظام حكم الا بالتوافق”، بناء على ثوابت وطنية تضمن العدالة الاجتماعية، وتلغي المناطقية والعنصرية والطائفية، وتُبقي على الوحدة الوطنية او ما تبقى منها. وقبل هذا وذاك، لا بد من ان يتفق الجميع على شكل الدولة بدون وصايةٍ من احد، فاليمن بلد توافقي، وهذا ديدنه من قبل ظهور التعدّدية السياسية والديمقراطيات. وعلى ابنائه ان يسارعوا في الالتقاء، كي تتوقف الاملاءات الخارجية المفروضة، وان يسحبوا تفويضهم الاخرين بالتدخل في شؤونهم. وان يستمعوا الى الشارع اليمني جيدا، فقد ضاق بالجميع، فلو كانت هناك قوى حقيقية هدفها خدمة اليمن، لما تجرّا احدٌ على ان يُقدم على جريمة حربٍ ست سنوات، دمرت البلاد والعباد. ولا استسهل احدٌ الخيانة الوطنية بلا خوف او خجل بالوقوف ضد بلاده ووحدتها وامنها وسلامة اراضيها تحت اي مبرر كان.من اجل ان تنجح مبادرات وقف الحرب في اليمن