اخبار اليوم الصحيفة, تطبيق “اي سيفيل”.. اخبار اليوم الصحيفة, تطبيق “اي سيفيل”..
ثورة اخرى تهزّ بوركينا فاسو هذه الايام، غير انها مختلفة بعض الشيء عن تلك التي هزّت البلاد اواخر اكتوبر/ تشرين الاول 2014، واطاحت بـ 27 عاما من حكم الرئيس السابق بليز كمباوري.. هو تطبيق على الهواتف المحمولة يمنح اصحابه امكانية تسجيل الاطفال حديثي الولادة في دفاتر الحالة المدنية برسالة نصية قصيرة.
التطبيق يحمل اسمي “اي سيفيل”، وهو ثمرة ابتكار وابداع اثنين من الباحثين البوركينيين: اداما ساوادوغو وفرانسيس بورييري، صاحبا المنصّة الالكترونية الحاملة للاسم نفسه. انجاز يكتسي اهمية كبرى بالنسبة لسكان المناطق الداخلية على وجه الخصوص ممن يجدون انفسهم مجبرين على التنقّل وقطع مسافات طويلة للقيام بمختلف اجراءات الحالة المدنية.
المنصّة الالكترونية تعتمد على تطبيق يتم تنزيله على الهواتف المحمولة، وهو عبارة عن حلّ متكامل يمكّن من الاعلان عن الولادات عبر رسالة “اس. ام. اس”، واصدار اجراءات حقيقية وقابلة للتحقّق والتثبّت.
وعلاوة على ما يتيحه “اي سيفيل” من يسر وتسهيلات في ما يتعلّق بوصول السكان الى خدمات الحالة المدنية، يمكّن التطبيق ايضا من مكافحة الغش الاداري، بحسب ساوادوغو.
الباحث البوركيني عاد، في حديث مع الاناضول في العاصمة واغادوغو الى الحيثيات التي حفّت بظهور فكرة التطبيق، قائلا: “في 2010، طلب مني سكان القرية التي تنحدر منها والدتي بناء مدرسة، وبمجرد الانتهاء من الاشغال، بدانا بتسجيل الاطفال، وقد كان عددهم كبيرا، لكن ما اثار انتباهنا هو ان من جملة الاطفال الـ 101 ممن تقدّموا للتسجيل، 5 فقط من بينهم يمتلكون شهادات ميلاد”.
افة اجتماعية قال ساودوغو انها منتشرة في عدد كبير من البلدان الافريقية، حتى انّ البيانات شبه الرسمية تؤكّد انّ 50 % في المتوسّط من السكان الافارقة غير مسجّلين ضمن دفاتر الحالة المدنية، اي انهم لا يمتلكون شهادات ميلاد”.
فـ “لئن لم يتجاوز عدد المسجّلين في بوركينا فاسو الـ 50 % (40 % في المدن و10 % في الارياف)”، يتابع الباحث، الا انّ “النسبة نفسها لا تتعدّى الـ 10 % في بلدان اخرى مثل ليبيريا (4 % من السكان حاصلون على شهادات ميلاد)”.
اما عن الاسباب الكامنة وراء ذلك، فقال انها تتلخّص في 3 عوامل رئيسية، اوّلها المسافة، فـ “مراكز الاعلان عن الولادات غالبا ما تكون في المدن الكبرى، ما يتطلّب قطع مسافات طويلة للوصول اليها، وليس ذلك فقط، وانما قد تكون تلك الطريق محفوفة بالمخاطر، كما انه ينبغي عدم اغفال انه الى وقت قريب لم تكن هناك طرقات في الاصل ولا سكك حديدية، وحتى حين وجدت، يحدث وان لا يجد الكثير من السكان الموارد المالية اللازمة للتنقّل”.
اما السبب الثاني، يضيف، فيتعلّق بالاجال القانونية القصوى الممنوحة للسكان لتسجيل ولاداتهم الجديدة، والتي لا تتجاوز الـ 60 يوما في بوركينا فاسو، مع انّ هذا الحدّ الزمني يمكن ان يصل الى 90 يوما في بعض البلدان الافريقية الاخرى”.
السبب الثالث لا يقلّ اهمية عن سابقيه، ويعتبر احدى ارتدادات انتشار الامّية، ذلك انّ “افتقار الكثيرين للمعرفة يجعلهم غير قادرين على استيعاب اهمّية تسجيل ابنائهم في دفاتر الحالة المدنية، وفي معظم الاحيان يعتقدون انّ الوثيقة التي تتسلّمها الامّ من قسم الامومة هي نفسها شهادة الميلاد”.
جملة من الاسباب تحول بشكل او باخر دون تسجيل الولادات بدفاتر الحالة المدنية، رغم ان مثل هذه الاجراءات تعتبر “حقّا اساسيا لهؤلاء الاطفال في الوجود القانوني في بلدانهم، وفي الحصول على هوية”، على حدّ قول ساوادوغو.
صعوبات بالجملة لفتت انتباه الباحثين، فكان ان قرّرا انشاء منصّة “اي سيفيل”، بتطبيق سهل الاستخدام عقب تنزيله على الهاتف الجوال، فـ “عند الولادة، يستطرد ساوادوغو، “يتلقى المولود الجديد سوارا ثبّت عليه ختم فقاعة مرفوق برمز هو بمثابة الترقيم مزدوج الابعاد، والذي يمكّن من تخزين المعلومات الرقمية تحت رقم موحّد لذلك المولود”.
تطبيق خلص الباحث الى انه “يمكّن القابلة من خلال تمرير الهاتف عبر ذلك الرمز الرقمي، من تلقّي استبيان لملئ المعلومات المتعلقة بالولادة، مثل الاسم واللقب وهوية الوالدين، وجنس المولود، مع تاكيد ساعة وتاريخ الميلاد. ثم، وبمجرّد انهاء تلك الخطوة وارسال الاستبيان، تصل رسالة نصية قصيرة مشفّرة الى الخادم المركزي للمنصة الالكترونية، وهكذا، فانه، وللحصول على شهادة الميلاد، يكفي تقديم ذلك السوار مع خاتم الفقاعة الى اي مركز للحالة المدنية في البلاد، دون الاضطرار الى التوجّه نحو المنطقة التي ولد فيها الشخص”.
واضافة الى دورها الناجع في التعداد السكاني العام والتسجيل في دفاتر الحالة المدنية، يستخدم تطبيق “اي سيفيل” ايضا في التصدّي للغش الاداري، فما يصنع تفرّده هو انه يعتمد على فقاعة الرمز المطوّرة من قبل الشركة الفرنسية “بروفتاغ” (من الشركات الصغرى والمتوسطة)، فهذه التكنولوجيا توفّر رمزا غير قابل للسيطرة عليه من قبل اي شخص، وهذا ما يضمن تفرّد كلّ شفرة يقع انشاؤها، كما يمكن الاحتفاظ بهذا الرمز لمدة 250 عاما على الاقل، ما يضمن استمرارية دورة الحياة بالنسبة لصاحبها”.
دليل مدني مدى الحياة.. ذاك هو رمز “اي سيفيل”، والذي يتجاوز مجرد دوره في الاعلان عن الولادات الجديدة ليصبح نوعا من السجلّ المدني، حيث يمكن لاصحاب تلك الرموز الولوج الى بيانات متفرّقة من ذلك رخصة القيادة والزواج والطلاق او الوفاة.
ومنذ اطلاقه في اغسطس/ اب 2015، مكّن التطبيق من تسجيل اكثر من الف مولود جديد في العاصمة البوركينية، ضمن مبادرة لاقت الكثير من الاستحسان من طرف الحكومة البوركينية، وفي وقت يتوقّع فيه مكتشفاه توسيع مجال استخدامه على المستوى الوطني، وتصديره، في مرحلة لاحقة، الى بقية البلدان التي تواجه اشكالات مشابهة.
ومع ان “اي سيفيل” بوركيني بنسبة 100 %، غير ان النموذج بدا يحظى باقبال في عدد من بلدان القارة السمراء، بل ان النيجر قيد اعتماده في الوقت الراهن، في حين لا تزال المفاوضات جارية بشانه في كل من مالي وكوت ديفوار والسنغال وحتى في فرنسا، بحسب المصدر نفسه.تطبيق “اي سيفيل”.. ثورة الاحوال المدنية في بوركينا فاسو